كتبت بسمة أحمد
تتربع اللغة العربية على عرش اللغات لمكانتها و فضلها ؛ فقد فضلها الله تعالى على سائر اللغات بتنزيل القرآن الكريم عربياً .
فيقول “ابن تيميّة” رحمه الله : اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون .
وقال فيلسوف القرآن الأعجوبة “مصطفى صادق الرافعي “رحمه الله : ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ ، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة ، ويركبهم بها ، ويُشعرهم عظمته فيها ، ويستلحِقهم من ناحيتها ، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ : أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً ، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً ، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها ، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ .
فنجد الآن الكثير منا من يسعى لتعليم أبنائه لغات أجنبية مختلفة كالإنجليزية ، و الفرنسية ،و الألمانية و غيرها من اللغات على حساب اللغة الأم اللغة العربية ، مبرراً ذلك بما يعود عليهم من نفع في المستقبل حيث فرص عمل أفضل ، بالإضافة إلى تحسين مكانتهم الاجتماعية ، فمن وجهة نظرهم أن من لدية أكثر من لغة فهو مرموق المكانة مقارنةً بمتحدث العربية الذي لا يفقه غيرها .
فتعلم أكثر من لغة من المهارات الضرورية التي يتطلبها سوق العمل و التي لا يستطيع أحد أن ينكرها، و لكن لا يجب أن تاتي على حساب تعلم العربية و إتقانها و ممارستها فى الحياة اليومية بدلاً من التفاخر بتعلم باقي اللغات ، فنجد العديد من الأمهات يحرصن على إلحاق أبنائهن بالمدارس الدولية و مدارس اللغات ثم تأتي نفس الأم لتتفاخر أمام العامة بأن إبنها لا يعرف شيئاً عن اللغة العربية و يمارس الإنجليزية على مدار الساعة بحياته اليومية .
فأى فخر هذا و نحن نهدم بأيدينا جزء أصيل من ثقافتنا بل جزء من ديننا و هويتنا العربية و نتعلم و نتمسك بثقافات الغرب .
فينقلنا المستشرق الفرنسي “رينان” إلى فكرة أخرى فيقول :من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللغةُ القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل ، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها ، ولم يُعرف لها في كلّ أطوار حياتها طفولةٌ ولا شيخوخةٌ ، ولا نكاد نعلم من شأنها إلاّ فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبارى ، ولا نعرف شبيهاً بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة .
و لذلك وجب علينا جميعأ التمسك بلغتنا و هويتنا و ثقافتنا من الاندثار .
و قال المسشرق النمسوي “جوستاف جرونيباوم” في أشهر كتبه :«إسلام العصور الوسطى» أنه عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها ” قرآناً عربياً ” والله يقول لنبيّه ” فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدّاً “.
وما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها ، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية ، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان ، أما السعة فالأمر فيها واضح ، ومن يتّبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية ، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات . وتزيّن الدقة ووجازة التعبير .
وتمتاز العربية بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز ، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيراً فوق كل لغة بشرية أخرى ، و لها خصائص جمّة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أي لغة أخرى ، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني ، وفي النقل إليها ، يبيّن ذلك أن الصورة العربية لأيّ مثل أجنبيّ أقصر في جميع الحالات.