التاريخ والآثار

“نشأة الدولة العباسية الجزء الأول”

 

بقلم: يوسف محمد. 

 

إن الطريقة التي قامت بها الدولة العباسية لم يسبق أن قامت بها اي دولة أو خلافة إسلامية أخرى حيث قامت الخلافة الراشدة على أساس الشورى وأيضاً الخلافة الأموية قامت على نفس النمط وهو الشورى بعد تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان لكن قيام الدولة العباسية جاءت على هيئة ثورة ضد الأمويين فبدأوا دعوتهم من أواخر القرن الأول الهجري وكان من دهائهم اختيار المكان والزمان حتى الأعوان وكل هذا لنجاح خطتهم

-تنقسم قيام الدولة العباسية إلى مرحلتين: 

 

• المرحلة الأولى (السرية) تبدأ من عام 97 ه‍ أو 100 ه‍ في بعض الروايات ..

 

‏المرحلة الثانية (العلنية) وتبدأ بإرسال إبراهيم الإمام لأبي مسلم الخراساني عام 128ه‍ حيث أعلن الثورة على الأمويين وتنتهي بإعلان البيعة للخليفة أبي العباس عبدالله في مسجد الكوفة عام 132ه‍ ..

المرحلة الأولى:

وضعت الدولة العباسية نهج في التنظيم السري ويعتبر من أفضل تنظيم يحتذي به والدليل على ذلك طبقته بعض الدول التي قامت بعدها مثل الدولة الفاطمية، وكان الهدف وراء هذا الأسلوب السري هي تلك الكوارث التي حلت بالعوام طيلة عصر بني أمية ..


أدرك الإمام محمد بن علي العباسي أن نقل الإمامة من بيت لآخر لابد أن يسبقه تهيئه النفوس لتقبل الوضع الجديد ..

وكان مقره في الحميمة في بلاد الشام وأخذ يرسل الدعاة إلى الجهات المناسبة مثل خراسان رافعاً شعار (الرضا من آل محمد) واختار خراسان يدل على عبقريته في التخطيط حيث شعر بتأزم الوضع في خراسان واقترابها من الإنفجار بسبب الصراعات القبلية وتذمر الموالي؛فرأي أن مرو _ قصبة خراسان_ هي المكان المناسب لأنصار جيش الثورة ..

 

تميزت الدعوة في هذه المرحلة بالسرية التامة وخلوها من أساليب العنف حيث أخذ الدعاة يتنقلون بين البلدان المختلفة لإقليم خراسان في صورة تجار لإخفاء هدفهم وفي الوقت الذي كان فيه الدعاة ينتشرون ويزداد الإتباع حدث أمران كان لهم اثر عظيم في نجاح الدعوة وهما:

1- انشقاق البيت الأموي بسبب الخلافات بين أفراد البيت الأموي ومنها خروج (يزيد بن عبد الوليد بن عبدالملك) على ابن عمه ( الوليد بن يزيد بن عبدالملك ) حيث إجتمع معه الغاضبون وتم التخطيط لعزله وبالفعل تمت السيطرة على دمشق وتم القبض على أنصار ورجال الخليفة الأموي (الوليد بن يزيد بن عبدالملك) وقُتل بعضهم وتمت البيعة ليزيد بن الوليد بن عبد الملك بالخلافة في عام 126ه‍ وقتل الوليد في جمادي الآخر في نفس العام ..

 

بمقتل الوليد  دخلت الدولة الأموية في مرحلة الانهيار وبعد ذلك نجح مروان بن محمد الأموي في الوصول للخلافة بالقوة بعد وفاة الخليفة يزيد بن الوليد وكان الأحق بالخلافة هو إبراهيم بن الوليد فسار مروان بن محمد بجيشه نحو الشام فأرسل الخليفة إبراهيم جيشاً بقيادة أخويه بشر ومسرور فهزمهما مروان وأسرهم ولم يجد إبراهيم إلا أن يخلع نفسه ويبايع مروان بالخلافة عام 127 ه‍ .

 

2- ظهور العصبية القبلية في خراسان وانشقاق القبائل العربية على بعضها البعض واستغلال الولاة لتلك العصبية، مما أدى إلى عدم قدرتهم في الوقوف ضد الحركة الجديدة ..

توفي الإمام محمد بن علي العباسي في عام 125 ه‍ بعد أن قطعت الدولة العباسية شوطاً كبير في الدعوة وأوصى بالخلافة من بعده إلى إبنه إبراهيم المعروف بإبراهيم الإمام ..

المرحلة الثانية:_

تبدأ بإنضمام أبي مسلم الخراساني للدعوة وتميزت هذه المرحلة بإستعمال القوة لتحقيق هدفها وبعد أن امتدت جذورها كان لابد من اختيار زعيم للدعوة فاختار إبراهيم الإمام أبي مسلم الخراساني وكانت شخصيته تؤهله لذلك ..

فأول شيء يفعله ابي مسلم الخراساني _ بأمر من إبراهيم الإمام _  هو تقريب عرب اليمنية لأنهم كانوا شوكة في ظهر الدولة الأموية وايضا أوصاه بالشدة على عرب الشمال ..

نزل أبي مسلم في إحدى قرى مرو في رمضان ١٢٩ ه‍ وعقد اللواء وأمر بلبس السواد كشعار للدولة العباسية وكتب أبي مسلم إلى نصر بن سيار والي إقليم خراسان يدعوه بالدخول في الدعوة فأرسل نصر بن سيار إلى يزيد بن هبيرة والي العراق يستنجد به وكتب إلى الخليفة مروان بن محمد يصف له الحال ويخبره بعظم أمر الخراساني وكتب إليه:

 

أرى خلل الرماد وميض النار

‏                                      ويوشك أن يكون لها ضرام

‏فإن النار بالعودين تذكى

‏                                       وإن الحرب أولها الكلام

‏لئن لم يطفها العقلاء قوم

‏                                        يكون وقودها جثث وهام

‏أقول من تعجب ليت شعري

‏                                        أأيقاظ أمية أم نيام

‏فإن كانوا لحينها نياماً

‏                                      فقل قوموا فقد حان القيام

 

ووصف نصر أمر الخراساني وميل عرب اليمنية وربيعة إليه وظل ينتظر المدد فلم يكن مروان غافل عن الخطر إلا أنه كان مشغول بقمع الثورات في العراق والجزيرة والحجاز واليمن ومصر، وقد وصلته تلك الرسالة وهو يخمد ثورة أهل الحمص فرد عليه وقال ” الشاهد يرى ما لا يري الغائب ، فأحسم الثؤلول قبلك ”

 

وكتب نصر ل يزيد بن هبيرة وقال له :

 

أبلغ يزيد وخير القول أصدقه

وقد تبينت أن لا خير في الكذب

بأن خراسان أرض قد رأيت بها

بيضاً لو افرخ قد حدثت بالعجب

فراخ عامين إلا أنها كبرت

لما يطرن وقد سربلن بالزغب

فإن يطرن ولم يحتل لهن بها

يلهبن نيران حرب أيما لهب

 

فقال يزيد لا غلبة إلا بالكثرة وليس عندي رجل وكانت العلاقة بين الرجلين سيئة لذلك لم يفكر في إنجاده متحججاً بإحتياجه لمن عنده من جنوده لإخماد ثورة الخوارج .لجأ بن سيار إلى شن حرب دعائية ضد الدولة العباسية فرمي الخراساني بالكفر وقال إنهم وثنيون مشركون ويؤمنون بالمانوية والمجوسية وغيرها من الملل الفارسية وإشاع أنهم يهدفون إلى نسف قواعد الإسلام، أقلقت هذه الدعوة العباسيين وخشوا تأثير ذلك على العلماء وعامة الناس فعقدوا اجتماع اتفقوا فيه على مبادئهم وهي العمل بالكتاب والسنة وتحقيق العدل ورفع الظلم والبيعة للرضا من آل محمد .

 

تنسب الدولة العباسية إلى العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي عم الرسول صلى الله عليه وسلم، رزق العباس بعدد من الأبناء كان من بينهم عبدالله بن العباس الذي ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات وظل بمكة مع أبيه حتى سنة الفتح 8 ه‍ التي أسلم فيها العباس وانتقل بعدها للمدينة واحتل مكانة كبيرة بين نفوس المسلمين نظراً لعلمه فكان من أشهر رواة الحديث ومفسريه وحجة في تفسير القرآن الكريم وتأويله حتى لقب بترجمان القرآن وهو الصحابي الجليل الذي كان يلجأ إليه كبار الصحابة في الفتوى.

-المصادر والمراجع: 

• الكامل في التاريخ لابن الأثير.

• ‏التاريخ العباسي والفاطمي _ أحمد مختار العبادي.

• ‏الدولة العباسية ل بدر عبد الرحمن.

• ‏تاريخ الدولة العباسية ل سهيل طقوش.

 

المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

إقرأ أيضًا:_

أغرب العادات في رمضان 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا