مقالات

أدب السير الذاتية

 

قراءة في رواية (أنا ومارك ويوسف 2011) للكاتب السيد حافظ

 

بقلم د. أمل درويش

 

يشكل اصطلاح السيرة في اللغة معنى الطريقة، أو السنة والهيئة.

وقد قُسّم أدب السير إلى قسمين وهما:

السيرة الذاتية: وقد سرد بعض الكتّاب أجزاء من سيرهم الذاتية ضمن أعمالهم مثل واسيني الأعرج الذي أورد بعض أجزاء من سيرته الذاتية في نسق أعماله.

غير أن البعض قدموا سيرهم الذاتية في عمل متكامل أمثال: طه حسين في رواية “الأيام”، توفيق الحكيم في “عودة الروح”، ميخائيل نعيمة في “مرداد”، واسيني الأعرج في “سيرة المنتهى” وغيرهم الكثير.

السيرة الغيرية: والتي يتناول فيها الكاتب سيرة إحدى الشخصيات، وقد برع في ذلك عباس محمود العقاد، محمد حسين هيكل، زكي نجيب محمود وغيرهم.

وبالعودة إلى العمل محل الدراسة نجد الكاتب قد مزج بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية في نسق واحد، مستخدمًا أدواته الإبداعية من فنون السرد والنثر والمقال والنقد الفني ليشكل لنا لوحة بمذاق خاص متخذًا الشكل التجريبي وجهة ونسقًا خاصًا به، يختلف عن كل ما قُدّم في أدب الأوتوبيوجرافي، مستغلًا كل ما ورد من الأنماط التي تشكل منهجية السيرة.

العنوان:

يشكل العنوان أولى عتبات النص، وكما ذكرنا استهل الكاتب العمل بعنوان لخّص فيه كل ما أراده أن يصل إلى روح وعقل القارئ في بضع كلمات: سيرة، مذكرات، ثم رجل يضاجع الوطن؛ فالكاتب اتخذ الوطن معشوقة له، يتغنى بها ويتحرق شوقًا للقائها، رغم جفائها وعنادها.

ثم يشرّح العمل ويفككه، ويعيد تشكيله مختصرًا إياه في كلمات أخرى: أنا ومارك ويوسف ويحدد الزمان في 2011؛ فالنص دائمًا عند السيد حافظ يحمل الكثير من الوجوه ولا يمكن لاثنين الاتفاق على فهم واحد عند قراءته؛ فحسب اطلاعك ووعيك وانفتاحك على أفق المعرفة تنتهي.

وهنا يحضرنا ما كان يبحث عنه جاك دريدا من مفهوم فلسفة البحث عن الآخر حيث يقول عنه محمد علي الكردي:

يبدو أن الآخر الذي يبحث عنه دريدا ليس الآخر الذي يفلت دومًا، بفعل الاختلاف المرجأ من قبضة النظام الدلالي في حال تحققه في شكل من أشكال الإبداع..

(إن دريدا يرى لحسم هذه المفارقة إعادة فحص مفهوم الابتكار في التراث الغربي وتعيين حدوده حتى يتمكن من تجاوزها ويصل الكاتب إلى أن الإبداع في معناه الأصلي هو العثور لأول مرة على شيء أو موضوع أو فكرة على غير مثال سابق؟ وكذلك العثور على تقنية أو جهاز أو تنظيم فني غير مسبوق وهو ما يسمى بالاختراع.) 

 إن السيد حافظ يبحث دائمًا في التراث العربي ويغوص في أعماقه ليفهم جذور ومكامن اختلاف الشخصية المصرية والعربية، حيث بدأ الكاتب العمل بقصة يوسف الأدهم التي تعبّر عن شخصية الكاتب ذاته وتمثل جزءًا من سيرته الذاتية وبداياته، ثم تحدث عن اليوسفيات التي تمثل السيرة الغيرية؛ واختار يوسف الصديق أو كما أسماه يوسف زليخة، ويوسف النجار ويوسف بن تاشفين..

ولعل اختيار اسم يوسف أو كما أسمى الكاتب هذا الجزء من العمل بـ “اليوسفيات” يتمركز في المحن التي مر بها أصحاب هذا الاسم، وهنا يمكننا تفهم سيميائية الاسم ومدلولاته التي ارتبطت في أذهاننا بقصة يوسف الصديق التي رسمت في خيالاتنا الكثير من الصور الذهنية، ومنها طفولته وصباه وسط إخوته الذين تملكت الغيرة قلوبهم وأحالت مشاعر الأخوة إلى حقد وغل حتى وصل بهم تفكيرهم الشيطاني إلى التخلص من أخيهم.

ولكن الكاتب اختار مرحلة أخرى ومحنة أخرى تعرض لها يوسف الصديق وهي محنته مع العزيز وزوجته زليخة.

وهي محنة خيانة الأصدقاء والقضاة الذين حكموا على يوسف رغم براءته وسُجن على إثر هذه المحاكمة زورًا وبهتانًا؛ فكما خان العزيز يوسف وسجنه خان الوطن السيد حافظ وخانه أقرانه المثقفون وتعمدوا تجاهل إبداعه وتميزه وقابلوه بالتغافي عمدًا خشية ظهور إخفاقاتهم لدى مقارنتها بما يكتبه.

كذلك تعرض يوسف النجار لمحنة كبيرة عندما وجد خطيبته مريم البتول تخبره بحملها ومواجهته لقومه معها بهذا الطفل، ثم رحيلهم إلى مصر لحماية السيد المسيح من هيرودوس. 

 ثم اختار الكاتب “مارك” تعبيرًا مجازيًا عن أحد برامج التواصل الاجتماعي وهو الفيسبوك الذي اعتبره الكاتب بمثابة دفتر يومياته أو الحائط الذي استخدمه ليسجل عليه يومياته خلال اندلاع ثورة يناير عام 2011. 

السارد:

من الحدود التي وضعها فيليب لوجون للسيرة الذاتية وضعية المؤلف: تطابق المؤلف والسارد..  كما فعل السيد حافظ فاختار لنفسه شخصية يوسف حامد الأدهم، وبدأ يحكي قصته منذ اختيار اسمه على اسم يوسف بن يعقوب في إشارة استباقية منه لما سيذكره عن قصة يوسف بن يعقوب فيما بعد.

أنا ومارك 2011

لا شك أن أسلوب كتابة اليوميات أسلوب معروف، ولعل أشهر ما كُتب فيه “يوميات نائب في الأرياف” لتوفيق الحكيم، وغالبًا ما يختار الكاتب مدة زمنية محددة تتلاحق فيها الأحداث ليحبس القارئ أنفاسه بينما يتابعها في شغف، فهي تتسم بقصر العبارات وتكثيف المعاني، واستلاب روح المتلقي وسهولة التأثير في وجدانه.

وقد اختار السيد حافظ عام اندلاع ثورة يناير 2011 هذا العام الذي يشكل نقلة نوعية في سلوك الشخصية المصرية والعربية؛ فمنذ اندلاع شرارة الثورة في تونس تناثرت شظاياها في العواصم العربية تعبيرًا عن غضب واحتقان شعوب مقهورة لعقود من الزمان تحت سطوة قلة تتحكم في ثروات البلدان العربية وتستغلها لمصالحها الشخصية.

وتماشيًا مع التطور الهائل في التكنولوجيا أصبحت برامج التواصل الاجتماعي تشكل منابر يتفاعل من خلالها المواطن ويعبر عن رأيه، وكان الفيسبوك أبرزها وكان كذلك عنصرًا فعالًا وشكل داعمًا أساسيًا في تواصل الشعوب والمواطنين قبل وخلال الثورة.قسم الكاتب هذا الجزء إلى إثني عشر قسمًا بعدد شهور السنة وتحت اسم كل شهر فسّر سبب تسميته حسب التقويم الجريجوري (الميلادي) القديم والتقويم الشمسي.

الخاتمة:

استطاع الكاتب القفز بأدب السيرة الذاتية من مجرد إلقاء الضوء على حياة الكاتب وسرد يومياته إلى آفاق أخرى خلق فيها فضاءً أرحب، تنقل فيها بين العصور، اختار ثلاثة رموز للديانات السماوية الثلاث دلالة على التوحيد، ثم جمع أحلام شباب أمة بكاملها وعبّر عن آلامهم وأوجاعهم وكان صوتهم في الميدان وعلى صفحات برامج التواصل، وجعل يومياته بمثابه شهادة للتاريخ لا تقل عن كتب الجبرتي الذي أهدى روحه هذه الرواية.

وما بين الأنا المكبوتة في اللا شعور التي انتقلت إلى الأنا الشعورية في صرخة الجموع في الميادين معلنين عن رغبتهم في التحرر بعد عصور من الظلام والقهر توحدت الكلمة والهدف. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا