أزمة ١٩٥٨ فى لبنان
بقلم : أميرة محمود حسنين
ترتبط أزمة عام ١٩٨٥ بأوضاع المشرق العربى فى الخمسينات من القرن ال20 والموقف الدولة العام وأوضاع لبنان الداخلية . بالنسبة لأوضاع الشرق العربى كان هناك التيار القومى الذى كان يتزعمه عبد الناصر ، أما الموقف الدولى يتمثل فى الحرب البارده التى امتدت للمشرق العربى وخصوصًا بعد إنشاء حلف بغداد الذى صار العراق عضوًا فيه وقد أدى ذلك إلى إشتداد السخط فى العالم العربى ..
وصار معارضو الحلف (مصر وسوريا) أصدقاء للإتحاد السوفيتى الذى أخذ يمدهم بالعون الإقتصادى والدبلوماسى والأسلحة مما أدى إلى حقد الولايات المتحدة لذلك أصبح الشرق الأوسط خلال عامي 1957 و 1958 ميدانًا للصراع الدبلوماسى مما أدى إلى إعلان الولايات المتحدة مبدأ ايزنهاور من أجل دعم الدول الصديقة وتهديد السوڤييت وكل ذلك كان له الأثر العميق على مجريات الأحداث فى الشرق العربى عامة بما فيه لبنان. وقد كان لبنان يقف موقف الحياد ولكن الرئيس شمعون أخذ يظهر ميله نحو الغرب فزار تركيا وهى عضو فى حلف بغداد كما زار رئيس الجمهورية التركية ورئيس وزرائه فى نفس العام ، وتردد أن الهدف من هذه الزيارات هو ضم لبنان إلى حلف بغداد . ومما زاد الشكوك فى موقف شمعون أنه لم يقطع علاقته مع بريطانيا وفرنسا عقب العدوان الثلاثى على مصر مما أدى إلى إشتداد دعايا مصر وسوريا ضد حكومه شمعون ..
وكان الصحفى اللبنانى المارونى قد اشتد نقده لشمعون وكان ينادى بتعزيز العلاقات بين لبنان والجمهورية العربية المتحدة وقد لقى مصرعه مما أدى إلى نشوب القلاقل فى لبنان وبالتالى نشوب أزمة ١٩٥٨. وقد شكا شمعون إلى السفير البريطانى من تدخل الجمهورية العربية المتحدة فى شئون لبنان وطلب مساعدة الولايات المتحدة ، وتقدمت الحكومة اللبنانية بشكواها إلى جامعة الدول العربية وإلى مجلس الأمن ولكنها رفضت حلاً وسطًا تقدمت به جامعة الدول العربية ..
أما فى مجلس الأمن فقد انقسمت الدول الأعضاء إلى فريقين فريق يؤيد لبنان وفريق يرفض إدعاءات لبنان وفى الوقت نفسه فكر شمعون فى الإستعانة بدول حلف بغداد الإسلامية وبخاصة العراق أوالإتحاد الهاشمى ، وفعلاً أصدرت الحكومة العراقية أوامرها إلى فرقتين عراقيتين بالتوجه إلى شمال الأردن تمهيدًا للتدخل فى لبنان ، ولكن هذه القوة العراقية غيرت إتجاهها وسيطرت على بغداد وأسقطت النظام القديم القائم فى العراق وقد ترتب على الثورة العراقية ردود أفعال حادة فى كل المنطقة . إلا أن لبنان لم تنعم بالإستقرار طويلاً إذ لم تلبس أن نشبت حرب أهلية أوسع نطاقًا وأشد خطورة فى أواسط السبعينات . ذلك أن جذور الإنقسام كانت عميقة فى المجتمع اللبنانى فقد أصبح المسلمون فى لبنان غير راضين عن حصر رئاسة الجمهورية فى الموارنة على أساس أن المسلمين أكثرية ، وكان هناك بعض المسلمين ممن يرون أنه لا مانع من بقاء رئاسة الجمهورية الموارنة ولكن مع تحويل الحكم إلى نظام وزارى وليس رئاسى أي تكون السلطة والحكم فى يد رئيس الوزراء ويصبح منصب رئيس الجمهورية سوريًا ..
يُضاف إلى ذلك عنصر جديد أثّر على الأوضاع فى لبنان ألا وهو أثر الوجود الفلسطينى فى لبنان على الأزمة اللبنانية . فاختلف اللبنانيون حول التواجد الفلسطينى سياسيًا وعسكريًا فى لبنان وحول العمل الفدائى عبر الحدود اللبنانية ضد إسرائيل ، وذلك لأن المقاومة الفلسطينية بدأت تنظم نفسها وتلعب دورًا سياسيًا . وبعد أحداث 1970 فى الأردن نزحت المقاومة العسكرية التى كانت موجودة فى الأردن غلى لبنان وكان موقف مسلمى لبنان تجاه المقاومة الفلسطينية يختلف عن موقف المسيحيين وذلك لأن المقاومة الفلسطينية صارت حليفة طبيعية للفئات الإسلامية، وهكذا تحول الفلسطينيون اللاجئون فى لبنان إلى قوة عسكرية مسلحة ومستقلة عن الدولة اللبنانية ..
وكان إن ظهرت على المسرح السياسى اللبنانى ظاهرة خطيرة إنتقلت عدواها من الأحزاب والفصائل الفلسطينية إلى الأحزاب اللبنانية ألا وهى تكوين ميشيليات مسلحة تابعة للأحزاب اللبنانية ..
وإذا كانت جميع الطوائف المسيحية فى لبنان تؤيد القضية الفلسطينية إلا أنها لم تكن مستعدًا لدفع الثمن فهى ترى أن الوجود الفلسطينى فى لبنان والعمل الفدائى ضد إسرائيل إنطلاقًا من الحدود اللبنانية سيعرض لبنان للإحتلال الإسرائيلى وبذلك تتهيأ الفرصه لتحقيق رغبات إسرائيل التوسعية على حساب لبنان ..
أما المقاومة الفلسطينية فقد كانت ترى أن عملياتها ضد إسرائيل هامة وحيوية لإثبات وجودها وإلا فإنها ستسقط وتفقد أهميتها عربيًا ودوليًا . ولذلك فقد كانت تطالب ومعها اللبنانيون المتحالفون معها بأن تُهيئ الحكومة اللبنانية نفسها للدفاع عن الأراضى اللبنانية ضد الإغارات الإسرائيلية الإنتقامية .
