التاريخ والآثار

منبر جامع كاتم السر …وحكاية مُبهجة من قلب العباسية

د. ابو العلا خليل  

 

يذكر على مبارك فى الخطط التوفيقية ( يقع جامع كاتم السر بشارع الحبانية تجاه مدرسة السلطان محمود ، كان قد تخرب فجدده المرحوم محمد على باشا فى سنة 1255هـ / 1840م ، وهو مشرف على الخليج يصعد إليه بسلالم من الحجر ، وبه عمودان من الرخام ، وبه شبابيك بالزجاج الملون ، وله منارة ومطهرة وبئر ، وشعائره مقامة من إيراد أوقافه تحت نظر الأسطى على المكوجى ، وبه ضريح يقال له : ضريح الشيخ كاتم السر وضريح آخر مكتوب عليه آية الكرسى ) .
كان جامع كاتم السر – والحديث للدكتور محمد حسام الدين إسماعيل فى ” مدينة القاهرة من ولاية محمد على إلى إسماعيل ” – بشارع الحبانية على الخليج أمام مدرسة السلطان محمود وهو من جملة العمائر الدينية التى جددها محمد على باشا عام 1255هـ / 1840م ، وهو غير موجود الآن حيث هدم فى أوائل هذا القرن .
ويفصل الأمر المرحوم حسن قاسم فى المزارات الإسلامية ( وعندما نفذ مشروع تنظيم وتوسعة شارع الخليج المصرى – بورسعيد حاليا – رؤى هدمه لمزاحمته للشارع ، ونقل منبره إلى قبة يشبك بالعباسية ) .
وفى تاريخ المساجد الآثرية يذكر المرحوم حسن عبدالوهاب ( وفى سنة 1907م عنيت لجنة حفظ الآثار العربية بأصلاح منبر مسجد كاتم السر بدرب الجماميز ، وهو منبر صغير طعمت حشواته بالسن والابنوس ، وبناء على إقتراح هرتس باشا وضع فى القبة الفداوية بالعباسية ، وكان إختيارا موفقا لأن صناعته تتفق وعصر القبة ) .
” وكاتم السر ” هذا هو القاضى محب الدين محمود ابن القاضى شمس الدين محمد بن محمود بن خليل بن آجا الحلبى ، من أسرة عريقة بالفضل والعلم ، وأصله من حلب . تردد حضوره الى القاهرة ، وبها تولى المناصب الجليلة ، أشهرها كاتب السر أو ” كاتم السر ” بالديار المصرية .
يذكر إبن إياس فى بدائع الزهور فى وقائع الدهور ( وفى يوم الأثنين ثالث رمضان عام 906هـ أخلع السلطان العادل طومانباى على المقر البدرى بدر الدين محمود بن آجا الحلبى الحنفى وقرره فى كتابة السر بالديار المصرية ) .
و” كاتب السر ” هو صاحب ديوان الإنشاء ، وكان بحكم عمله على علم بأمراء الدولة ، ورغم ما أحدثته العامة – والحديث للقلقشندى فى صبح الأعشا – فى كلمة ” كاتب ” من إبدال لحرف ” الباء ” الى ” ميم ” فقيل : ” كاتم السر ” وهى تسمية صحيحة المعنى لأن صاحبها يكتم سر الملك ويتكتم عليه .
أقام محمود بن آجا فى كتابة السر بالديار المصرية ست عشرة سنة – والحديث لأبن إياس فى بدائع الزهور فى وقائع الدهور – وهو عزيز مصر ، نافذ الكلمة ، وافر الحرمة ، وهو آخر كتاب السر بالديار المصرية ، ولم يجئ بعده من يناظره فى الرئاسة والتعاظم والنظام ، ومشى مشى الرؤساء المتقدمين فى كتابة السر ، وكان كثير الأمراض فى جسده ، وأكثر أقامته فى داره والناس تسعى إليه فى أشغالها ) .
أقام القاضى محمود بن آجا مسجده بجوار داره بشارع الحبانية ، ومازال مقيما به إلى أن زالت سلطنة المماليك وخضعت البلاد للسلطنة العثمانية ، وعندها قرر الرحيل والهجرة من مصر ليستقر بحلب مسقط رأسه ومدفن أجداده ، يرتب زاده ويعد نفسه لميعاده .
يذكر إبن إياس الحنفى فى بدائع الزهور (وفى شهر رجب عام 925هـ قدمت الأخبار من حلب بوفاة القاضى محب الدين محمود ابن القاضى شمس الدين محمد بن أجا الحلبى ، مات وهو فى ست وسبعين سنة . وقيل فى نعيه :
كتابة سر الملك ماتت لكونها .. به ختمت والسر من بعده جهر
فمن مثل محمود ومن مثل قلبه .. وذا القلب ممدوح يلذ به الذكر . وزال أسمه ومسجده ، ولم يبق لنا من سيرته سوى ” منبر جامع كاتم السر بالقبة الفداوية ” . … 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا