التاريخ والآثار

بكائية مصر في الحرب العالمية الأولي

 

بقلم : عبدالعزيز مصطفى

قبل نحو 106 عام من الآن حينما أعلن السلطان حسين كامل الذي تولى حكم مصر خلفا للخديوى المعزول عباس حلمى الثانى ، إنضمام مصر كليا إلى خدمة القوات الإنجليزية المحاربة في الحرب العالمية الأولى أو الحرب العظمى كما كانت تسمى فى ذلك الوقت ..

أقتصاد مصر المتهالك “

و ترتب على قرار السلطان المصرى دخول مصر و أقتصادها وشعبها فى حالة الحرب فتم دمج أستخدام مصر كقاعدة عسكرية للقوات الإنجليزية فى أفريقيا ، و هنا تكمن المأساة
فعلى مدار أشهر قليلة تم جمع نحو 200 ألف شاب مصرى و تصاعد الرقم ليصل ذروته مع نهاية الحرب بمجموع مليون شاب ما بين جندى و مدنى كل ذلك فى بلد كان عدد سكانها صغير جداً بالمقارنة مع الأن و قد كان يتم ربط الشباب بالحبال في قرى مصر وصعيدها و يتم إرسالهم رغماً عنهم للعمل فى أعمال الإنشاءات العسكرية الأجنبية دون غطاء عسكرى يذكر فكانت أعداد العائدين إلى مصر مرة أخرى منهم لا تتجاوز ربع ذلك العدد كانت الفاجعة كبيرة و المأساه عظيمة و ما زاد الأمور سوء عندما قررت القوات الفرنسية أدو أنجلترا أستخدام الشباب الذين تم جلبهم من مستعمرات شمال أفريقيا و الهند لإعادة أعمار تلك الدول مرة أخرى بعد انتهاء الحرب الملعونة في العام 1918 ..

والعام 1918 عام نهاية الحرب هو نفس العام الذي طالب فيه سعد باشا زغلول ورفاقه شعب مصر بعمل الإكتتاب العام ليذهبوا إلى إنجلترا ومجلس العموم هناك ليطلبوا منها الجلاء والاستقلال لمصر وشعبها كل ذلك كان قبل إندلاع ثورة العام 1919 بعد أن رفضت إنجلترا إستقلال مصر وأعتبرتها أحد مستعمراتها … التى لا تفاوض فيها على نزع السلطة أو مغادرتها إلى الأبد ..

لا ناقة لهم فيها ولا جمل “

و فى أثناء خضم تلك الظروف الأجتماعية الغريبة والمرعبة على النفوس ظهرت لنا إحدى أغانى المطرب و الملحن المصري الشاب سيد درويش و صديقة المؤلف يونس القاضي قصيدته الشهيرة «يا عزيز عيني» ولحنها وغناها سيد درويش، والتي تبدأ بـ«يا عزيز عيني.. وأنا بدي أروح بلدي.. بلدي يا بلدي.. والسُلطة خدت ولدي»
وذلك للتعبير عن مشاعر أهالي المأخوذين عنوةً إلى «الجهادية» أو التجنيد العسكري بالأجبار دون حتى توديع زويهم الذين تركوهم خلفهم و قد أنتشر الرعب فى نفوس البسطاء بكل ضواحى البلاد بسبب التجنيد الإجباري للشباب الذين يتم أستخدامهم فى حرب «لا ناقة لهم فيها ولا جمل» كما قال شيخ الأزهر حينها وكان الناس يعلمون أن من يتم تجنيده لن يعود ، وجند الإنجليز الآلاف من الفلاحين والشباب من كل مكان، لذا خيم الحزن على البلاد ، وكانت تلك السخرة الإجبارية سبباً من أسباب قيام ثورة 1919 و قد أرسل الضابط ونستون تشرشل، الذي أصبح رئيس وزراء بريطانيا بعدها بأعوام طويلة أن الخدمة الطبية للفلاحين المصريين سواء فى فرقة العمال أو الجمالة كانت ناقصة وغير كافية و قد كتب أحد الأطباء فى الحرب ويدعى «جست» فى صحيفة دايلى نيوز «إنه لسوء تغذيتهم وملبسهم وعدم وجود مستشفيات كافية ورداءة أحوالها كانت نسبة الوفيات بينهم عالية جدا».
فكان لا يعود من كل 100 أنسان إلا ثلاثة على الأكثر فقد كانت تلك الحرب أكثر الأمور رعبا و ما تلاها من كساد فى الأقتصاد قضى على ما بقي في مصر من معانى الحياة الكريمة فكان الناس يبحثون داخل صناديق القمامة عن بعض ما يأكلونه من شدة الجوع و كانت البلاد على شفا الهاوية ..

وما كان من الحكومة المصرية إلا أنها أصدرت فى 29 يونيو 1921 قراراً بأنها ستصرف مكافآت ومعاشات لمن أصيبوا بجرح وعاهات مستديمة و بعجز تام أو جزئي عن العمل، وكانت المبالغ بسيطة للغاية لم تكفى من عادوا من الحرب ليشتروا بها أدويتهم فزاد المشردين فى الشوارع و كانت الحرب و قرارها دليل شؤم على المصريين كالكثير من الحروب التي سبقتها ولحقتها .

بكائية مصر في الحرب العالمية الأولي
                  بكائية مصر في الحرب العالمية الأولي

مصادر المقال :

كتاب مصر فى الحرب العالمية الأولى ل الدكتورة لطيفة محمد سالم ..

– المراجعة اللغوية : ناريمان حامد

إقرأ أيضًا:-

يوم حكم مصر مجنون 

أسرار وخبايا من العالم الآخر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا