مقالاتالتاريخ والآثارحوادث وقضايا

الطب عند المصري القديم

بقلم المرشدة السياحية: رنا إسماعيل الصيرفي

برع المصري القديم في الفنون المختلفة، وكذلك في العلوم المتخصصة مثل ” الفلك والطب ” اللتين قدم فيهما نموذجًا فريدًا ورائدًا في مجالات تشخيص الأمراض ومعرفة أسبابها والبحث عن طرق ناجحة لعلاجها .. ويعود اكتشاف علم الطب في مصر القديمة إلى “إيمحوتب” أول طبيب في التاريخ المصري، ويطلق عليه لقب “أبو الأطباء”.. هو ليس مجرد طبيب فقط بل كان موسوعة علمية لم يشهد التاريخ المصري القديم له مثيلاً، كان دائم البحث عن المعرفة يتعلق بأسبابها محاولاً اكتشاف كل الطرق المجهولة من أجل خدمة الإنسانية ومحيطه الإجتماعي .. وكذلك كان “إيمحوتب” أشهر مهندس معماري في عصره، قام بتصميم “هرم زوسر” المدرج المعروف بهرم سقارة، أول الأهرام المصرية، وأول بناء حجري مكتمل في الحضارة المصرية القديمة، كذلك كان ” إيمحوتب ” موسوعة في علم اللغة المصرية القديمة، وهو من وضع قواعدها، وهو أول من قام بعمل مقياس لإختبار منسوب النيل، بحيث إذا انخفض النيل حدث الجفاف وجاع البشر وإن ارتفع الفيضان ربما يغرق ما زرعهُ أبناء المصريين ..

برع المصري القديم في الفنون المختلفة
الطب عند المصري القديم

ومن الناحية الطبية كان “إيمحوتب” مبتكرًا في مجال الطب، ويتعامل بتسامح شديد مع مرضاه وهذا ما تصفه د/ ميرڤت عبدالناصر الباحثة في علم المصريات قائلة: كان “إيمحوتب” محبًا لمرضاه وعطوفًا عليهم لدرجة أنه كان يأخذ بعضهم في نزهة معهُ في النيل كجزء من العلاج والترفيه عنهم، وكان أول من وضع في التاريخ المبادئ والقيم الأخلاقية التي لابد للطبيب أن يراعيها عند معاملة مرضاه .. ومن عباراته الشهيرة قوله: “لا تسخر من الإنسان الذي به إعاقة ولا تسخر من الذي فقد بصرهُ، ولا تضحك من الرجل الذي عقله في يد الله، والمقصود به المجنون “..

وعرف العالم قيمة الطبيب المصري الرائد، فعندما جاء الإغريق إلى مصر مع دخول “الإسكندر الأكبر “ ارتفعت مكانة “إيمحوتب” وقال عنه الإغريق إنه “إله الطب” ونحتوا صورته على جدران المعابد في شكل يشبه “الإله بتاح” الذي قالوا عنه إنه أبوه، وكما كان إيمحوتب أبًا للطب في مصر القديمة كان “أبو قراط” أبًا للطب عند الإغريق ..

وعبر الزمن تطور فن الطب في مصر، وكان للأطباء المصريين شهرة واسعة وصلت إلى الدول المجاورة، وفي التاريخ القديم قصص لأطباء مصريين ذهبوا إلى دول أخرى لعلاج أمراء وأغنياء هناك ..

برع المصري القديم في الفنون المختلفة
الطب عند المصري القديم

ومن الأخلاقيات الجميلة أن الطبيب في مصر القديمة كان يتبرع بجزء من أتعابهُ لتطوير “مدرسة الطب” التي يعمل فيها، وكان يطلق عليها في الحضارة المصرية القديمة اسم “بيت الحياة” ..

وتؤكد د/ ميرڤت أن الأطباء المصريين القدماء عرفوا كل التخصصات الطبية، فلقد قال المؤرخ هيرودوت: إنه رأى في مصر أطباء للعيون والعظام والأمراض الباطنية، وأمراض النساء والتوليد وتخصصات أخرى، وهذا يدل على مدى تقدم علم الطب في مصر القديمة .. وتضيف د/ ميرڤت قائلة: ” لا شك أن علم التحنيط ساعد مصر كثيرًا على التفوق في علوم الجراحة، فمن خلال التحنيط عرف المصري القديم كيف يصل إلى المخ عن طريق الأنف وهذه طريقة متقدمة مازالت تمارس حتى الآن “.. وحفظت لنا النقوش على جدران المعابد طريقة علاج المرضى في الحضارة المصرية القديمة، ومنها النقوش الموجودة على جدران معبد “كوم أمبو” والتي تدل بوضوح على معرفة المصريين بالآلات الجراحية المختلفة ..

ومن أكثر فروع علم الجراحة التي برع فيها المصريون هي جراحة العظام، وخاصة الجراحة التي كانت تجرى في جمجمة الإنسان، وغالبًا ما تأتي الخبرة بهذا النوع من الكسور وغيره من الحروب ، وعرف الجراحون المصريون القدماء كيفية خياطة الجرح، واستخدموا أوراق شجرة الصفصاف في تخفيف الآلام، فهي تحتوي على المادة الفعالة في صناعة الإسبرين، كما برع المصريون القدماء في جراحة النساء والتوليد وجراحة العيون وغيرها .. وحفظ لنا التاريخ مجموعة من الوثائق الطبية العالمية منها ” بردية كاهون “ وهي أقدم البرديات الطبية، وتحتوي على معلومات كثيرة ومهمة في طب النساء والتوليد ..

وهناك أيضًا بردية ” إدوين سميث “ والتي فيها ذكر علاج المخ وهي الأولى من نوعها، وهناك بردية ” إيبرس “، وهي أضخم بردية طبية تحتوي على وصف للأمراض الباطنية وأمراض العيون .. كل هذه البرديات تؤكد معرفة المصري القديم تشخيص الأمراض وعلاجها على اختلاف أنواعها، وبطرق متطورة عن زمانها الذي وجدت فيه ..

برع المصري القديم في الفنون المختلفة
الطب عند المصري القديم

قسم “أبو قراط”

كان الطبيب المصري القديم مكتشفًا بطبعه عارفًا بالقيم والأخلاق، وهذا ما نلاحظه بعد ذلك في تعاليم “أبو قراط”، حيث جاء لتدريس الطب في مدرسة الإسكندرية، ويظل القسم الذي يقسمه خريجوا كليات الطب في العالم هو قسم ” أبو قراط “ والذي ينص على إحترام الطبيب لمريضهُ وعدم إفشائه لأسرارهُ، وبذل كل الجهد لتحقيق شفائهُ، والطبيب الذي لا يحترم هذا القانون يعتبر خارجًا على قوانين الطب الأخلاقية، ويحرم من ممارسة مهنة الطب ..

وهكذا نرى مدى الدقة في الحفاظ على الجانب الروحي بين الناس، فهي ليست مجرد مهنة، والطبيب يجب أن يكون على ثقافة تؤهله للتعامل مع مرضاه، وهذا ما نجدهُ مدونًا على جدران المعابد وفي البرديات المصرية من مختلف العصور القديمة، والتي أصبحت بمثابة الدساتير الطبية .

برع المصري القديم في الفنون المختلفة
الطب عند المصري القديم

المصادر:-
كتاب : الطب المصرى القديم.
مؤلف : د/ حسن كمال.
قسم : سير وتراجم وحياة الأعلام من الناس.
اللغة : العربية.
– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

 

 

إقرأ أيضاً :-

الجامع الأزهر

رمسيس الثانى ليس فرعون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا