التاريخ والآثار

ورقة بن نوفل “أول القول و آخره”

بقلم / عبدالعزيز مصطفي

عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل قال ورقة بن نوفل لسيدنا محمد صل الله عليه وسلم : «أبشر ثم أبشر، ثم أبشر، فإنى أشهد أنك الرسول الذي بشر به عيسى برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد، فأنا أشهد أنك أنت أحمد، وأنا أشهد أنك محمد، وأنا أشهد أنك رسول الله، ويوشك أن تؤمر بالقتال وأنا حى لأقاتلن معك» ..
و لكن القدر لم يمهله فمات ورقة فقال عنه النبي محمد صل الله عليه وسلم : «رأيت القس في الجنة عليه ثياب خضر» و يقصد بها ورقة و قد كان ذكر ورقة بن نوفل دلالة على إيمان مسبقاً بالتوحيد بالإله الواحد على سنن العرب العتيقة فقد كان العرب قبل عبادة الأوثان والأزلام والأصنام على دين إبراهيم عليه السلام لكن ومع زعزعة الدين في النفوس التي حولت الدين الحنفي إلى تحريفات ثم تحريفات فلم يبق به مايمت بصلة إليه و توارثت الأجيال جهل آبائهم و أجدادهم حتي تلاشت تعاليم الدين إلى الأبد ثم ظهرت طوائف تبحث عن الدين يلتمسون التقوي بالبعد عن الشرك وقد كان منهم ورقة بن نوفل و زيد بن عمرو بن نفيل و سبقهم قس بن ساعدة الإيادي و هم الذين طافوا الأرض ليسأله عن الدين و اهله و رجاله وقد ورد في مسند الطيالسي أنه قد «خرج ورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو بن نفيل يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد بن عمرو بن نفيل: من أين أقبلت يا صاحب البعير؟
قال من بيت إبراهيم.
قال : وما تلتمس ؟
قال : ألتمس الدين.
قال : ارجع ؛ فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك »
ثم ما لبثت بعيرهم أن تستريح حتى عادت إلي جوار بيت إبراهيم عليه السلام ليموت رفيق دربه و يكمل ورقة رحلة بحثه و خلال ذلك قيل انه قد اعتنق المسيحية او اليهودية فقد كان أعلم من اليهود بما أنزل الناموس علي موسي من شرائع وأحكام خالفوها هم أيضا وقد قيل إنه كان مسيحياً اعتقادا بقول الرسول عليه الصلاة والسلام ..
«رأيت القس في الجنة عليه ثياب خضر»
و على حسب جميع المصادر الموثقة أنه و بعد عودته من رحلته بسنوات طوال فإن ورقة كان قد أُصيب بالعمى في هذه الفترة و قد ذكر بكتاب السيرة النبوية في جزئه الثاني حكايه ورقة عند علومه بظهور الدين المنتظر بالنبي الموعود

ورقة بن نوفل "أول القول و آخره"

و قد ذكر في أثر ذلك ما هو آت :

«انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله، أنه رأى وسمع ؛ فقال ورقة بن نوفل : قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة،
فقولي له : فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول الله فأخبرته بقول ورقة بن نوفل، فلما قضى رسول الله جواره وانصرف، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة
فقال : يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت، فأخبره رسول الله ؛ فقال له ورقة : والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، وقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه، فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله إلى منزله.
وفي صحيح مسلم، خبر ذهاب السيدة خديجة والنبى محمد له فقالت له خديجة: أي عم! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. يا ليتني فيها جذعا يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك.
قال رسول الله “أَوَمُخْرِجِيَّ هم؟”
قال ورقة: نعم. لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُوْدِيَ
. وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ..
لكن لم يمهل القدر ورقة بن نوفل حتى مات مع بداية السنين الأولى للإسلام الدين الذي قد أعتبر ورقة من أول المؤمنين به و برسوله و أول من نصرهم حتى ولو كان بالقول و النوايا
فالبعض يراه أول الصحابة والتابعين في الإسلام على غرار آخرين يرونه آخر الموحدين بديانة نبي الله إبراهيم عليه السلام الديانة الحنفية ..
و لكن ورغم سيرته الطيبة حدث أن قام بعض المستشرقين بنسب الإسلام له وادعاء أنه صنيعة عقول ورقة نفسه حقداً على المسلمين وتبعهم بعض و كانوا كقول الله تعالى:-
(الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) صدق الله العظيم .. و لكن أول من وثق حديثة عن تلك الافتراءات كان يوحنا الدمشقي و قد كان يوحنا راهب ضال مضل يشارك في مناظرات بما فيها تلك التي تجري في قصر الخليفة، و قد شهد له أنه كان يعرف القرآن بشكل جيد، في حين أن الحديث النبوي لم يكن قد جمع بعد. وقد ترك مؤلفين هما محاورتان ساقهما بين مسيحي ومسلم وكان الغرض من هذه الكتابين أن يكونا مستندًا مساعدًا في مناقشة المسلمين رغم عدم قناعة الطرف الآخر بما يعرف و قد شدد في كتابة على كون المسيح ابن الله وحرية الإرادة الإنسانية التي أنكرها الأمويون. في كتابه De Haeresbius أو (الهراطقة) و لقد اعتبر الإسلام نوعًا من المسيحية المهرطقة، وفي الكتاب المذكور، سرد الدمشقي قائمة مائة هرطقة ظهرت بين القرن الأول والقرن السابع، ونال الإسلام الترتيب مئة في تصنيف الدمشقي. دعم الدمشقي أطروحة حول الآثار المسيحية والكتابية في القرآن، عملية الأخذ والرد بين مؤيدي نظرة الدمشقي ومعارضيه لا تزال بعض آراءه الخبيث الخائبة حية حتى اليوم من خلال مؤلفات النقد والنقد المعاكس التي تنبذ الإسلام جملة وتفصيلا ..
و لقد كان من المعروف عن يوحنا الدمشقي والعكوف الدائم على القرآن الكريم تفلية ونبشًا لكنه لم يجد أي خطأ يستند إليه وادعى بعدها أن الإسلام يُعتبر طائفة مسيحية مهرطقة. وقد اعتبر يوحنا الدمشقي أن الراهب النسطوري “بحيرى” ساعد محمدًا على كتابة القرآن وكذلك حال ورقة بن نوفل، نافيًا مصدره الإلهي وقدسيته، لا سيما وأن الآريوسية والنسطورية كانتا تعتبران من الطوائف المهرطقة، واعتبر أن المشابهة بينه وبين نصوص الكتاب المقدس إنما هي مشابهة ضحلة بما قلَّتْ قيمته من أسفار العهدين القديم والجديد وقد تجاهل يوحنا كون الاريوسية في حد ذاتها هي تعاليم خالفت الكنيسة البابوية الأولي في روما العتيقة .
و لقد تلاشت كل كتب يوحنا إلا القليل منها بعد حريق المكتبة المكية بالقرن العشرين و لقد رد علماء المسلمين على هذا الادعاء بالقول أن المؤرخين النصارى الذين سبقوه أصلا أخذو اسمي بحيرى وورقة من كتب السيرة النبوية التي لا تروي إلا موقفا لكل منهما مع النبي محمد قبل البعثة بسنوات أو في أولها، كما يحتجون أن الإسلام يناقض المسيحية جذريا لما جاء في القرآن ” لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ” , ” لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ” المائدة 72-73, ويضيفون أن الإسلام دين قائم بحد ذاته وكتابه واحد محفوظ بلغته الأصلية دون المساس أو التحريف به ..
ورغم ذلك و إلي اليوم يتخذ بعض المضللين كتابات يوحنا الدمشقي مصدر موثوق في كون الإسلام هو دين مختلق و منشق من بعض الحضارات و الديانات السماوية و الوضعية السابقة له بنسب كل معجزات النبي لاساطير بابل القديمة و غيرها من الحضارات البالية المنسية مع الزمن و لكن إلي اليوم ما تزال كل الأدلة التي كتبها يوحنا الدمشقي و غيره من المشككين حبرا على ورق وتلك هي أكبر قيمة له فعلا ..
و قد كان أشهر من اتبع أقوال يوحنا الدمشقي سيد القمني الذي يعتبر نفسه مفكر مسلم بنظرة يسارية و حتى أنه لم يشكك في القران فقط وقال بأنه محض أساطير رمزية لا أكثر ولا أقل و قصص أشبه بالأساطير اليونانية وتلك الاخيرة رأى أن فلاسفتها تفوقوا على الأنبياء والمرسلين أنهم أعملوا العقل و لم يذكروا الأساطير و بدأ حديثه في كتابه الحزب الهاشمي أن عبد المطلب بن هاشم جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تمتع بوعي سياسي وقومي رفيع وحاول زرع البذور الأولى نحو الوحدة القومية فدعى إلى إلغاء التماثيل والأصنام وغيرها من الوساطات والشفاعات وبدأ بغرس فكرة الحنيفية مستلهما أسسه من ديانة إبراهيم الذي يعده العرب أباً لهم و هنا يرى القمني إن الرسول محمد أكمل ما بدأ به جده وقام الإسلام بالتخلص من أرستقراطية قريش واستقر أمر الدولة العربية الإسلامية الوليدة للبيت الهاشمي وتراجع نفوذ الأمويين من أبناء عمومتهم يتأجج بعد ذلك الصراع التاريخي بينهما على أسس اقتصادية اجتماعية جديدة بمساعدة ورقة بن نوفل ابن عم زوجته الذي كان عالماً بأمور الأديان السماوية السابقة و غيرها من الأديان و المعتقدات الدينية التي سبقت ظهور الإسلام وأن دولتة ( يقصد هنا الرسول) قد بقيت لا لان الله حافظ لأهل ذلك الدين إنما لحدوث صدفة خاصة وهي انه و بعد اتساع الدولة بالفتوحات و السيف وانتشار الرسالة الجديدة بالقوة بقيت الدولة الإسلامية ك امر واقع وعندما سنحت الفرصة للحزب الأموي انقض على الهاشميين بضراوة واستولوا على الحكم، وساعتها تجلت مشاعرهم تجاه بني عمومتهم في المجازر الدموية التي راح ضحيتها كل من أيد البيت الهاشمي.
و استنادًا إلى كتابية الحزب الهاشمي و كتابة الآخر حروب الرسول فإن فكرة النبي المنتظر كانت وليدة التحولات التاريخية على الرغم من أنها كانت من المبشرات في الأديان السماوية السابقة للإسلام وقال إنها وليدة تلك التحولات التي بدأها عبد المطلب، أما عن الكعبة فيرى القمني إنها بنيت على يد العرب في عصور قريبة وليس كما يدعي القرآن قدمها وهذا مخالف القناعة السائدة لدى العرب منذ الأزل بأن الكعبة أقدم من العرب أنفسهم و من الفقرات التي أحدثت ضجة كبيرة هو تفسير القمي الآيات 6، 7، 8 من سورة الضحى والتي نصها “أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى” هذه الآيات حسب رأي القمني نزلت في فضل خديجة بنت خويلد على النبي محمد لأنها أغنته بمالها وهذا مناقض للتفاسير المعتمدة بل واعتمدت عن اى بعد يصل الرسول عليه الصلاة والسلام بربة محاولا زعم أن القرآن الكريم والدين الإسلامي كله هو دين وضعي
و قد شبه البعض كتاب الحزب الهاشمي برواية آيات شيطانية للروائي سلمان رشدي مع فرق واحد حسب المقتنعين بهذه الفكرة وهو ان القمني لم يستخدم الألفاظ البذيئة التي استعملها رشدي بل إنه أساء للإسلام و كانت طعناتة هادئة و تتسم بمنتهى الأدب كمن يسقيك السم بالعسل ..

مصادر المقال ..
القرآن الكريم
كتاب السيرة النبوية الجزء الثاني ٧٢
صحيح البخاري
كتاب الهرطقة
كتاب الحزب الهاشمي
كتاب حروب الرسول

 

إقرأ أيضًا:-

ناووس أمازيس

لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا