سِمار الشباب
كتب : أحمد فوزي
“بأس الأمة في شبابها فإن صلحوا صلحت البلاد و إن كان دون ذلك خارت أعمدتها “
من ذا راب يوماً أن الشعوب تكمن في شبابها فلم يشك أحد في ذلك أبدا .
ولكن معيار الصلاح عبر جيل و جيل يختلف ،و تعاقب جيل على قرينه كولوج الصبح و الدجى ؛
مختلفان تمام الاختلاف و كل منهم يرى أنه الصبح والباقي ظلام .
و حسبي أن أرى بعين جيلي رؤيتهم فيكون سابقيني متخلفين عمَّا أُتيح لي من مقتنيات عصري ،أو أرى بعين الأسلاف فأرى أنني منحرف عمَّا سنَّه السابقون من عُرف و عادات .
و هنا بيت القصيد
كل عصر يفرض نفسه بأخلاقه و عاداتها و أعرافه على معاصريه .
فالتغيير بين هذا وذاك هو واجب و ليس تخلف كما يؤمن المعظم .
لكن لو رجعنا قرناً من الزمان ؛سنرى الشباب آنها عصرهم غير عصرنا و طباعهم غير طباعنا حتى الطموحات و إن كان المراد متشابهاً فإن الأسباب و الطرق و السبل مختلفة و ذلك الاختلاف لا يعني شذوذها .
و قتها كان الاحتلال عسكرياً و استشرقياً ، و العناصر الأجنبية تجوب المجتمعات فارضة ثقافتها و قيمها ،و الحروب لا تهدأ أبدا حتى يظهر الظافر على المغلوب .
ما جعل تلك الأجيال تطمح للحرية و العدالة و الخوجنة بأنواعها فرنسة و جلنزة و طلينة و من ثم فرض الطابع العربي المسلم و تلك كانت حرب الهوية .
و بعد حين رأينا ثورات معرفية و عسكرية نتج عنها حروب الاستقلال و العولمة و استقطاب العالم الجديد على كل المجتمعات و جعل كل البلاد قُرى صغيرة اتجاهها واحد .
نفى ذلك الطابع المحلي يوماً بعد يوم حتى يومنا هذا.
و نشأ جيلنا و هو لا يرى صراعاً
فما هو طموحه ؟؟
الحرية !
ما هي الحرية لدينا ؟؟
فعل ما أردنا وقتما نشاء أينما نشاء !
الزواج ؟؟
و هل الزواج جميلة حسيبة لم تكلم فتى إلانا مثقفة زكية ذكية واجهة مشرفة تأتي في نصف الدُجى على فراشنا !
الثراء ؟؟
و هل الثراء إمتلاك مقومات الرفاهية مختلفها و أجمعها و كل ما لذت به أعيننا و شهواتنا !!
في ظل الثورة العولمية و تهافت الشعوب بممارسة طباع الأخرى و إختلاف الثقافات التي جوَّعها بتشبيع بباعث تشابه الثقافات ببعضها رأينا أنفسنا بلا أحلام .
و أحلامنا مجردة من رزانة الأمور و اختلاف المفاهيم واختلاط البديهيات .
حتى سألنا ذواتنا سؤالاً واحداً :
إلى أين نحن ؟
إلى أين يكون مرسانا ؟
و كيف نحن نرى النور في طريق الضلال ؟
بل و كيف لا نشعر حسيس ضياء الهدى فنهتدي ؟
المادية و السطحية و الشهوانية و العلاقات العابرة و تآكل الهوية حتى الدين لآزال البعض في ظن عظيم أن الدين موضة قديمة و الفلسفة تهافت عقيم و الأدب ديكور عتيق و العلم سلعة محتكرة ؛كل أولئك سمات عصرنا و بما أننا معاصرو ذاك العصر فأمست تلك نعوتنا .
و كي نعالج عللِنا بُّد أن نأخذ كل سِمة معلقمة و نضعها ببسلم شافي .
فالمادية تُهذب و الشهوانية تُكبح و السطحية تُرزَّن و الحب العابر يمحوه الحقيقي و و الهوية تؤوب في صدرونا و الدين دستورنا و الفلسفة قاعدتنا و الأدب عليُّنا و العلم في صراطه المستقيم .
و إنها معضلة كل جيل و جيل لن تتفق حتى قيام الحاقة .
وبين شعر أبيض وآخر أسود ؛دول قامت ومجتمعات انهارت ثقافات وُلدت وأعراف ماتت .
و تجارب عظمى من حروب و أحزاب و زيجات و صداقات وعداوات و أعمال و آداب و لغات و علوم و تقنيات .
كل أولئك في صفد التغير بين ساعة و ثانيتها .
و هنا السؤال
هل الجيل الجديد يحتاج العقل والرزانة ككفاية لقِبلة جديدة أم هناك ما هو أعظم ؟؟!