التاريخ والآثارمقالات

كارتر مكتشف توت وسارقه

بقلم المرشدة السياحية: ميرنا محمد

( أيُعقل أنه كان لصاً !؟ )

ما زال هذا الملك المصري الشاب يستقطب الإهتمام الذي لم يُعثر مطلقاً على كنز من تلك الحقبة الباكرة من تاريخ البشرية يضاهي كنز أمون قيمة وضخامة وجمالاً ، فمع 27 كفاً و427 سهماً و12 كرسياً صغيراً و69 صندوقاً و34 عصا معقوفة هذا المشهد الذي شهدته طيبة في شهر نوفمبر من عام 1922 الحدث الأبرز في علم الآثار فقد بلغ هوارد كارتر الذي صُنف آخر الباحثين عن الكنوز في العصر الحديث وأفضلهم إلى هدفه المنشود إذ جمع نحو 5 آلاف قطعة من غرف الدفن الأربع بما فيها قطع أثاث وجرار عطور وكشاشات ذباب وريش نعام فقد كان القبر برمته حلماً تلوّن باليشب واللازورد والفيروز حتى أنه اكتشف عصاة زُيّنت بأجنحة الخنافس كانت تُستعمل في الطقوس الدينية يُعتبر حجم هذا الكنز مذهلاً فعلاً ، سوف يبقى اسم هوارد كارتر المستشكف البريطاني الذي فتح قبر توت عنخ أمون في عام 1922 مرتبطاً بأعظم الاكتشافات التاريخية في مصر القديمة لكن أيُعقل أنه كان لصاً !؟..

الملك المصري الشاب
كارتر مكتشف توت وسارقه

هوارد كارتر الشاب الذي جاء الى مصر

هوارد كارتر ابن رسام اشتهر بصوره التي رسمها للحيوانات وصل إلى مصر في عام 1891 ، برهن هذا الشاب عن مهارة كبيرة في العثور على غرف الدفن المخبأة وقبل تحقيقه أعظم اكتشافاته قبر توت عنخ أمون عثر على ثلاثة قبور ملكية أخرى كانت كلها فارغةكذلك كانت له علاقات بأصحاب النفوذ إذ عمل إلى جانب الثري الأميركي وعالم الآثار الهاوي ثيودور ديفيس ، بدت طباع كارتر غريبة نوعاً ما فبعدما فجر غضبه في وجه بعض السياح الفرنسيين خسر عمله كمفتش في دائرة الآثار المصرية. يذكر هوفينغ أن كارتر كان عنيداً مضيفاً قلائل استطاعوا التعامل معه فترة طويلة من دون أن يجن جنونهم لكن براعته في العثور على القبور كانت منقطعة النظير وفي عام 1907بدأ كارتر سعيه الحثيث وراء قبر الملك الشاب ، واللافت أن عظمة هذا الكنز ساهمت في إعلاء شأن مكتشفه إذ نال كارتر دكتوراه شرفية ودعاه الرئيس الأميركي كالفن كوليدج إلى شرب الشاي معه حتى أن هورست بينليخ عالم متخصص في التاريخ المصري في جامعة Würzburg وصفه بـ{الرجل النزيه الذي لا يُساوم على مثله العليا} ..
لكن يبدو أن هذا الوصف ليس صحيحاً بالكامل تُظهر الوثائق أن هذا البطل مكتشف القبورغش فقد تلاعب بالصور الفوتوغرافية زور الوثائق بشأن اكتشافه وخدع دائرة الآثار المصرية إضافة إلى أنه أراد إرسال أكبر عدد ممكن من القطع الأثرية إلى إنكلترا والولايات المتحدة ، لكن خطته سرعان ما اصطدمت بمقاومة قوية من دائرة الآثار كانت تابعة لرجل فرنسي عنيد جداً في النهاية باءت خطة كارتر بالفشل وبقي كنز الملك الذهبي في القاهرةما وسم نهاية عهد من النهب المتواصل لأصول مصر الحضارية هكذا عاد كارتر وفريقه خالين الوفاض ..

كان هذا ما قيل رسمياً على الأقل لكن فريق كارتر أخذ سراً عدداً من القطع مع أنهم لم يكونوا مخولين ذلك فقد تبيّن أن بعض المعروضات في عدد من المتاحف يعود إلى كنز الملك توت عنخ أمون وأحد الأمثلة الأحدث تمثال أوشبتي (خادم الموتى) صغير مصنوع من الخزف الأبيض في متحف اللوفر عندما زار كريستيان لوبن عالم متخصص في التاريخ المصري هذا المتحف الفرنسي لم يستطع أن يصدّق عينيه يوضح كان اسم عرش توت عنخ أمون مكتوباً على التمثال ومن المؤكد أنه كان جزءاً من الكنز الذي عُثر عليه داخل القبر ..

الملك المصري الشاب
كارتر مكتشف توت وسارقه

 

تشمل القطع المهرّبة أيضاً قطعة لها شكل رأسي صقرين ذهبيين ظهرت في مدينة كنساس وبعد تفحص هذه القطعة تبيّن أنها جزء من طوق وُضع مباشرة على جلد المومياء التي كانت مغطاة بعشرين لتراً من زيت التحنيط انفرط الطوق عندما انتُزع فجمع كارتر أجزاءها ليقدّمها هدية إلى طبيب أسنانه ..

كذلك ظهرت قطع تعود إلى توت عنخ أمون في ألمانيا فقد أقر مدير متحف في ولاية ساكسونيا أنه يملك عدداً من الخرزات الزرقاء يخبر مدير المتحف وضعها كارتر في جيبه فيما كانت غرف القبر تُفرغ من محتوياتهاثم أعطاها لأحد مساعديه وعثر على هذه الخرزات المشكوك في أمرها في أحد المزاد ..

تعزز طريقة التعاطي هذه مع ممتلكات أجنبية شكاً أثاره في سبعينات القرن الماضي توماس هوفينغ مدير سابق لمتحف متروبوليتان للفنون في نيويورك فباعتماده على ملاحظات سرية وثّق هوفينغ حالات تخلى فيها كارتر وشريكه اللورد كارنارفون الإنكليزي عن نزاهتهما مثلاً قدّما مشبكاً يظهر عليه الملك الصغير وهو يركب عربته هدية لملك مصر فؤاد الأول كذلك تلقى عملاق النفط الأميركي إدوارد هاركنس خاتماً من الذهب ..

لم يُفتضح أمر كارتر سوى مرة فقد نقل خلسة تمثالاً نصفياً ملوناً صغيراً للملك الشاب إلى غرفة جانبية من دون تسجيله ، لكن المحققين اكتشفوا التمثال أو التحفة الأثرية المذهلةعلى حد تعبير هوفينغ في عربة للنبيذ ، و إقراره فرض مصلحة الآثار حراسة على المدفن إذا ما تأكد تضمن مقتنيات ذات بال ولكن النزاع لم ينته هناإذا تصاعد مع منع كارتر من الدخول إلى موقع المقبرةحتى إنه بعث برسالة إلى وزير الأشغال المصرى مرقص حنا فى 17 فبراير 1924 محذرا من خطورة غيابه عن موقع المقبرة ولكن الوزير رد موضحا أن قرار منعه جاء بعد إغلاقه المقبرة و إضرابه ومعاونيه عن العمل ، للأسف نجح عالم الآثار في التنصّل من هذا الوضع الحرج ولم تخرج هذه الفضيحة إلى العلن ، وعموماً نجحت حيل كارتر غالباً فقد إختفى عدد من القطع صغيرة بمعظمها من قبر الملك لكن مَن سرقها ومتى؟ وما كانت هذه القطع؟ وأين إنتهى بها المطاف؟ لا تزال هذه الأسئلة أحد الألغاز المحيرة في علم الآثار المصري .

 

المصادر :-
– الكاتب الصحفى محسن محمد فى كتابه( سرقة ملك مصر) .
– كتاب (القصه التي لم تقل ) توماس يونج مدير متحف المتروبوليتان .
– مجلة “دير شبيجل ” الألمانية .
– مقال باسم هوارد كارتر “المخادع والكاذب واللص ومهرب الآثار”.

المراجعة اللغوية: ناريمان حامد .

 

 

إقرأ أيضاً :-

بردية وستكار وحكايات خوفو

المومياء الحامل .. ولماذا حنطها كهنة الفراعنة بهذا الشكل !؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا