التاريخ والآثار

سلطان مصر المغولي كتبغا

بقلم الكاتب : عبدالعزيز مصطفى.

وفي مصر وقبل العام الذي نحياه الأن ب ٧٢٧ سنه تقريبا، وفي القاهرة دارت حكاية أخرى في تاريخ هذا البلد العتيق فقد كانت مصر و العالم الإسلامي والعربي على موعد مع حفل تنصيب سلطاناً أخر للبلاد فكانت القاهرة في شكلها الجديد الدفوف تصدح في الميادين و الغجر يمتعون الناس بألعابهم البهلوانية، والمداحين فوق المدائن يصدحون بذكر الله و الذبائح توزع و الحرقات تضيء شوارع المدينة العتيقة لأستقبال ذلك الفارس الأسمر المترجل عن فرسه و ما تكاد تراه يمر أمامك من كثرة الجموع و المماليك المحيطين به ..

ولكن لا يخدعك ما تراه فما في النفوس لم يكن حبا له و لا فضولا لمعرفة هوية صاحب العرش الجديد بل فضولاً لمعرفة لما قد خان سلطانة و أخذ بالقوة عرشة و دولتة، رغم أن أباه الأمير قلاوون الألفي هو من أنجاه من الرق و عذاب الهون على الناس و كف عنه أيدي الخلائق بعدما كان قبل عقودا بسيطه عدو للمسلمين غازي لأرضهم و كما كانت حكايتنا غريبة في بدايتها فهي كانت أكثر غرابة في كافة فصولها و توالي أحداثها في التاريخ المصري كما وصلنا في يوم الناس هذا ..

سلطان مصر المغولي كتبغا

(المغولي الذي حكم مصر)

 

كانت ال ٧٢٧ عاماً تلك هي المدة التي قد مضت على تولي السلطان المغولي العادل زين الدين كتبغا حكم مصر، وذلك فى 1 من ديسمبر للعام ١٢٩٤م، ليكون عاشر سلاطين المماليك؛ إذ تولى الحكم فى الفترة بين عامى (1294 – 1296) وهو كان مغولى الأصل، مع الوضع فى الإعتبار أن بعض المؤرخين يعتبرون الملكة شجر الدر أولى سلاطين المماليك، فى تلك الحالة يكون العادل كتبغا حادى عشر سلاطين المماليك وليس عاشرهم ..

ووفقا لما ذكره المؤرخ المصرى تقى الدين المقريزى فى كتابه: “السلوك في معرفة دول الملوك”، فأن ” العادل كتبغا” بدأ حياته فى بلاط السلطنة عبدا أسيرا، وقد ظل كذلك حتى ترقى أميره المملوكى، فترقى هو بعدها فى وظائف الإمارة، حتى وصل إلى منصب السلطان بخديعة علي أبن أميرة ..

و قد قع السلطان كتبغا المغولى الأصل أسيراً فى أيدى قوات المماليك فى معركة حمص الأولى حوالى العام 1260م، فاشتراه من حمص الأمير قلاوون الألفى، فلما تولى السلطنة باسم الملك المنصور قلاوون أعتقه، وجعله من جملة أمراء دولته فترقى بفضل كفاءته الحربية فى الوظائف، على الرغم من كونه مغولى الأصل وكان المماليك الأتراك يعتبرون المغول أبناء عموم لهم حتى إن كتبغا يوصف فى المصادر التاريخية بأنه التركي المغولي لقربة الشديد منهم في الصفات و العادات والتقاليد الاجتماعية و الخطط الحربية.

وقد عانى كتبغا لأول مرة في سلطنة الأشرف خليل بن قلاوون الذى قبض عليه وأودعه السجن، ثم أفرج عنه وبعد مقتل الأشرف وتولى شقيقه الطفل الناصر محمد السلطنة أصبح كتبغا ثاني اثنين يسيطران على إدارة دفة الحكم بالبلاد، أما الأول فهو الأمير علم الدين سنجر الشجاعى ونتيجة للمنافسة بين الأميرين على الأستئثار بالحكم نشب صراع بينهما تمكن فيه سنجر من أسر بعض الأمراء الموالين لكتبغا، ولكن الأمور دارت على سنجر وتم قتله ليخلو الجو لكتبغا، وتحالف مع الأمير المغولى الأصل سيف الدين لاجين واتفق معه على عزل الناصر محمد ليتولى كتبغا عرش السلطنة كأول سلطان مملوكى من أصل مغولي.

سلطان مصر المغولي كتبغا

و قد شاءت الأقدار أن تعصف بالبلاد فى عهد زين الدين كتبغا مجاعة كبرى گالشدة المستنصرية نتيجة إنخفاض فيضان النيل، فتطير الناس منه وخرجوا في مظاهرات يهتفون:
«هاتوا لنا الأعرج يجى الماء يتدحرج» ويقصدون بالأعرج الناصر محمد بن قلاوون الذى تم نفيه إلى حصن الكرك، وزاد الطين بلة قيام كتبغا بالعطف على طائفة من المغول فرت إلى مصر من بطش السلطان المغولي محمود غازان وهي طائفة عرفت فى تاريخ القاهرة بالأويراتية أول المغول وأغدق عليهم العطايا وأسكنهم حى الحسينية بالقاهرة، وقلد بعضهم الوظائف فى الدولة، وذلك لعلة القرابة فى الجنس ولما كان هؤلاء فمعظمهم لا يدينون بالإسلام، فقد كان ذلك موضع سخط المماليك وعامة الشعب المصرى رغم إقبال الأمراء وكبار التجار على الزواج من الأوليات اللواتي كن مضرب المثل فى الحسن والجمال ببشرتهن الفاتحة وشعورهن المنسدلة، وبعد نحو عامين وعدة أشهر استغل سيف الدين لاجين سخط الشعب على كتبغا فحاربه وأجبره على الهروب إلى دمشق وصار سيف الدين سلطاناً جديداً للبلاد.

ومن الغريب أن كتبغا الذى تصفه المصادر المملوكية بأنه كان رجلا خّيرا ديّنا أسمر اللون ظل ينعم برضا الناصر محمد بن قلاوون بعد عودته لعرش السلطنة المملوكية حتى إنه عين قائدا لبعض القلاع فى شمال الشام بقرب الثغور ، وظل موقراً الجانب إلى أن وافته المنية بالشام فى العام 1302م بعد مرض قصير جعل بانقضاء حكاية أخرى من حكايات طافت شوارع مصر المحروسة وظل صداها يتكرر في الذاكرة حتى يومنا هذا.

– مصادر المقال:

1- كتاب السلوك في دول الملوك ل تقي الدين المقريزي.
2- كتاب البداية والنهاية لابن كثير.

و قد ذكر السلطان العادل كتبغا في كلا الكتابين في باب خصص له باسمه وقد أضاف ابن تغري بردي ذكرة هو الأخر لكنه لم يفند دولة العادل كما ينبغي ورأى انه مغتصب للعرش لا أكثر كما فعل حسام الدين لاجين هو الآخر.
– المراجعة اللغوية: ناريمان حامد.

إقرأ أيضًا:-

أدهم الشرقاوي آخر الشطار 

عراقة معبد ومدينة أبيدوس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا