طموح امرأة أحرق إمبراطورية .. الجزء الثاني
كتبت: آيات مصطفى
للاطلاع على الجزء الاول من هنا
وفوجئت أغريبينا بسرية من الجنود قادمة إليها وعلى رأسهم قائد جرد سيفه من غمده وكان يتقدم نحوها والشرر يتطاير من عينيه فأدركت حينها أن الخيانة كانت من قبل ابنها وإن القائد مأمور أن ينهي حياتها فأقبلت علية قائلة
” إن كنت تبغي شراً فعجل به ، ولتمزق أحشائي التي حملت ابني العاق ذات يوم ” .
وانتشر الخبر في روما بأن الإمبراطورة أرادت التخلص من ابنها للاستيلاء على العرش وعندما فشلت خطتها أقبلت على الانتحار وها هو نيرون يتخلص من أمه ويعلن الحداد ويتظاهر بالحزن والأسى وهو فى داخله كان الفرح يغمره وانطلق ليرتمي في أحضان معشوقته ليطلب منها الرضا .
وأخيراً اختلت الساحة لبوبيا وتبقي فقط زوجة الإمبراطور أوكتافيا فأصرت عليه أن يقصيها مكاناً بعيداً وكان هذا هو شرط قبولها الزواج من الإمبراطور وامتثل القيصر كعادته لطلباتها وأبعد زوجته بحجة عدم إنجابها له وأقيمت حفلة الزواج الملكي وأصبحت بوبيا سابينا إمبراطورة روما بلا منازع كما تمنت وخططت بالضبط .
ولكن الإمبراطورة الجديدة لم تهنأ بفوزها كثيراً إذ تحت ضغط الرعية أعاد الإمبراطور زوجته الأولى من منفاها بسبب حب الرعية لها ولكن بوبيا لم تستسلم وقررت في قرارة نفسها الإنفراد بالإمبراطور ودبرت المؤامرات للتخلص من زوجة الإمبراطور الأولى.
فدبرت لمظاهرة مع مجموعة من أعوانها يطالبون فيها برأس الإمبراطورة بوبيا وأخذوا في تحطيم تماثيل بوبيا والالتفاف حول تماثيل أوكتافيا وتطويقها بالأزهار وهربت بوبيا إلى نابولي وطلبت من الإمبراطور حمايتها من مكائد زوجته الأولى وزعمت أنها دبرت مع أعوانها للتخلص منها ولم تكتفِ بذلك بل أنها اتهمتها بخيانة القيصر وإن الذي يساعدها في المؤامرة هو عشيقها واستشهدت باعتراف خادمات أوكتافيا بعد أن تعرضوا للتعذيب الشديد فأقروا أن أوكتافيا كانت تخون زوجها .
فهاج نيرون واستدعى زوجته أوكتافيا التي امتثلت أمامه بكل كبرياء وشموخ وطلب منها أن تختار طريقة لإنهاء حياتها ولم تؤثر فيه توسلاتها ولا دموعها ولكنه قد حسم الأمر وأمر بخنقها حتى الموت وهكذا نجحت بوبيا في التخلص من آخر العقبات التي كانت تحول بينها وبين امتلاكها لنيرون ومملكته بلا منافس أو منازع .
وبدأت بوبيا في القصر حياة جديدة فكل أوامرها و طلباتها مستجابة وظل الإمبراطور يحاوطها بحبه ورعايته ومما زاد اهتمامه لها هو حملها بولي للعرش الذي طالما حلم به ولكن هل تستقيم الحياة مع مجنون طاغي أعتاد أن يأخذ كل ما يريده بدون وجهه حق فسرعان ما عاد نيرون للأنغماس في العبث والمجون والملذات وأضيف عليهما عبث من نوع جديد فأخذ ينظم للمباريات والمسابقات التي كان يشارك فيها بنفسه وانشغل عن زوجته برغم حبه لها وشعرت بوبيا بانشغال نيرون عنها ولكنها قبلت بالوضع في المقابل لكي تعيش هي الأخرى في حياة من البذخ الذي طالما حاربت من أجله .
وكانت تشغل نفسها في إقامة الحفلات لتشغل وقتها وأيضا لترضي غرورها بنظرات نبلاء روما إليها والتغزل في مفاتنها ومن بين هؤلاء النبلاء والصفوة لفت نظرها القائد ماركوس الذي كان الجميع يتحدث عن بطولاته في الفتوحات العسكرية التي كان يقودها وقد كان مغرم بفتاة من أسرى الليجيين وكانت ترافقه في جميع الحفلات .
ووصل إلى مسامع الإمبراطورة أنه وقع خلاف بين ماركوس وبين فتاته وأنها تركته ومضت فأرسلت في استدعائه وامتثل القائد لرغبة الإمبراطورة وحضر إلى قصرها وأشارت له أن يجلس بجوارها على الأريكة فنظر حوله وقال آلن يغضب الإمبراطور لو علم بذلك ، فهزت كتفيها وقالت أن نيرون لم يعد يملأ قلبها وأنه أنشغل عنها في ملذاته ومبارياته وحفلاته الخاصة ، فتبسم لها ماركوس قائلا وهل ستفعلين معي مثل أنثى العنكبوت التي تأكل ذكرها عندما لا يعود له ضرورة ، فنظرت إليه نظرات ذات مغزى وقالت له ستصبح دائما ذا ضرورة يا ماركوس أما لو شغلتك فتاتك التي تركتك عني فسأعرف كيف أنتقم منك ومنها .
وكانت روما في تلك الآونة في بداية التحول للمسيحية حيث اجتاح الدين المسيحي للإمبراطورية وأصبح الكثير من أهل روما يعتنقون الديانة المسيحية ولكن نيرون لم يعجبه الأمر ولم يعطي لنفسه فرصة لتفهم ما هو الدين المسيحي الجديد فكل ما كان يشغل فكره أن الرعية بدأت تعبد إلها آخر غيره فشرع في تعذيب كل من كان يتحول إلى الدين الجديد .
وشجعته على ذلك زوجته بوبيا التي علمت من مصادرها أن الجارية التي كان ماركوس مغرم بها قد اعتنقت المسيحية فأخذت تنفخ في النار في قلب نيرون ضد المسيحيين وفي قرارة نفسها كانت تنتقم من الفتاة التي أسرت قلب القائد ماركوس والتي تمنته هي لنفسها .
فقرر نيرون أن يحرق روما بكل ما فيها حتى يشرع في بناء روما جديدة تليق بألوهيته بدون معارضين له أو متبعين آلها آخر غيره .
وبالفعل أضرم نيرون النيران في المدينة واستمرت مشتعلة لأسبوع كامل حتى قضت النيران على المدينة بأكملها وتركتها خاوية على عروشها وفي تلك الأثناء كان نيرون يطل من شرفات قصره ويستمتع بمشاهدة النيران وهي تلتهم المدينة بأكملها وكانت كلما زادت النيران ازداد حماسه ولهوه واندفاعه فى الشراب .
واختفت روما القديمة وهلك آلاف البشر وشعرت بوبيا بالأنتصار بعدما علمت أن فتاة ماركوس قد ذهبت في جحيم المدينة إلا أن فرحتها لم تدم طويلا بعد علمها أن ماركوس ترك القصر وترك الجيش وذهب مع من تبقى من المسيحيين بعدما أنقذ فتاته من جحيم النيران فأحترق قلب بوبيا أكثر وازداد حقدها وكرهها للمسيحيين .
وافاقت من أفكارها على هتافات الشعب التي كانت تطالب بالأنتقام ممن أحرق بلدهم الجميلة و أزداد لهيب الثورة ومطالب الشعب بالأنتقام من نيرون الذي كان بالمقابل مرتعباً و مذعوراً فعقد أجتماع عاجل حضرته زوجته بوبيا وحاشيته وأعوانه وكان بينهم قائد الحرس الذي نفذ أوامر نيرون في إشعال روما وجلسوا في حلقة تشاور حتى يخرجوا من المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه .
حتى اختمرت في رأس بوبيا فكرة شيطانية وأنصت لها نيرون كعادتة فقالت في مكر شديد يا جلالة الإمبراطور أن الرعية تطلب الأنتقام ممن أحرق روما ويجب أن نقدم لهم كبش فداء فأنصت نيرون ومن معه لفكرتها و تماشى معها في البحث عن كبش فداء فاقترح أن يعلن أن اليهود هم من أحرقوا روما من أجل التخلص من المسيحيين ولكن بوبيا وقفت حائلا لتلك الفكرة لحماية الرعية اليهودية التي تنتمي هي إليها ولكنها اقترحت كبش فداء أفضل ألا وهم المسيحيين التي كانت تكرههم وتريد الأنتقام والتخلص منهم فقالت أن المسيحيين هم من يؤمنون بأن النار ستجلب معها نهاية العالم إذن فإن أعداء روما وأعدائك يا مولاي هم المسيحيين وهم من أحرقوا روما وهم من ينشرون أكاذيب مغلوطة عن إنك من أحرق روما وأن العكس هو الصحيح وهم من أحرقوا روما ويجب أن تعلم الرعية تلك الأتهامات ليتحول أنتقامهم إلى عدونا الحقيقي يا مولاى إذن فلتنقذ الإنسانية ولتنفذ العدل ولتحرقهم جميعا مثلما أحرقوا بلدنا الحبيب .
نظر إليها الإمبراطور وحاشيتة في تعجب شديد فأي مخ شيطاني أتى لها بتلك الفكرة الشيطانية وفعلا نشروا أكذوبة أن من أحرق روما هم المسيحيين وهذا مما سمح لنيرون أن ينزل أشد الوان العذاب والتنكيل والحرق الجماعي للمسيحيين وصارت ساحات المصارعة تشهد كل يوم أشد انواع العذاب للمسيحيين أمام أنظار الإمبراطور وزوجته وحاشيته وهم يستمتعون بجلد وقتل المسيحيين أمام أنظارهم حيث كان يساق كل يوم مئات المسيحيين إلى الحلبة لمصارعة الأسود والنمور والكلاب المفترسة ومن ينجو بعد كل ذلك يتعرض للصلب ويضرم فيه النار وهو على قيد الحياة .
ولكن سرعان ما عادت بذرة الثورة للحراك من جديد ولكن هذه المرة بمساعدة رجال الجيش والحرس الملكي الذين أيقنوا أن الإمبراطور هو من أحرق مدينتهم وازهق آلاف الأرواح ثم فرض عليهم الضرائب الباهظة بحجة إعمار وتخطيط روما الجديدة .
وتدافعت الجماهير للقصر الملكي للقصاص من الطاغية وأعوانه والحرس لم يحاول صدهم بل ترك لهم البوابات مفتوحة للنيل من الطاغي وزوجته الشيطانة التي حرضته على إحراق الآلاف بهدف الأنتقام من غريمتها التي استحوذت على قلب وعقل ماركوس الذي تركها وهرب مع حبيبته .
وأخذ نيرون يجري هربا في ردهات القصر حتى دخل إلى غرفته ليحتمي بها من بطش الأمواج الغاضبة فإذا به يرى بوبيا بنظراتها الشيطانية فما كان منه إلا أن صرخ بوجهها قائلا ألا تتركيني أيتها الشيطانة
أين أمي العزيزة ؟
أين اوكتافيا زوجتي المخلصة ؟
أين عرشي وعاصمتي ؟
كلهم ماتوا وانتهوا بسببك أيتها الشيطانة
وأنتِ وحدك الباقية
أنتِ من حرضني أن أقتل المسيحيين وأتخلص منهم
أنتِ من جلبتي هذه المصائب
وأخذ في التقدم إليها حتى طالتها يديه وطوق رقبتها وأخذ في ركلها وصفعها في غضب وهياج فلم تحتمل لا هي ولا الجنين الذي تحمله في أحشائها فسقطت وفارقت الحياة في التو واللحظة .
وأستطاع نيرون الهرب من القصر بمساعدة أحد خدمه الذي أخلص له حتى أخر لحظة وتستر عليه في كوخه البعيد وظل طريداً خائفاً عند سماع أي حركة حول الكوخ وقضى أيامه المتبقية في البكاء وجلد الذات والندم على ما وصل إليه جراء إتباعه لتلك الشيطانة وقرر عدة مرات الأنتحار إلا أنه فشل بسبب خوفه من الموت حتى سمع الجنود الغاضبة تقترب من الكوخ الذي يختبئ فيه من بطش الرعية والجنود فما كان منه إلا أن قتل نفسه حتى لا يتثنى لأحداً أن يقتله وهكذا مات الطاغية الذي أزهق العديد من الأرواح البريئة وحتى أقرب الأقربين له و أحرق روما بجنونه وكانت تلك هي نهاية الديكتاتور الظالم فمات الطاغية ولم تمت روما .