التاريخ والآثار

الفن في مصر القديمة.

بقلم المرشدة السياحية/ رنا إسماعيل الصيرفي.

فقد كان الفن أعظم عناصر هذه الحضارة؛ فنحن نجد في هذه البلاد، وفي عهد يكاد يكون عهد بداية الحضارات ، فنًا قويًا ناضجًا أرقى من فن أية دولة حديثة، ولا يضارعه إلا فن اليونان.

لقد كان ماإمتازت به مصر في أول عهودها من عزلة وسلم، ثم ما تدفق فيها بعدئذٍ من مغانم الظلم والحرب في عهد تحتمس الثالث ورمسيس الثاني، مما أتاح لها الفرصة والوسائل الكفيلة بتشييد المباني الضخمة، ونحت التماثيل المتينة، والبراعة في عدة فنون أخرى صغيرة، كادت تبلغ حد الكمال في هذا العهد السحيق.

وإن المرء ليقف حائرًا مندهشا لايكاد يصدق ما وضعه الباحثون من نظريات لتطور الرقي البشري إذا نظر إلى منتجات الفن المصري القديم.

العمارة:-

وكانت العمارة أفخم الفنون المصرية على الإطلاق، وذلك لما تجمع فيها من روعة وضخامة وصلابة وجمال ومنفعة.

وقد بدأ هذا الفن بداية متواضعة بتزيين المقابر ونقش الوجهة الخارجية لجدران المنازل. وكانت كثرة المساكن تبنى من الطين تتخللها في بعض الأحيان أعمال بسيطة من الخشب (كالنوافذ الشبكية اليابانية أو الأبواب الجميلة الحفر)، والسقف المقامة على جذوع النخل السهلة العلاج.

وكان يحيط بالدار عادة سور يضم فناء تصعد منه درج إلى سطح البيت؛ ومنه ينزل السكان إلى الحجرات.

وكان للموسرين من الأهلين حدائق خاصة يعنون بتنسيقها؛ وكان في الحواضر حدائق عامة للفقراء، ولا يكاد يخلو بيت من أزهار الزينة.

وكانت جدران المنزل تزين من الداخل بحُصر ملونة، وتفرش أرضه بالطنافس.

وكان السكان يفضلون الجلوس على هذه الطنافس عن الجلوس على الكراسي وكان المصريون في عهد الدولة القديمة يتناولون الطعام وهم جالسون مرتبعون وأمامهم موائد لا يزيد إرتفاعها على ست بوصات كما يفعل اليابانيون في هذه الأيام، وكانوا يأكلون بأيديهم على طريقة شكسبير؛ فلما كان عهد الإمبراطورية وقل ثمن العبيد أصبح أفراد الطبقات العليا يجلسون على كراسي عالية ذات وسائد، ويقدم لهم خدمهم أصناف الطعام صنفاً بعد صنف.

وكانت أحجار البناء أغلى من أن تستخدم في تشييد المنازل ؛ ولهذا كانت من مواد الترف الخاصة بالكهنة والملوك ، وحتى النبلاء أنفسهم (وهم الطائفة الكثيرة الطموح) آثروا المعابد بأكبر قسط من الثروة وبأحسن مواد البناء؛ ومن أجل هذا فإن القصور كانت تطل على النيل والتي لم يكد يخلوا ميل من واحد منها في أيام أمنحوتب الثالث قد تهدمت كلها وعفت آثارها على حين أن أضرحة الآلهة ومقابر الموتى قد بقيت إلى أيامنا هذه.

وهكذا خرجت من رمال مصر ما بين عهد الأهرام والعهد الذي شيد فيه هيكل حتحور عند دندرة (أي في خلال ثلاثة الآلاف عام أو نحوها) ضروب من العمائر المختلفة لم تفقها قط عمائر أية حضارة من الحضارات الأخرى.

الفن في مصر القديمة.

الفنون الصغرى:-

أما الفنون الصغرى فكانت أعظم الفنون في مصر.

ذلك أن الحذق والجد اللذين شيدا الكرنك والأهرام، واللذين ملئ الهياكل بتماثيل الحجارة، قد إنصرفا أيضا إلى تجميل المنازل من داخلها، وتزيين الأجسام، وإبتكار جميع متع الحياة ونعمها.

فالنساجون قد صنعوا الطنافس والقماش الذي يزين الجدران، والوسائد الغنية بألوانها والرقيقة في نسجها رقة لا يكاد يصدقها العقل وإنتقلت الرسوم التي إبتدعوها منهم إلى سوريا ولا تزال منتشرة فيها إلى هذه الأيام.

الفن في مصر القديمة.

ولقد كشفت مخلفات توت عنخ آمون عما كان عليه أثاث قدماء المصريين من ترف عجيب، وعما بلغتهُ كل قطعة وكل جزء من قطعة من صقل بديع، سواء في ذلك كراسيه المكسوة بالفضة والذهب البراقين، والسرر ذات الرسوم الفخمة والصناعة الدقيقة، وصناديق الجواهر وعلب العطور الدقيقة الصنع الجميلة النقش، والمزهريات التي لا تضارعها إلا مزهريات الصين.

وكانت موائدهم تحمل آنية ثمينة من الفضة والذهب والبرونز، وكؤوسًا من البللور، وجفانًا براقة من حجر الديوريت صقلت ورقت حتى كاد الضوء ينفذ من خلال جدرانها الحجرية.

وإن مااشتملت عليه مخلفات توت عنخ آمون من آنية المرمر، وعثر عليه المنقبون في خرائب بيت أمنحوتب الثالث في طيبة من أقداح على هيئة الأزورد ومن طاسات للشراب ، ليدل على ما بلغتهُ صناعة الخزف من مستوى رفيع.

وآخر ما نذكرهُ من هذا ، جواهر الدولة الوسطى والدولة الحديثة، وقد كان لهذين العهدين من الحلي الثمينة الكثيرة ما لا يكاد يفوقه شيء في جمال الشكل ودقة الصنع.

وكان سراة المصريين كسراة اليابانيين يسرهم جمال ما يحيط بهم من التحف الصغيرة، فكان كل مربع صغير من العاج في علب حليهم ينقش ويزين أجمل زينة وأدقها.

لقد كان يلبسون أجمل الملابس، ولكنهم كانوا ينعمون بأحسن عيشة، وكانوا إذا فرغوا من عملهم اليومي يمتعون أنفسهم بنغمات الموسيقى الهادئة الشجية على العود والقيثارة والصلاصل والناي.

وكان للهياكل والقصور فرق من العازفين والمغنيين، وكان من موظفي قصر الملك (مشرف على الغناء) يقوم بتنظيم العازفين والموسيقيين الذين يسلون الملك.

وليس لدينا ما يدل على وجود علامات موسيقية في مصر، ولكن هذا قد يكون مجرد نقص فيما كشف من آثار المصريين.

وكان (أسنفرو نفر، وريمرى بتاح) نابغتي الغناء في أيامهما، وإنا لنستمع من خلال القرون الطويلة صوتهما وهما يناديان بأنهما كانا “يجيبان كل رغبة من رغبات الملك بغنائهما الشجي”.

الفن في مصر القديمة.

المصادر:-

كتاب : تاريخ الفن المصري القديم
مؤلف : محرم كمال
قسم : الفنون
اللغة : العربية
الناشر : دار الهلال

المراجعة اللغوية: ناريمان حامد 

إقرأ أيضًا:-

ون آمون من المخاطر حتي انكسار البردية

الديانة المنسية علي ضفاف نهر النيل 



 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا