التاريخ والآثارمقالات

بردية وستكار وحكايات خوفو

بقلم: عبدالعزيز مصطفى

وبردية وستكار لمن لا يعرفها فهي نصوص أدبية ترجع لعصور المصري القديم وتعرف أيضا باسم “بردية المعجزات الثلاث من بلاط الملك خوفو”، وأحيانا باسم “بردية الملك خوفو و السحرة”، و هى عبارة عن خمس قصص رواها أبناء الملك “خوفو” (من الأسرة الرابعة) فى أحدى الجلسات ببلاطه الملكى، وهى قصص تروى معجزات قام بها بعض الرجال وهى تعتبر أول مصدر يتحدث عن قدرات الإنسان الخارقة فى السيطرة على عالم الطبيعة وما وراء الطبيعة والسحر وهو المسمى الحالي لأفعال هؤلاء الرجال في وقتنا الحاضر ..

بردية وستكار
بردية وستكار وحكايات خوفو

(معجزات وستكار)

وفيها ما يعرف إصطلاحاً بـ المعجزة (السحر) مثل شق مياه البحر وتقطيع الحيوانات إلى أشلاء وإعادتها إلى الحياة، وتعرف بردية وستكار لدى الأثريين بهذا الأسم لأن المغامر البريطانى Henry Westcar هو من عثر عليها فى عام 1823 أثناء أحدى رحلاته لمصر، ولكنه لم يدون ظروف ومكان عثوره على تلك البردية.
وفي عام 1839 حصل العالم الألمانى Karl Richard Lepsius على البردية من أحدى قريبات هنرى وستكار، والبردية موجودة حاليا بمتحف برلين بألمانيا ..
و تتكون بردية وستكار من 12 لفافة بردى مطوية دونت في أثناء فترة الإحتلال الهكسوسى لمصر في عصر الإنتقال الثانى ، ولكن الأثريين يعتقدون أن النص يعود إلى فترة أقدم من عصر الإحتلال الهكسوسى، وهى تروي قصص تعود إلى عصر الأسرة الرابعة بالدولة القديمة .
وبسبب رداءة مستوى الخط المكتوب به البردية وتكرار الأخطاء الاملائية، هناك بعض الأثريين يعتقدون أن من قام بتدوين هذه البردية هو أحد التلاميذ كجزء من أسلوب تدريبه على الكتابة، وأن هذا النص كان من النصوص التى يتم إعادة نسخها من عصر لآخر كأحد مصادر القصص فى مصر القديمة ..

تحكي بردية وستكار 4 حكايات قصها أبناء خوفو عليه فى أحدى الجلسات ببلاطه أثناء حكمه، وتنتهى بفصل نهائى يحكى قصة التنبؤ بميلاد ثلاثة ملوك (أوسر–كاف , ساحو–رع , نفر–إر–كا– رع) وهم أول ملوك الأسرة الخامسة .
القصة الأولى (قصة أمحوتب)، وهى قصة حكاها لخوفو أحد أبناؤه (وفي الغالب كان جدف-رع)، وللأسف معظم القصة غير ظاهر بوضوح، ولم يبقى منها سوى بضعة أسطر، وهى تحكى عن المعجزات التى كان يقوم بها أحد الكهنة فى عهد الملك زوسر، ويعتقد المؤرخون أن هذا الكاهن هو أمحوتب نفسها مهندس وكاهن الفرعون .
القصة الثانية (قصة تمساح الشمع)

وهذه القصة للاسف غير مكتملة وتدور أحداثها فى عهد الملك “نب-كا” وتحكي عن كبير الكهنة الذى يكتشف وجود علاقة بين زوجته وبين أحد الفلاحين، فيقوم بصنع تمساح من الشمع و يستطيع عن طريق علوم ما وراء الطبيعة أن يتحول إلى تمساح حقيقى يطارد الفلاح غريمه في طيبة ويقتله ..

والقصة الثالثة (قصة الدلاية التركواز)

وهنا يحكيها لخوفو أبنه (باو – اف – رع) وتدور أحداثها فى عهد الملك سنفرو، وتحكى أن الملك سنفرو كان يشعر بملل شديد فنصحه كبير الكهنة أن يذهب فى رحلة نيلية بصحبة 20 فتاة جميلة، و لكن أحدى الفتيات سقط منها فى النهر دلاية تركواز على شكل سمكة، فإنزعجت لفقدها ولم يخفف من إنزعاجها وعد الملك بأن يحضر لها غيرها، فما كان من كبير الكهنة إلا أن أمر الماء فانشق وظهر قاع النهر ليتم التقاط الدلاية التركواز التى سقطت من الفتاة، ويعتبر المؤرخين أن هذه أول قصة مدونة تحكى عن أنشقاق الماء (البحر) وهى القصة التى ظهرت بعد ذلك في التوراة عن شق موسى البحر.

بردية وستكار
بردية وستكار وحكايات خوفو

القصة الرابعة (قصة خوفو والكهنة)

وهي يحكيها لخوفو إبنه (حر – جدف) وتدور أحداثها فى عهد الملك خوفو نفسه يخبر (حر – جدف) أباه الملك خوفو عن كاهن عالم أسمه “ديدى” باستطاعته أن يعيد رأس أى حيوان إلى مكانها بعد أن تقطع، وباستطاعته ترويض الأسود، وأيضا لديه علم عن معبد تحوت.
فيأمر الملك خوفو ابنه (حر – جدف) أن يأتى له بالكاهن العالم “ديدي” ليريه من معجزاته؛ فيقوم بقطع رأس أوزة وثور، ثم يعيدها كما كانا. ثم يسأل الملك خوفو الكاهن العالم ديدي عن معلوماته عن معبد تحوت، فيجيبه ديدي بأنه لا يعرف عدد الغرف السرية بمعبد تحوت إلا أنه يعرف مكانه، وهنا يصر الملك خوفو على الحصول على أجابة أوضح من الكاهن ديدى ويعرف مكان معبد تحوت، فيجيبه بأنه ليس باستطاعته الأجابة ولكن من يعرف مكان معبد تحوت هو أول من سيولد من الملوك الثلاثة الذين تلدهم زوجة كاهن رع “رد – جديدي” وهم أول ملوك الأسرة الخامسة (أوسر–كاف ساحو–رع , نفر–إر–كا– رع)
وهذه القصة هى التى تنبأت بميلاد ملوك الأسرة الخامسة، والتى جاءت بتفصيل أكثر في القصة الخامسة بردية وستكار ..

وفى هذه البردية دليل على سعى الملك خوفو للوصول إلى العلوم القديمة لزمانه (علوم ما وراء الطبيعة) ليستخدمها في بناء صرحه المعماري العظيم “هرم الجيزة الأكبر” .

أما القصة الخامسة (قصة ميلاد الملوك الثلاثة)

وهى إستكمال القصة الرابعة، وهي النبوءة التى حكاها أحد أبناء خوفو له عن ميلاد ثلاثة ملوك (أوسر–كاف , ساحو–رع , نفر–إر–كا– رع) سيكونون هم أول ملوك الأسرة الخامسة. تحكي القصة أن رع أمر كل من (إيزيس، ونفتيس، ومسخنات، حكيت، خنوم) أن يساعدوا زوجة كاهن رع “رد – جديدى” فى الولادة فقد كانت على وشك أن تلد. فقاموا بالتنكر كهنة وذهبوا إلى “رد – جديدي” يساعدوها في الولادة.
وقبل مغادرتهم بيتها تركوا لها جوالا من الحبوب بداخله 3 تيجان. وبعد فترة أرادت “رد – دجيدي” أن تقيم وليمة ولم يكن لديها مايكفي من الحبوب فاضطرت إلى استخدام جوال الحبوب الذى تركه النترو الذين زاروها أثناء الولادة ولتكتشف وجود التيجان الثلاثه.
ولكن أحدى الخادمات فى بيت رد – دجيديت رأت التيجان و أرادت أن تذهب إلى الملك خوفو لتحكى له عن إكتشاف التيجان الثلاثة، وأخبرت عمها بنيتها تلك ولكنه ضربها ومنعها من ذلك، وفي أثناء سير الخادمة بالقرب من نهر النيل خرج تمساح و افترسها؛ فذهب عم الخادمة إلى سيدتها وأخبرها بشكه أن الخادمة قد تكون أخبرت الملك خوفو عن التيجان الثلاثة قبل أن يفترسها التمساح .. وعند هذا الحد تقف القصة حيث البردية ممزقة فى هذا الموضع ولا نعرف ما الذى حدث بعد ذلك، وهل عرف الملك خوفو بأمر التيجان الثلاثه أم لا ولكن مازال التاريخ المصري ملئ بالكثير من المفاجآت.

وفي هذه القصة تحديدا هى المصدر الذى استقى منه الأديب الكبير نجيب محفوظ المادة التاريخية لقصته الشهيرة عبث الأقدار و هى واحدة من ثلاث قصص استلهمت تاريخ مصر القديم وهي (عبث الأقدار وكفاح طيبة ورادوبيس) وهى من أروع ما كتب فى تاريخ الأدب المصرى الحديث في زماننا هذا ..

وفي العام العام 1839، أعطى هنري وستكار مالك البردية برديته المكتشفة في نفس الفترة إلى عالم المصريات “كارل ريتشارد لبسيوس”، الذي لم يتمكن مع ذلك من فك طلاسم النص، إلى أن استطاع “أدولف إيرمان” فكها في عام 1890.[4] البردية معروضة الآن في إضاءة خافتة في متحف برلين المصري إلى الأن ومازالت موضع البحث والدراسة و التدقيق.
– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد .

 

إقرأ أيضاً :-

دور الملوك قبل توليهم الحكم

المومياء الحامل ولماذا حنطها كهنة الفراعنة بهذا الشكل الغريب ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا