التاريخ والآثار

الموروث في مجال زيارة الأماكن المقدسة والحج

بقلم الباحث / على سرحان

الحج بمعناه وبعض عاداته مشابه للحج المصري القديم مع الفروق الجوهرية في المعتقد بالنسبة للحج المعاصر حسب الأديان السماوية، إن الحج عبر العصور له طقوس وشعائر معينة ومتشابهه إلى حد كبير من حيث زيارة المكان المقدس الخاص بالحج في تلك الفترة، وكلها تؤدي إلي نفس الغرض، وهو إرضاء الإله وتكفير الذنوب والمعاصي، التي تنتهي بإحتفالية واحدة مع إختلاف العصر وفرحة الحاج بأداء مناسك حجه، نفس الطقوس كان يقوم بها الأجداد المصريون القدماء منذ القدم، أهتم المصري القديم بزيارة الأماكن المقدسة في أبيدوس، وكثرت آثار الزوار وضحاياهم حول ذلك المكان المُقدس، ليشفع لهم أوزير في الآخرة، وربما كانوا عند عودتهم يقيمون الولائم والأفراح، ويرسمون الرحلة علي منازلهم، وكذلك علامة حتب علي أجسامهم، ويُلقب العائد منهم بلقب “نثر” أي المُقدس، على الرغم من أن الرسم والنحت في تصويرهما للكائنات الحية محرماً، لكن يقوم المصري المعاصر بتصوير الرجال والجمال وغيرها من الحيوانات والأزهار والمراكب لتزيين أبواب منازل الحجاج.
• ولا يزال المصرى المعاصر عند عودته من رحلة الحج يرسم الرحلة علي جدران منزله، ويأخذ لقب مثل الذي تلقب به المصري القديم (الحاج أو المقدس)، والبعض يرسم علي جسده علامات مميزة له تشبه الوشم.
• • وخلاصة الأمر أن المصري القديم قد عرف شعائر الحج منذ القدم والتى ربما لوُحظ كيف إنها تتشابه فى بعض الأمور مع شعائر الحج عند المصري المعاصر؛ ففى الحج يُمارس الطواف -بعيداً عن ما يطوفون حوله- وهى نفس الشعيرة التى عرفها المعاصرون وهى الطواف.
• كما أن المناظر التى نقشت على المقابر تدل على إرتداء ملابس خاصة بالحج وهو نفس الامر عند المعاصرون وأيضاً تحللهم منها بعد إنتهاء الشعائر وهو نفس الامر عند المعاصرون.
• • ومثلما هى أمنية كل مصري معاصر هو زيارة بيت الله الحرام والأماكن المقدسة فإن أمنية كل مصرى قديم كانت زيارة أبيدوس وبعض المعاصرون أيضاً يتمنون أن يدفنوا فى البقاع المقدسة كما كانت امنية كل مصرى قديم فالدين ليس له زمان.

(الحج إلي أبيدوس عند المصري القديم)

فقد كانت أبيدوس بمحافظة سوهاج من أكبر العواصم الدينية في مصر، فيها أهم مقبرة للمعبود أوزير، إذ تقول الأسطورة أن رأس المعبود أوزير دفنت بها بعد أن قطع أخوه ست جسده إلى أجزاء كثيرة، وكان يُحتفل بجانب مقبرته بأعياد عظيمة، ولهذا طوبي للموتي الذين كانوا يُدفنون بالقرب من درج المعبود العظيم فهم بذلك يؤلفون حاشية ملك الموتي ويُطلق عليهم “عظماء أبيدوس” و”رجال حاشيته” (ربما يتشابه هذا مع رغبة المصري المعاصر في إمتلاك مدفن له حول الأماكن المقدسة الخاصة به).
وأيضاً كل مدينة إحتفظت بجزء من جسده أصبحت مدينة مقدسة بعد ذلك، وكان ينبغي على جسد المتوفى بعد تحنيطه أن يقوم برحلة الحج لزيارة الأماكن المقدسة في شمال البلاد وجنوبها ولا سيما إلى أبيدوس سواء رمزياً أو فعلياً، وذلك لكي يحصل على رعاية ودعم أوزير رب الموتى والعالم الآخر لكي يضمن الإحياء والبعث مرة ثانية. ويذكُر”yoyotte” أن نفقات الحج كانت مكلفة جداً لا تتناسب مع الدخل المحدود لأغلب الأُسر المصرية القديمة، لهذا فقد كان بعض الموظفين يستغلون فرصة تكليفهم بمهام رسمية بالقرب من إحدي المراكز المقدسة ليقوموا بتحقيق تلك الأمنية العزيزة وهي زيارة هذه الأماكن المقدسة وترك لوحة أو نصب أو نقش لدى معبوداتها لنيل البركة.
وقد عُرف الحج إلي أبيدوس علي النحو المؤكد في عصور الدولتين الوسطي والحديثة، فقد كان من المناظر المحببة إلى المصريين القدماء التي صورها على جدران مقابرهم مناظر الزيارة لأبيدوس وقد صُور الحج إلي أبيدوس وجدو بمقابر حكام الأقاليم وكبار الموظفين بالتفصيل كما حدث على سبيل المثال في مقبرة خنوم حتب أيضاً بني حسن – الأسرة الثانية عشر منظر لعائلة خنوم حتب في الرحلة لأبيدوس علي مركبتين كبيرتين، وفوق المركب الأول كتب “المجيء لأداء طقوس أبيدوس بواسطة الحاكم خنوم حتب بن نحري سيد الوقار”.
وذكر “Yoyotte” أن مقابر الأشراف ببني حسن قد عبرت عن تقليد الجمع بين زيارة أبيدوس وجدو معاً أو الإكتفاء بإتمام زيارة أبيدوس وحدها، فهناك منظر علي نفس حائط المقبرة السابقة الذكر (نصفه الجنوبي) يوضح منظر الرحلة إلي جدو علي قارب مسحوباً بواسطة سفينتين كبيرتين بشراع مطوية ويوضح النص “الإبحار شمالاً لأداء طقوس جدو… لروح المُبجل أمنمحات”.
كما ظهرت في بعض مقابر الدولة الحديثة إستقبال أهالي المدن المُقدسة: أبيدوس وأيونو وسايس وبوتو لموكب المومياء المتوفي فرحين مهللين، كما في الشكل رقم (1).
وكان عادة ما يقوم الملك بهذه الرحلة في موكب مهيب، ويشارك كبار الأفراد في مثل هذه الرحلات، بينما قد يكتفي عامة الناس من الفقراء بالزيارة الرمزية، وعادة ما يتخلل هذه الرحلة المشاركة في أعياد أوزير التى تقام في أبيدوس وتمجد الأنشودة العظمى ذلك الحج وتخلد ذكراه على أنه أحد الأعياد العظمى لتلك الدولة، وفي أثناء القيام بطقوس الأسرار الدينية التى يشرف عليها ممثل للملك، كان كهنة أوزير يحملون تمثاله على أكتافهم بعد تزيينه بالحلي الثمينة، ويذهبون به إلى القبر، كما كانوا يمثلون قصة انتصار أوزير على الشر، وينشدون التراتيل الجنائزية، بينما يدفنون تمثالاً بشكل المومياء كطقس سري.
وهكذا كانت أبيدوس ملتقى جمع غفير من الناس، أحياءاً وأمواتاً، ما بين الحجاج القادمين ليبكوا سيدهم المتألم وليدافعوا عنه، وأرواح الموتى التى كانت تأتي بقوة السحر في قوارب أعطيت لها لهذا الغرض، والملوك الذين أقاموا معابد جميلة ومقابر رمزية في أبيدوس، والنبلاء الذين بنوا مقابرهم أو معابدهم الصغيرة بالقرب من المعبد الكبير ،وعامة الشعب الذين أرقدوا في حفر على حافة الصحراء، والأسرات العديدة التي رسمت صور أفرادها على لوحات حجرية صغيرة، وقد أعتقد كل أولئك الذين جاءوا إلي سلم ذلك المعبود العظيم أنهم إستفادوا من تلك الطقوس الدينية التي كانت تُقام إكراماً له.

– المراجع المستخدمة:

1- أشرف أيوب معوض، وحدة الموروث الشعبي بين الأقباط والمسلمين في أغاني الحج والموالد، القاهرة، 2014، ص 1-6.
2- صدقة موسي علي، سوهاج عبر العصور، ص87.
3- إدوارد وليم لين، المرجع السابق، ص319.
4- جورج بوزنر وآخرون، معجم الحضارة المصرية القديمة، ترجمة سلامة أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996، ص 10-11.

– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

إقرأ أيضًا:-

هرم مصر الرابع 

عراقة معبد ومدينة أبيدوس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا