رؤية وابداع

يوماً ما سنلتقي

نانسي طه


 

ذات ليلة من ليالي الشتاء الباردة

كنت أجلس في شرفة المنزل أحتسي كوباً من القهوة

وأستمع لأم كلثوم في المذياع

وكان صوتها يدندن بشجن وإذ بها تغني:

 

(كان لك معايا أجمل حكاية

في العمر كله

سنين بحالها مافات جمالها

على حب قبله

سنين ومرت زي الثواني

في حبك انت

وإن كنت أقدر

أحب تاني أحبك انت)

وفجأة أعادتني لخمس سنوات مضت

تذكرت ذلك الرجل

ذلك الرجل الذي أحببته لسنين طوال

ولكنه بدون مقدمات قرر الرحيل والمضي قدماً دوني

تذكرت حديثنا

وكلماته التي ما زالت محفورة في ثنايا قلبي

كان دوماً يقول لي

أني أجمل امرأة رآها في حياته

وأني أمتلك قلباً طيباً يتسع لاحتضان جميع أحزانه

وأن شفتيَّ تسكران ككأس نبيذٍ معتق

وأن عينيَّ كشعاع الشمس تضئ كل مكان تنظر إليه

وأني أمتلك شعراً حريريًا منسدلا كشعر الخيل

كان دوماً يتغزل بي أمام الجميع دون استحياء

حين كنا نجلس سوياً

كان دوماً يمسك بيديَّ ويضعها على قلبه

ويخبرني أني أحتل قلبه وأن حبي يجري في دمه

كان يسرد لي قصة كل ليلة حتى أغفو وأستيقظ في اليوم التالي على صوته العذب

ذلك الرجل كان يعني لي كل شئ

كان هو صديقي المقرب

وحبيب قلبي

وكل شئ جميل بالنسبة لي

كانت هناك كيمياء حب بيننا يحسدنا عليها الجميع

كنا روح واحدة في جسدين

أتذكر حين كنا نذهب للتنزه كان دوماً يشتري لي سكاكر ويقول لي لم أر في حياتي سكر يأكل السكر

فاضحك كالبلهاء واقفز بفرحة كصبيه في العاشرة من عمرها

حين كنت أحزن كان يستمع لي دون أن يمل

ويأخذني بين ذراعيه ويدخلني بين أحضانه الدافئة

ويقول لي (كل سيئ سينتهي )

فلا شئ يستحق أن تبكي صغيرتي

ثم يقبلني على جبيني

فكنت أنسى كل شئ وأطمئن

كنا نتشارك جميع التفاصيل سوياً

من أكبرها إلى أصغرها

كنا نحب القراءة

فكل أسبوع كنا نحدد كتاباً نقرأه ونتناقش في تفاصيله حين ننتهي منه

كان يحب الغناء فكان دوماً يغني لي

و يراقصني في شوارع المدينة وتحت المطر

كان كل عام في عيد ميلادي يشتري لي دمية مع الهدية

ويقول لي ستظلين دوماً حبيبتي وصغيرتي الجميلة

كنت دوماً أسجل في دفتر يومياتي أجمل ذكرياتنا سوياً

وأكتب دوماً ما يجول في خاطري

كان دوماً يشجعني على الكتابة لأنه يعلم بمدى حبي لها

وكان دوماً يقول لي

(يوماً ما ستكونين كاتبه متميزة

و سيعرفك الجميع

وسأكون أنا رفيق النجاح )

يا إلهي

مازلت أتذكر كل شئٍ بحذافيره

وكأنه كان بالأمس

أتذكر كل تفاصيله

رائحة عطره المميزة

بشرته البنية التي تشبه رمال الصحراء

عيناه الزرقاء التي تشبه لون البحر

شعره البني اللامع

يديه الناعمتان

حضنه الدافئ كلهيب النيران المشتعلة

أتذكر كل شئ كان بيننا بالتفاصيل إلى يومنا هذا

فكيف لي أن أنسى

حب العمر

مازلت أتذكر ذلك اليوم الذي استيقظت فيه على رسالته المؤلمة

( عزيزتي لا أدري ماذا أقول لك ،ولكني سأغادر البلاد بعد قليل و أقسم لك أنه خارج عن إرادتي ورغماً عني. لا يهم أين سأذهب ولا أدري كم سأظل ولكنني لن انساكي ولن أنسى حبك العذب. لم أخبرك لأنني لم أرد توديعك ولم أرد تذوق مرارة لحظه الفراق.سأشتاق إليك عزيزتي ويوماً ما سنلتقي لأني سأعود لك ولو بعد حين)

خمس سنوات مضت على تلك الرسالة

خمس سنوات مضت لا أدري ماذا حدث

ولماذا قرر الرحيل فجأة وهجري

خمس سنوات مضت على جرحي الذي لم يلتئم إلى يومنا هذا

ولكن كل ما أعرفه أني ما زلت أحبه ومازلت أشتاقه ومازلت على أمل أن نلتقي.

بكيت كثيراً وأنا أتألم وأم كلثوم مازالت تغني

فقررت أن لا أستسلم للحزن وللذكرى

وارتديت ملابسي وقررت الذهاب للحانة

لأرقص على أنغام الموسيقى الصاخبه

واحتسي الخمر

لأنسى كل ما حدث

وتهدئ الضوضاء داخلي

دخلت الحانة

وصوت الموسيقى يملؤ المكان

الجميع يرقص ويضحك ويحتسون الخمر

جلست على طاولة بمفردي

وطلبت نبيذا

وأخذت أشرب وأنا أرقص على خيبتي

وانظر لمن حولي

وظل الوقت يمر

وأنا أحتسي كأساً وراء كأس

وفجأة لمحت أحدهم يقترب مني وينادي باسمي

فحاولت التركيز وإفاقة نفسي

وإذ برجلٍ يحتضنني بشدة ويبكي

ويهمس في أذنيَّ

( قلت لك يوماً ما سنلتقي)

نظرت إلى وجهه مسرعة لأجد أنه هو

حب العمر قد عاد بعد خمس سنوات

احتضنته بشدة وظللت أبكي

وأخبره أني مازلت أحبه

ولا أدري بعدها ما حدث.

فقد فقدت الوعي من شدة المفاجآت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا