التاريخ والآثار

منسا موسى قارون المسلمين

 

بقلم / عبدالعزيز مصطفي

منذ بضعة أعوام وقع اختيار مجلة «فوربس الأمريكية» على الملياردير جيف بيزوس كأغنى رجل في العالم ذلك العام، وقد اختارت المجلة جيف الذي تبلغ ثروته نحو 131 مليار دولار، إلا أن بيزوس ليس الأغنى في التاريخ على مدى كل العصور، إذ ينتمي هذا اللقب لحاكم أفريقيا المطلق السابق منسا موسي ..

لعلك قد سمعت اسم منسا موسى من قبل فهو ملك مسلم سني عاش بالقرن الرابع عشر الميلادي وهو يدعي المَلِكُ الأَشْرَفُ الحَاج مانسا موسى أو كانجا موسى أو كانكو موسى نياري نياكاتي أو موسى الأول، و قد كان ثقل حكمه في دولة مالي،البلد الأفريقي الفقير الآن، الغني بماضية و ثرواته ذلك البلد والذي يقع على حدود بلدين عربيين هما الجزائر جنوباً وموريتانيا شرقاً و الذي يمتاز بالتعدد الثقافي و العرقي الكبير خصوصاً مع الإختلاط الدائم للقبائل بالجوار
وعند اعتلاء منسا موسى العرش، كانت مملكة مالي تتكون من الأراضي التي كانت تابعة لإمبراطورية غانا ومالي وما جاورهما. استطاع أثناء فترة حكمه إيصال مملكة مالي ذروتها، من فوتا جالون إلى أغاديس، كما وضع أسس العلاقات الدبلوماسية مع مملكة البرتغال والدولة المرينية والمملكة الزيانية بتلمسان والدولة الحفصية والدولة المملوكية. عادة ما تصنف حقبتة كالعصر الذهبي لمملكة مالي القديمة..

و لقد قدرت ثروة منسا موسى بمبلغ 400 مليار دولار أميركي بالمفهوم الحالي لقوه العملة الأمريكية، فيما أشار بعض خبراء اقتصاديون إلى أنه «من المستحيل تحديد ثروت موسى في رقم فقد تكون تجاوزت كل التوقعات»، وفقا لعدد من الدراسات الاقتصادية بخصوص هذا الموضوع ولقد تقارب الوجدان ثروة منسا موسى ثروة قارون التي ذكرت القرآن الكريم كما كانت كبيرة جدا إلي حد عجز عماله الأشداء حمل مفاتيح خزائنه المترامية ..

و لقد ذكرت عدد من المراجع التاريخية أن موسى ولد عام 1280 ميلادية في عائلة من الحكام المكلفين في إمبراطورية مالي القديمة وأن موسى قد توفي بالعام 1337، بحسب بعض المراجع التاريخية فقد تنازل موسى عن الكثير من الذهب خلال إحدى رحلاته الاستكشافية.

منسا موسى قارون المسلمين

“منسا موسى و الناصر قلاوون “

و قد نقلت تلك الوقائع التاريخية عن مؤرخ سوري في القرن الرابع عشر يدعى ” شيب العُمري ” و قد روي شيب العمري بأن موسى كان مهووسا بالمحيط الأطلنطي جدا ، ولذلك شرع في رحلة استكشاف تلاها رحلة حج مع أسطوله من 2000 سفينة وآلاف الرجال والنساء والعبيد وذكرت مصادر تاريخية أن رحلته الاستكشافية التي ضمت 60 ألف شخص، منهم 12 ألفا من العبيد، تضمنت توزيع أطنان من الذهب خلال رحلتة البرية للحج على مناطق مرت بها الرحلة و كان أولها مصر مما خفض سعر الذهب لفترة طويلة، ولهذا الأمر عُرف باسم «الملك الذهبي»، او القابض علي الذهب كما صورة البرتغاليون وتحركت تلك القافلة الضخمة في الصحراء لتمر على القاهرة و الي مكة و العكس.
و لقد نقل العديد من الأشخاص روايات وشهادات عينية عن رحلة مانسا موسى، وجميعهم كانوا منبهرين بثروته وأهميته، وهو ما كتب في العديد من المصادر. كما أن لقائه بالسلطان المملوكي الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون في يوليو 1324 موثق بشكل جيد جداً ..

فقد ذكر تقي الدين المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك أن قافلة المانسا موسى حطت الرحال في تمام 15 جمادى الأولى من سنة 724 هجري الموافق ل 10 مايو 1324 ميلادي فيما ذكر العمري أنه عندما نزل مانسا موسى في القاهرة، امتنع أن يقابل السلطان المملوكي الناصر ناصر الدين محمد بن قلاوون متحججا بأنه جاء للحج فقط، ولكن السبب الرئيسي هو عادة تقبيل الأرض واليد في حضرة السلطان المملوكي وكان مانسا موسى يرى هذا انتقاصا منه، وبعد محاولات عدة قبل الدعوة، ولكنه أنكر أمام السلطان عادة تقبيل الأرض واليد بصوت عال، ثم قال أنه يسجد لله فقط، فأكره على ذلك حسب ابن الوردي وسجد لله حسب العمري ولم يسجد قط حسب المقريزي وابن كثير ثم تقدم السلطان فجلس بجانبه وتحدثا لمدة طويلة. وبعد هذا الموعد، أعطى السلطان المملوكي مانسا موسى أحسن ما تجود به خزائنة من ملبس ومأكل وعدة خيل مسرجة وأموال له و أعيانه، وكان نفس الشيء أثناء عودته من الحج

ولقد روي أنه كان الموجودون في القافلة يرتدون ثيابا من الحرير الفارسي حتى العبيد، ويوجد في القافلة ذاتها جمال تحمل مئات الجنيهات الذهبية فرقها موسي علي كل البلاد التي مر بها في رحلته للحج وقد روى المؤرخ اليافعي في كتابه «مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان» قصة مرور المانسا موسى بمكة، وكان شاهد عيان على قدومه، وهو ما يكسي الأمر أهمية حيث كان شاهدا لا ناقلا. ومما ذكره اليافعي قصة الفتنة التي وقعت في مكة بين حاشية المانسا موسى والأتراك، حيث أشهرت السيوف في المسجد الحرام، فغضب المانسا موسى غضبا شديدا وصرخ فيهم من شباك إقامته حتى رجعوا جميعاً عن القتال الذي دار في أطهر بقاع الأرض ..

منسا موسى قارون المسلمين

وفي عهد موسى، كانت إمبراطورية مالي بها ما يقرب من نصف الذهب في العالم القديم، وفقا للمتحف البريطاني، وكل هذا الذهب في ملكية موسى وحده فقط

و لقد اعتبرت الباحثين و منهم كاثلين بيكفورد بيرزوك، المتخصصة في الفن الأفريقي في متحف بلوك للفنون في جامعة «نورث وسترن»، أن موسى يتمتع بإمكانية الوصول «غير المحدود» تقريبا إلى مصدر الثروة الأكثر قيمة في القرون الوسطى إلا وهو الملح و لقد أضافت كاثلين في حديثها أن المراكز التجارية الرئيسية التي تتاجر بالذهب والسلع الأخرى كانت أيضا في أراضيه، وقد حصل على ثروة من هذه التجارة المربحة في ذلك العصر

و لقد ذكر المؤرخ السوري العُمري أن موسي قد ترك انطباعا «لا يُنسى» في القاهرة، وكان العُمري زار البلاد عقب 12 عاما من زيارة موسى لها، وتحدث إلى أهل القاهرة عن تلك الزيارة الجميلة و الغريبة ..

و قد رجحت مصادر تاريخية أن انخفاض سعر الذهب قد دام لعشر سنوات في القاهرة و البلدان المحيطة و قد كان بسبب ذلك المباشر هو توزيع موسى الذهب ببذخ كبير، وهو ما أثر سلبا على الاقتصاد حينها و لفترة طويلة ..

منسا موسى قارون المسلمين

وتمتع منسي موسى بمكانة أسطورية في العالم اجمع كملك للذهب ، وقد كان بمثابة منارة للباحثين من المستشرقين لفترة طويلة، عقب أن جعل مالي دولة بارزة على الخريطة وقتها و عقب تلك الرحلة الاستكشافية الرائعة، عاد موسى بعدد من العلماء المسلمين، وقام بتصميم مسجد شهير في وسط مالي عام 1327 قائم حتى الآن و قد قام موسى بتشجيع أبناء إمبراطورية على تعلم الفنون والهندسة المعمارية، وقام كذلك بتمويل سخي للأدب وبناء المدارس والمكتبات والمساجد الكبيرة الجامعة وسرعان ما أصبحت مدينة تمبكتو في مالي مركزاً للتعليم، كما سافر الناس من جميع أنحاء العالم للدراسة في جامع سنكوري الذي أنشأه موسى ليكون حاضرة إمبراطورية مالي القوية حينها و قد ظل الأمر كذلك حتى ضعفت الدولة و تقاسم الاستعمار أراضي مالي و خاصة مستعمرها الخانق فرنسا التي قامت بسرقة كل ثرواتهم حتى تلك التي تفاخر بها سيد أفريقيا منسا موسى يوماً ما ..

إقرأ أيضًا:_

لعنة الفراعنة داخل كل بيت مصري…

أوكرانيا وروسيا صراع علي العروش

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا