
كنوز مصر المفقودة (المومياوات)
بقلم/ميرنا محمد.
إن المومياوات المصرية ليست مجرد لفائف من قماش الكتان تلف بها الأجساد الميتة فقط، ولكنها طريقة لوجود بيوت دائمة للأرواح
وهذه طريقة تحايلية على الموت وفي التحنيط كان يستخرج المخ من فتحة الأنف وتفرغ الأحشاء من البطن والصدر وكان الجسم المفرغ ينقع في الملح ويجفف وكان الجلد الجاف يعالج بخليط من الزيوت والراتنجات (أصماغ)
ووجد أن المومياء كانت تلف بعشرات الأمتار من قماش الكتان لتصنع منها ملابس الميت في حياته الأخرى الأبدية وكانت تتلى عليها التعاويذ وتمارس عليها الطقوس قبل الدفن وكان يدفن معه الطعام والشراب وكل ما سيحتاجه ليعيش حياة هنية بعد الموت وكانت تدفن المومياوات في رمال الصحراء المترامية والجافة لامتصاص السوائل من الجسم وتجفيفه لحفظ الجلد والأظافر والشعر بعيدا عن ضفتي النيل حيث الزراعة
وكان المصريون يدفنون في المقابر المشيدة وكان قدماء المصريين يلفون الميت بقماش الكتان المغموس في الراتنجات منذ 5000 سنة ق.م..
(المومياوات المصريه في اوروبا)
لم تحظ المومياوات المصرية في القرون الماضية بنفس التقدير والقيمة العلمية التي حظيت بها في الفترة المعاصرة حيث اتجه الأوروبيون خاصة خلال القرن التاسع عشر لاقتناء هذه الجثث المحنطة من شوارع مصر التي كانت تعج ببائعيها الذين لجؤا لبيع هذه القطع الأثرية لجلب الزوار وتحقيق الأرباح ..
إن المومياوات المصرية في حقب مختلفة تعرضت للتدمير لأستخدامها كمسحوق طبي في أوربا أو للبيع والتهريب مثل تهريب بعض المومياوات من الخبيئة التي تم اكتشافها في الأقصر عام 1881م مؤكداً أن مومياء رمسيس الأول عادت لمصر بعد مرور مائة عام علي تهريبها من خلال الدبلوماسي التركي مصطفى أغا وقتهافي الفترة منذ عام 1881م.
أن حملة نابليون بونابرت على مصر ما بين عامي 1798 و1801 حقق علم المصريات رواجاً كبيراً في أوروبا حيث أثار تاريخ مصر القديمة فضول الأوروبيين الذين أقبلوا بكثافة للحصول على القطع الأثرية والمومياوات التي استخدموها في مجالات مختلفة لاستخدامها في المجال الطبي بحسب التقاليد القديمة عن طريق سحقها وتحويلها لبودرة وخلطها مع مكونات أخرى لعلاج بعض الأمراض.
وأعتمد كبار الرسامين الأوروبيين على المومياوات للحصول على مادة ملونة عرفت ببني المومياء (mummy brown)حيث يتم استغلال بقايا مومياوات بشرية أو حيوانية لإنتاج هذا الملون، الذي استخدم كثيراً بفضل شفافيته لرسم الزجاج والظلال باللوحات الزيتية وقد سجل بني المومياء ظهوره ما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر واستخدمه رسامو ما قبل الرافئيلية (Pre-Raphaelites) بشكل مكثف
وأثناء عشرينيات القرن التاسع عشر انتشرت بين أثرياء بريطانيا عادات غريبة أثناء إقامة الحفلات بالمنازل، حيث لجأ كثيرون لاقتناء مومياء مصرية لإقامة عروض غريبة جلبت انتباه الحاضرين يتم خلالها فك ونزع الأربطة التي كانت تغطي جسد المومياء. وسجلت مثل هذه العروض حينها انتشاراً لتمتد نحو أروقة كليات الطب البريطانية وعروض السيرك حيث جذبت العديد من الزوار الذين كانوا مستعدين لدفع مبالغ مالية واقتناء تذاكر لمشاهدة عملية فك أربطة إحدى المومياوات
كذلك اعتمدت المومياوات المصرية بأوروبا خلال العهد الفيكتوري كديكور للمنازل لتوضع بذلك في غرف الاستقبال وغرف النوم بغية تزيينها كما لجأ البعض من ذوي الإمكانيات المحدودة لاقتناء أجزاء من المومياء مثل المؤلف الفرنسي غوستاف فلوبير الذي احتفظ برجل مومياء بمكتبه
ومع تقدم الثورة الصناعية وتطور الأنشطة الصناعية في أوروبا لجأت دول كبريطانيا وألمانيا للاعتماد على المومياوات البشرية والحيوانية لاستخدامها كأسمدة بالأنشطة الزراعية وعلى حسب عدد من المصادر لجأت بريطانيا في إحدى المرات لاستيراد حمولة من مومياوات القطط المصريةالتي كانت منتشرة بكثرة وقد تجاوز وزنها 10 أطنان لاستغلالها بالأنشطة الزراعية وإعادة تهيئة التربة
ومن خلال كتابه The Innocents Abroad الذي نشر أواخر ستينيات القرن التاسع عشر اعتمد الكاتب الأميركي مارك توين أسلوباً ساخراً للحديث عن انتشار المومياوات المصرية حيث نقل دعابة تحدث من خلالها عن اعتماد شركات السكك الحديدية بمصر على المومياوات بدل الفحم لتشغيل العربات القاطرة
أنه “في عام 2003 م عادت مومياء الملك والمحارب المصري رمسيس الأول من الولايات المتحدة من متحف مايكل كارلوس إلى المتحف المصري بالقاهرة بعد رحلة تعدت المائة عام بين المتاحف بعد سرقتها من خبيئة الدير البحري ومن ثم بيعها على يد القنصل التركي بالأقصر مصطفى أغا الذي كان متورطًا في القضية التي رصدتها جريدة الأهرام عام 1881م”
وجرت مراسم استقبال رسمية للملك في مصر بعد عودة مومياء رمسيس التي نجت من الطحن واستخدامها كمستحضر طبي عام 2003م وعزف فيها السلام الوطني المصري والمراسم العسكرية وغطى الصندوق بالعلم المصري وعاد رمسيس ليرقد بجوار ابنه سيتي الأول وحفيده رمسيس الثاني.
المراجعة اللغوية:- ناريمان حامد
إقرأ أيضًا:-
المعابد المصرية وكيف نشأة المعبودات







