التاريخ والآثار

اللقاء الحضاري في الشرق أثناء الحروب الصليبية

 

بقلم / يوسف محمد

لم يكن الامتزاج الحضاري بين المسيحية والإسلام في سوريا من حيث العمق والاستمرار على نفس المستوى الذي كان عليه اللاتينية في القدس التي كانت تفتقر إلى مركز العلمي كبير في الأندلس و صقلية ولكن على الرغم من ذلك فإن بعض العلماء والتجار ومحاربي الحملة الصليبية ، استطاعوا عن طريق المشاهدة العينية والاندماج ، أن ينقلوا بعض المعارف عن الزراعة والملاحة والصناعة.. الخ من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا و كان لزاماً على الصليبيين أن يعتمدوا على سكان البلاد الأصليين في الأعمال المحلية مثل زراعة الأرض وبناء الحصون والكنائس وترميمها إلى غير ذلك من الأعمال الصناعية والمعاملات التجارية المختلفة حقيقة أن هذه الإمارات الصليبية كانت تتلقى من الغرب أموالا ومساعدات مختلفة إلا أن هذه المساعدات كانت غير كافية لهذا كان يتحتم على الصليبيين الاعتماد على أهالي المنطقة ومن هنا نشأت علاقات سلمية بين المسلمين والمسيحيين وأخذ كل فريق يعمل على فهم الفريق الآخر والتعرف عليه

‏ فمن الناحية الإجتماعية :

‏نجد أن الصليبيين أقبلوا على الزواج من المواطنات المسيحيات من الموارنة والأرمن وبعض الأسيرات المسلمات وقد نشأ عن هذه الزيجات جيل من المولدين عرفوا باسم بولاني Pullani وقد غلب على هؤلاء في طبائعهم وعاداتهم الطابع الشرقي ولم يتردد الصليبيون مع مرور الزمن في الاستعانة بهؤلاء المولدين في تشكيل فرق من الخيالة الخفيفة عرفت باسم التركبولي Turcopoles كذلك أخذ الصليبيون يكيفون حياتهم في الشرق حسب مقتضيات الحال والمناخ فارتدوا الملابس الشرقية وأكلوا الأطعمة الشرقية وسكنوا القصور والبيوت ذات الطراز الشرقي

اللقاء الحضاري في الشرق أثناء الحروب الصليبية

أما من الناحية الاقتصادية :

فنجد أن الصليبيين استفادوا من المشرق الإسلامي استفادة كبيرة لدرجة أن بعض المؤرخين اعتبر الحركة الصليبية حروبا اقتصادية ففي ميدان الزراعة نقل الصليبيون عن المسلمين إلى أوروبا زراعة بعض أنواع النباتات والثمار والفواكه التي لم يعرفوها من قبل وسموها بأسمائها العربية.

وفي ميدان الصناعة عرفوا كثيرا من المصنوعات الإسلامية ونقلوها إلى بلادهم مثل المنسوجات الحريرية والأقمشة القطنية وأقمشة الموصل Musilin ومنسوجات العتابية في بغداد “Taois” هذا إلى جانب صناعة الورق والصابون والزجاج والحلي والعقاقير… الخ.

أما التجارة فقد انتعشت بين الشرق والغرب بشكل لم يعرف من قبل فكانت قوافل المسلمين ترد إلى الموانئ الصليبية على ساحل الشام تحمل سلع الشرق وكان من نتائج ازدياد النشاط التجاري بين الشرق والغرب أن ظهرت المدن التجارية في أنحاء أوروبا ، وهي ظاهرة جديدة أدت إلي اجتذاب الفلاحين إلى المدن وانهيار النظام الإقطاعي.

 

ومن الناحية المعمارية العسكرية :

نلاحظ أن العمارة الإسلامية أضافت إلى التراث الفني العالمي نظما لم تكن معروفة من قبل مما جعل لها في العصور الإسلامية طابعا مميزا و ابتكر المسلمون المداخل ذات المرافق أو المنعطفات المتعددة في المدن والحصون الإسلامية والغرض من ذلك التحكم في العدو المهاجم من باب الحصن عبر هذه الممرات الضيقة الطويلة الملتوية ويلاحظ أن الرومان والبيزنطيين لم يستخدموا هذا الأسلوب في حصونهم بل استخدموا المدخل المستقيم الذي يؤدي مباشرة إلى فناء الحصن ، ولقد انعكس هذا الأسلوب المعماري العسكري على الحصون والقلاع التي شيدها الصليبيون في الشام أو في أوروبا بعد ذلك مثال ذلك حسن الأكراد في شمال شرق طرابلس الذي أعاد فرسان الاسبتارية أنشأ قلعته على مثل هذا النظام الرائع الذي مازالت أثاره باقية إلى اليوم ، كذلك ابتكر المسلمون نظام السقاطة التي انتقلت إلى الغرب باسم ماتشيكولي Machieali وهي عبارة عن شرفة صغيرة من الحجارة أو الخشب تبرز من الحائط ولها فتحات من أسفل وتقام في أسوار الحصن فيستطيع المدافعون من خلال هذه الفتحات إلقاء المقذوفات أو السائل الحار على المهاجمين وقد استعار الصليبيون نظام هذه السقاطات وطبقوه في قلاعهم في شمال الشام وفي أوروبا ومثال على ذلك قلعة جابار التي شيدها ريتشارد قلب الأسد

اللقاء الحضاري في الشرق أثناء الحروب الصليبية

وأهم ما نلاحظه في هذا الصدد هو أن العلاقات التي سادت في عصر الحروب الصليبية لم تكن كلها علاقات عدائية قائمة على الحرب والقتال بين المسلمين والصليبيين ، بل قامت بينهم أيضاً علاقات ود وصداقة ، ولاسيما في فترات الهدنة والسلام ومما ساعد على توثيق هذه العلاقات وجعل كل حضارة تفهم الأخري وهكذا نرى _ مما تقدم _ أن الحروب الصليبية وإن كانت قد سفكت فيها دماء غزيرة إلا أن هذه التضحيات قد قابلها تعويض في هذا اللقاء الحضاري بين الشرق والغرب إذ اتمحت الصورة القديمة التي كانت في مخيلة الصليبيين عن المسلمين فلم يعودوا يرونهم جنودا جبناء أو قساة غلاظ القلوب أو كفرة عباد أوثان بل شهدوا من حضارتهم الراقية وشجاعتهم في القتال وورعهم في الصلاة وسماحتهم في معاملة أهل الأديان الأخرى أنهم أهل صلاح وتقوى .

المصادر والمراجع العلمية :
• الروم في سياستهم وحضارتهم وصلاتهم بالعرب لـ أسد رستم
• ‏الدولة البيزنطية في عصر هرقل وعلاقتها بالمسلمين لـ ليلي عبد الجواد
• ‏تاريخ التجارة في الشرق الأدني في العصور الوسطى   هايد ترجمة “عز الدين إسماعيل “.

إقرأ أيضًا:_

قلادة الملك توت عنخ آمون .

لعنة الفراعنة داخل كل بيت مصري…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا