التاريخ والآثار

مملكة إبلا (تل مرديخ)

كتبت: ندي عماد

لم يكن العثور على أطلال مملكة “إبلا” حدثاً بسيطا في تاريخ سوريا المعاصر،وانما معرفة “إبلا” نقلت سوريا إلى مكانة عاليه وجعلتها تحتل مركزاً حضارياً غاية فى الأهمية في منطقة الشرق الأدنى جنباً إلى جنب مع بلاد الرافدين وحضارته السومرية ووادي النيل وأهراماته وعصر ملوكه العظماء.

موقع مملكة إبلا:

تقع إبلا فى الموقع المعروف حاليا باسم ” تل مرديخ ” على مسافة ٦٥ كم على الجنوب الغربى من حلب، وعبر الطريق العام الواصل بين دمشق وحلب، ويعنى اسم إيلا: عبلة وهى الصخرة البيضاء الملساء. وينسب الفضل الأكبر فى الكشف عن معالم المكان إلى بعثة أثرية إيطالية من جامعة روما رئاسة ” باولو ماتييه ” بدءا من عام١٩٦٨ م، وقد تأكد أن تل
مرديخ هو المكان الذي يضم بين جنباته بقايا مدينة إبلا القديمة، عندما عثر فى بدء العمل بالمكان عام ١٩٦٨م على تمثال نصفى من البازلت لجسم رجل بدون رأس مدون عليه نقوش ممارسة باللغة الأكادية، أمكن تأريخه فيما بين ١٩٠٠-١٨٠٠ق.م وتمت ترجمه النص المدون عليه إلى : ” تكريما للربة عشتار قد شيد (أبيت- ليم) ابن ملك إبلا “اجريش حيبا حوضا للطهارة فى المعبد”

مملكة إبلا (تل مرديخ)

إبلا خلال عصر البرونز المبكر:

تذكر حوليات الملك الأكادي شروكين الأول ٢٣٤٠ – ٢٢٨٤ ق. م أنه توجه بفتوحاته فى العام الثالث من حكمه إلى الشمال الغربى من بابل فى أولى حملاته، واحتل توتول الواقعة على نهر الفرات. ثم تابع سيره حتى مارى واستولى عليها، ثم جهز حملة ثانية إلى سورية فى العام ال ١١ من حكمه، ووصل إلى شمال سوريا، فغزا إبلا ثم تجاوزها إلى يرموتى على البحر المتوسط، ثم توجه إلى جبال الأرز، ثم يقول مبالغا إنه تابع الزحف بجيشه حتى جبال طوروس، وغزا مدنا كثيرة ومناطق شاسعة تقع فى قلب الأناضول، وعبر البحر المتوسط إلى بلاد القصدير( ربما قبرص أو شواطئ آسيا الصغرى الجنوبية).
وسواء كانت أخبار سرجون صحيحة أو من قبيل الإفتخار بإحراز الإنتصارات المتتالية على أمم وبلاد متعددة، فإن ذكره إبلا يعد شاهدا على قدمها، وأنها كانت معروفة فى عصره، وذات شأن بين حواضر الشرق الأدنى القديم. وبعد العثور على محفوظات إبلا فقد تأكد أن تاريخ نصوصها المكتشفة يعود إلى الربع الثالث الألف الثالث ق.م، وتعد نتيجة لهذا أقدم النصوص التى عثر عليها على أرض سورية ذاتها حتى اليوم. وتقدم نصوص إبلا أسماء ستة من الملوك الذين تعاقبوا على حكم إبلا، استطاع الباحثون أن يستخلصوها من بين ثنايا النصوص وهم: (إجريش خلام، إركب دامو، أرانوم (عرينوم)، إبى سيبيش، ذوبوحو -عدا)، الذى يرد ذكره فى الوثائق وليا للعهد ولا يطلق عليه لقب الملك. ولما كان نرام سين لا يقل عن جده سرجون طموحا وعزيمة فإنه يذكر كذلك أنه مد سلطانه من عيلام شرقا حتى جبال الأرز (الأمانوس أو لبنان) غربا، ومن أسيا الصغرى فى الشمال إلى ماجان (بلاد عمان اليوم) فى الجنوب الشرقى. وفى عداد المدن التى اجتاحها يأتى نيرام سين على ذكر إبلا، وهذا يعن أن إبلا تعرضت مرتين للغزو الأكادى، وتؤكد النصوص الحثية التي عثر عليها فى العاصمة خاتوشا (بوغازكوى اليوم)، ذكرى غزوة نارام سين التى لم تكن إذن من ضرب الخيال والمبالغة، بل حدثت فعلا. وتذكر نصوص ملك لجش السومري جوديا (٢١٤٤-٢١٢٤ ق.م.)، أنه كان يتعامل مع كل المناطق التى وصلت إليها جيوش أكد من قبل، ويصل تجاره إليها سلما، ومنها إبلا التى كان التجار يستوردون منها الأنسجة الكتانية وأخشاب الصنوبر.
كما يرد ذكر المدينة فى وثائق أسرة أور الثالثة فى نهاية الألف الثالث ق.م. وفى النصوص الآشورية القديمة التى يعود تاريخها إلى بداية القرن ١٨ ق.م.، وفى نصوص أوجاريت، وألالاخ من أواخر القرن ١٨ حيث ترد الإشارة التاريخية التالية: ” فى ذلك العام عندما اختار ملك ألالاخ أميتاكو ابنة حاكم إبلا زوجة لإبنه “.

مملكة إبلا (تل مرديخ)

علاقات إبلا مع مصر:

– لقد عثر في تنقيبات إيلا ، على دلائل أثرية مادية ، تبرهن على وجود علاقات بين مصر وامبراطورية إبلا، و من هذه الآثار تلك القطع المبعثرة هنا وهناك في أرضيات القصر الملكي (ج) المصنوعة من حجر الألباستر ومن حجر الديوريت، وكلا المادتين لم تعرف إلا في مصر ، وقد تمكن علماء الآثار من تجميع بعض تلك القطع الحجرية المحطمة مثل أغطية الأواني والشمعدانات النادرة ، تلك القطع وقد جعلت تلك القطع البعثة الأثرية البريطانية تعيد حساباتها بخصوص علاقات إبلا التجارية والدولية، خاصة وأن أجزاء الشمعدانات كانت تحمل كتابات هيروغليفية مصرية، تؤلف اسم ولقب الفرعون المصري الشهير “خعفرع” سليل الأسرة الرابعة ، وبانى الهرم الثاني فى منطقة الجيزة الذي يحمل اسمه. وهناك أيضا قطعة بشكل غطاء لآنية اسطوانية مصنوعة من حجر الألباستر تحمل لقب الملك “بيبي الثاني” وهو الملك الثالث في الأسرة المصرية السادسة ، وكان حكمه أطول حكم في التاريخ المصري القديم .
هذه المعطيات دفعت علماء الآثار إلى البحث جديا عن جذور العلاقات بين امبراطورية إبلا وبلاد مصر ، وقد ثبت أن هذه العلاقات تعود إلى عصور ما قبل الأسرات، وإلى عصر الأسرات الأولي.
ويرد كذلك اسم إبلا بعد ذلك فى قائمة البلدان التى تدفع الجزية لمصر فى زمن ملكها تحتمس الثالث فى القرن ١٥ ق.م. الذى أمر بنقش أخباره على معبد الإله أمون بالكرنك. وفى هذه الأخبار ما يؤكد بقاء إبلا من المراكز التجارية المعروفة في سزرية الشمالية بعد أفول نجمها السياسي.
وتظهر التنقيبات الأثرية فى موقع تل مرديخ، حيث كانت تقوم مدينة إبلا، أن الموقع كان مدينة آهلة بالسكان بين عام ١٨٠٠ -١٦٠٠ ق.م.، ثم يبدو أنها دمرت للمرة الأخيرة، وقام مكانها بعض المستوطنات الصغيرة بين عام ١٦٠٠ -٥٣٠ ق.م.، لتتحول بعد ذلك إلى بلدة صغيرة فى زمن الإحتلال الفارسي والعصر الهيلينستى٥٣٠-٦٠ ق.م.

المراجع المستخدمة :

احمد ارحيم هبو : تاريخ الشرق الادني (١)
علاء الدين عبد المحسن شاهين :دراسات فى تاريخ الشرق الادني القديم (٣):حضارات الشرق الادني القديم
على القيم :إمبراطورية إبلا

 

إقرأ أيضًا:_

اللقاء الحضاري في الشرق أثناء الحروب الصليبية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا