التاريخ والآثار

« مكانة العمل في حياة المصريين القدماء »

 

بقلم المرشدة السياحية / رنا إسماعيل الصيرفي.

تحتفل مصر ومعظم دول العالم بعيد العمال فى الأول من شهر مايو، تقديرًا وإحتفاءًا بالعمل وتقديرًا لإسهامات العمال في الحضارة الإنسانية، لكن كيف كان حال العمل فى مصر القديمة منذ آلاف السنين وكيف أنجز العامل المصري حضارة وقفت ضد الزمن، ومازالت تحير وتبهر الناس جميعًا، يعجز العلم عن إيجاد تفسير لها؟

إن مصر سبقت العالم في إعطاء المصرى كل حقوق الإنسان قبل أن يفكر فيها العالم بالأف السنين، ولنا أن نفتخر أن هؤلاء كانوا أجداد لنا، وكان من أهم القيم فى حياة الإنسان المصرى القديم التكافل الاجتماعي للجميع والإيمان بحق كل إنسان في المأكل والمأوى والأمان، ما دام يؤدي واجبه كفرد فى جماعة مترابطة محكمة التنظيم لا تخضع للسخرة أو لحاكم جائر كما يعتقد البعض، فالسخرة لا تصنع حضارة تستمر بهذه العظمة.

وأشار إلى أن المكافأة الحقيقية كانت هى إحساس الفرد فى إجادة عمله فكانت حياتهم تتسم بالتعاون المشترك (العمل الجماعي) وأدى كل ذلك التجانس بين العناصر البشرية وندرة الفوارق الجنسية ونزع رداء الفردية والأنانية.

« مكانة العمل في حياة المصريين القدماء »

وتابع أن نتيجة معرفة المصري الزراعة تميزت حياته بالنظام والاستقرار فالنيل يأتى فى وقت محدد ويزرع مرة واحدة وبعدها يعمل فى مشروعات الدولة القومية كالمعابد والأهرامات، وكان العمل قيمة فى حد ذاته يمجدها الحاكم وتحث عليها تعاليم الحكماء فى حياة المصرى القديم وكان يكتب كلمة عمل برمز رجل جالس يحمل فوق رأسه وعاء وسمى العمل (كات) وكان يعترف فى المحاكمة فى الاخره (لقد أحسنت عملي في بلدي).

وأشار إلى أن العمل كان مرتبطًا بالجدية لذا أنتج لنا عمائر مختلفة نفذها بأبسط الوسائل المادية والمعدات يصعب تحقيقها فى عصرنا بإمكانياته وتقدمهُ التكنولوجي، وعجز الزمن عن محوها، بجانب روح العمل الجماعي والتخطيط السليم وتقديس العمل والاستقرار السياسى وجود سلطة حاكمة واعية عملت على تفجير الطاقات وتبنى العناصر الجيدة ذات المواهب وشجعتهم ماديا ومعنويا وحماية حقوقهم وفرض القوانين، وهو ما سجلته الأدبيات القديمة، وفي أناشيد إخناتون «يسعى كل حي إلى عمله ضاربًا في أرجاء الكون».

« مكانة العمل في حياة المصريين القدماء »

وأوضح أنه على الرغم من كثرة ما تركوه من عمائر ومعابد لم نعرف كثيرا عن من صممها وساهم في بنائها غير عدد قليل مثل المهندس أيمحتب مهندس هرم زوسر وحم أيونو مهندس هرم خوفو وسنموت مهندس الدير البحرى وأمنحتب بن حابو مهندس معبد أمنحتب الثالث لأنه مجتمع يؤمن بفكرة العمل الجماعى العمل بضمير رضاء المعبود.

نظام العمل في مصر القديمة :-

ولفت إلى أن طبقة العمال كانت تتكون من «العمال والحرفيين»، كان صعبا إلى حد ما، ما جعل المؤرخ «هيرودوت» يشير خطأ بأن المصريين إستخدمهم الملوك في السخرة، موضحًا أن التأخير عن العمل أو المشي مبكرا كان جريمة خطيرة ويعاقب العامل بالحبس ستة اشهر أو العمل بالسخرة أو الغرامة، ويوجد بردية بمتحف بروكلين تتحدث عن سجن امرأة عاملة في طيبة لأنها تركت عملها المكلفة به وهربت خارج البلد ولكن بسبب ظروف مرض أحد أعضاء أسرتها تم إعفاؤها من السجن.

العمل حق للمرأة :-

وكان هناك نظام يكفل للعمال حقوقهم ومواقيت للعمل وتنظيم الإجازات وهناك قطعة حجرية من دير المدنية بالمتحف البريطاني تعتبر أول سجل غياب وحضور فى العالم عليها أسماء لحوالى 45 من العمال وعدد أيام العمل وأسباب الغياب عن العمل وكانت الأجازات احيانا تكون مدفوعة الآجر أذا كان العذر مقبولا ومنها اعتلال مزاج الزوجة وتقديم القرابين وزيارة مقبرة والدة وأعطى له الحق فى إجازة يوم كل عشرة أيام عمل بجانب أجازات الأعياد الدينية التى وصلت 42 يوما.

التأمين الصحي :-

وأوضح أن المصري القديم عرف فكرة التأمين الصحي، ويظهر ذلك من سجلات منطقة دير المدينة التى سكنها العمال القائمين على حفر قبور ملوكهم فى وادى الملوك فقد تم اكتشاف أن هؤلاء العمال كانوا يتمتعون بنظام رعاية صحية حكومى ويظهر ذلك من سجلات تثبت صحتهم الجيدة بل وكانوا يحصلونى على يوم راحة مدفوعة الأجر لإجراء فحوصات طبية وشهد ديودور الصقلى أحد المؤرخين أن المجتمع المصرى كان يتيح لأفراده حق العلاج المجانى حتى فى أثناء الحملات الحربية أو الرحلات داخل البلاد وذلك لأن الأطباء كانوا يتقاضون معاشهم من الحكومة.

« مكانة العمل في حياة المصريين القدماء »

وتابع أن العامل المصري الدقيم مارس العمل النقابى بالدفاع عن مرؤسيهم من العمال فلم تكن العلاقة بين الطبقة الغنية والعمال، من أعلى إلى أسفل علي هيئة أوامر بين العامل ورب العمل، ولكن أيضا العلاقة كانت في شكل لوم من العامل إلي رب العمل، ففي بردية اللوفر رقم 3230 ب توجد رسالة أرسلها رئيس العمال «أحمس» إلى رب العمل يلومه بأنه سحب من تحت إشرافه شابة صغيرة عاملة، ودافع عن الشابة وقدم الأعذار نيابة عنها لأنها لم تكن لديها خبرة، وذكر في معرض رسالته ان أمها تلومه شخصيا لترك الفتاة لتعمل مع شخص أخر، وهكذا نرى أننا سبقنا حضارات العالم بوضع قواعد وقوانين للعمل والعمال.

المصادر :-
كتاب : موسوعة الحضارة المصرية القديمة.
المؤلف : د/ سمير أديب
قسم : الحضارة المصرية القديمة والمصريون القدماء.
اللغة : العربية
عدد الصفحات : 888
تاريخ الإنشاء : 9 مايو

 

إقرأ أيضًا:_

حضارة اليونان في العديد من الإنجازات العلمية والفنية والفلسفية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا