التاريخ والآثارمقالات

عبادة الحيوان في مصر القديمة

بقلم الكاتبة والمرشدة السياحية : ميرنا محمد

 

هل القدماء المصريين عبدوا الحيوانات حقاً ؟!!
لا شك في أن موضوع تقديس الحيوان في مصر القديمة من أكثر الأمور التي كانت ولا تزال محل جدل ومثار عجب ودهشة لدى البعض قديماً وحديثاً وكان أبرزهم أبو التاريخ أو أبو الأكاذيب المؤرخ الإغريقي الأشهر “هيرودوت ” وأعتقد بعض العلماء أن المصريين القدماء عبدوا الحيوانات وجعلوها آلهة معينة ذات رموز خاصة .. إن موضوع تقديس وعبادة الحيوان في مصر القديمة لا أساس له من الصحة على الإطلاق وبأدلة قاطعة سنسردها في هذا المقال ..

وتعود الجذور الأولى في ذلك إلى العصر البطلمي نفسه وليس قبل ذلك فكان آنذاك خطأً تاريخياً كبيراً نعاني منه حتى الآن وهو خلط مفهوم العقيدة أو الديانة بين مصر والعقيدة اليونانية ثم جاء التفسير الخاطئ والترجمات الخاطئة في عصرنا الحديث وأدی كل ذلك إلى خلط الأوراق دون الرجوع إلى صحیح العقيدة المصرية القديمة وكما تعرفنا عليها منذ عهد نصوص الأهرامات حتى الوصول إلى العصر البطلمي المسبب لكل هذه المشاكل كلها أن خرافة فكرة عبادة الحيوان في مصر القديمة كثيرا ما يتم بها مهاجمة حضارة مصر القديمة سواء في القديم من الزمان أو في العصر الحديث ولكن القليل منهم من يفكر أو يتدبر هذه الحضارة العريقة المتميزة ، ونحن لا ننكر تمسك الكثير منهم بأول مقولة في التاريخ في هذا الشأن والتي كتبها المؤرخ مانیتون نفسه في عام 275 قبل الميلاد ولكن الأغلبية منهم متمسكة بما قاله الخطيب الرومی الشهير سيسرو وتحقيره لمصر والمصريين مع أنه لم يزور مصر على الإطلاق ولم يدرس حضارتها ولكنه هاجمها لأمر سیاسی آنذاك ، وما زالت مقولته شائعة حتى يومنا هذا وخاصة مثقفي الغرب وبعضا من دارسين الحضارة المصرية القديمة ولكن ولا واحدا من هؤلاء تفكر لماذا قال سیسرو هذا الأمر ولماذا نقد مصر والمصريين وأنهم يقوموا بعبادة الحيوان في مصر القديمة وفي دفاعنا عن الحضارة المصرية لا بد من أن نقول للعالم أجمع بان سیسرو كان مخطئ ونقد مصر الأمر سیاسی رومی سیاسی داخلی بحت وبا ثبات أيضا وليس الأمر له علاقة على الإطلاق بالحضارة المصرية القديمة ..

تقديس الحيوان في مصر القديمة
عبادة الحيوان في مصر القديمة

فلقد ولد (سیسرو و تولیوس کیکرو سیسرو أو شيشرون) في عام 106 ق.م وهو نفسه عام مولد القائد الرومي الشهير بومبيوس وهو في الأصل سیاسی وكاتب وفيلسوف وأصبح خطيب روما الأشهر في عام 50 ق. م ، وفي هذا العام حد الصراع السياسي الكبير في روما بين القائد بومبيو وبين القائد يوليوس قيصر الذي أصبح إمبراطور روما فيما بعد مما دفع بومبيوس بالهرب إلى مصر وخاصة مدينة الإسكندرية في عهد الملكة كليوباترا ومن هنا غضب سیسرو غضبا شديدا لهروب بومبيوس إلى مصر وخاصة بعد علمه بان القائد يوليوس قيصر ينوي النزوح إلى مصر وتتبع بومبيوس وقتله ، ومن هنا زاد غضب سيرسو على الأحداث وعلي مصر وملكة مصر التي تأوي هذا الرومي الهارب وقام بعمل خطابه الشهير في روما وقال مقولته الشهيرة والتي تتردد حتى الآن وبالنص (أن المصريين يستحقون الاحتقار وأنهم يقوموا بعبادة الحيوان في مصر القديمة بل ويكونوا موضع إحتقار) فلو كان المصري يقوم بعبادة الحيوان في مصر القديمة والتي تعود جذورها إلى عصر ما قبل الأسرات كما يقول البعض خطأ ما كان المصري القديم قد ذبح بقرة وتغذي من لحمها والتي هي رمزا للالهة حتحور وما كان قتل التمساح والذي هو رمزا للإله سوبك ، ثم من ناحية أخرى وهي ناحية فلسفية مدققة وهو أن هناك فارق كبير بين العبادة والتقديس ومن هنا لو تتبعنا المصري القديم في اقدم العصور ومن قبل توحيد القطرين مثلا نجد انه تعامل مع الطبيعة واتخذ من الطبيعة رموزه الكثيرة سواء كانت طبيعة حيوانية او نباتية او سماوية ولذلك اتخذ في الكثير من رموزه الاشكال الحيوانية ..

ومن ناحية أخرى أيضا نجد بان المصري القديم اتخذ أسکال إنسانية لبعض آلهته ولم يصورها على الإطلاق في صورة غير الصورة الإدميةوهذا يدل على الرمزية في كل الأحوال وليس رمزية مقدسة رمزية تعبدية وما إلى اخره من فلسفات وضعها البعض وخاصة الأجنبي عند بداية اكتشافهم للحضارة المصرية القديمة في العصر الحديث والتي بدأت مع حملة نابليون بونابارت وإلى يومنا هذا
وكما سبق القول فإن الخبطة الكبرى كلها حدثت العصر البطلمي وليس قبل ذلك كما أن الأجنبي نفسه عندما بدأ يكتب عن العقيدة في المصرية القديمة بداها من كتابات العصر البطلمی وليس من عهد الدولة القديمة ما دفع بظهور الاختلاف الكبير في الرؤيةوالتوضيح بين المدارس الأجنبية المختلفة والتي شغلت نفسها بالتاريخ المصري القديم ..

تقديس الحيوان في مصر القديمة
عبادة الحيوان في مصر القديمة

من يقرأ التاريخ قراءة موضوعية غير متحيزة سيجد أن مصر كانت أمة موحدة في عبادتها لله وبالرغم مما ذكره الباحثون الغربيون عن كثرة الآلهة في بلاد وادي النيل وتعدد أشكالها ومسمياتها فإنّهم يعترفون بوجود صورة لإله أعظم وأكبر من هذه الآلهة (إله عام) في أذهان المصريين كثيرًا ما تحدثوا عنه في أدبياتهم كقولهم (ما يحدث هو أمر الله)، (ما تزرعه وما ينبت في الحقل هو عطية من عند الله) (إذا جاءتكم السعادة حق عليكم شكر الله) هؤلاء القوم الذين كان هذا شعورهم وحديثهم لم يكونوا بمنأى عن العقيدة الحقة بل إن الخاصية الأولى للديانة (المصرية) هي وحدة (الإله) “هو الكائن الأوحد – الحي في الحقيقة – أنت الواحد، وملايين الكائنات انبثقت منك خلق كل شيء وهو الوحيد الذي لم يخلقه أحد”..

عبد المصريون (في تلك العصور السحيقة) الإله الواحد، المتعذر وصفه أو إدراكه، الأبدي في صفاته الأسمى، وهذا ما تزخر به تراتيلهم العبادية، كما ذكر في ترتيلة آمون على أن (آمون) هو أصل كل شيء وأن كل شيء آخر صدر عنه وليس من العقل أن يظهر في منتصف التاريخ رجل ينادي بالتوحيد إلا إذا كان هناك من الأصل عقيدة موجودة والقواعد موجودة من الأصل ولم يظهر إخناتون فجأة ولكنه خرج من تراث موجود فما من أحد يعبد تماثيل وحيوانات ويؤمن بالبعث والحساب ويؤمن بالآخرة ولا يؤمن بالإله الواحد في أشكال متعددة حسب ما هو واضح وملموس في بيئتهم ..

تقديس الحيوان في مصر القديمة
عبادة الحيوان في مصر القديمة

كان تقديس الحيوان معروفاً في مصر منذ أقدم العصور وأختفى مع الوقت لكن صار التقديس نوعاً من الأحترام وكتقليد متوارث منذ القدم إلى العصور التاريخية غير أن السبب الأهم في احترام وتقديس الحيوان في مصر القديمة والدافع منه يرجع أغلب الظن إلى أن المصري القديم قدس الروح السامية الكامنة في الحيوان وليس الحيوان ذاته ولم يقدس كل أنواع الحيوان كما يحدث في الهند من تقديس لجميع أنواع الأبقار وإنما كان الاختيار يقع على نوع محدد من الحيوان ولم يكن يتم تقديس كل الحيوانات من تماسيح وأبقار وكباش وصقور وغيرها وإنما كان اختيار الحيوان المحدد يتم عن طريق مجموعة من العلماء في «بر عنخ» أو «بيت الحياة»، مكان العلم والعلماء الموجود في المعابد في مصر القديمة ومتى تم توافر الشروط المطلوبة بدقة في ذلك الحيوان فيتم الإعلان عن اختيار ذلك الحيوان المقدس وتُقام الاحتفالات العظيمة في المعبد الخاص بالإله وعندما يموت هذا الحيوان المقدس يتم تحنيطه ودفنه في موكب عظيم ..

وتم تصوير الحيوانات المقدسة في هيئات مزجت مزجا بارعا بين الحيوان والإنسان فنراها تظهر في هيئات نصف آدمية بجسد إنسان ورأس حيوان وكان في هذا محاولة من المصريين القدماء إلى تقريب الصورة إلى الأذهان وتم إطلاق اسم «أرواح المعبودات» على هذه المعبودات المقدسة .. وأطلق المصريون القدماء أسماء إلهية جديدة على الحيوانات المختارة بعناية فائقة لتمثل المعبود فنرى الصقر يُطلق عليه اسم «حورس» وليس «بيك» بمعنى «الصقر» اسمه في اللغة المصرية القديمة وأُطلق على البقرة «حتحور»، وليس إيحت وأطلق على التمساح لقب «سوبك»، وليس «مسح»، معناه في مصر القديمة. وأصبح الكبش يأخذ اسم «آمون» أو «خنوم»، وليس «با» وتم تصوير العجل «أبيس»، روح المعبود بتاح في شكل حيواني خالص
ولماذا اختار المصري القديم هذه الحيوانات؟
لقد أخذ المصري القديم من البقرة قدرتها على الحنو على وليدها ومن الكبش قدرته على الخصوبة والإنجاب ومن الصقر بعده وارتفاعه في السماء، مما جعل من هذه الحيوانات أرواحاً إلهية تكمن داخل معبوداتها ، وفي النهاية أقول إن المصريين القدماء لم يقدسوا أو يعبدوا الحيوان لذاته ولكنهم قد وجدوا في الحيوان قوة إلهية علوية تمثلت في روح الرب الذي كان يرمز له وكان في هذا تفكير عظيم من المصريين القدماء وعبروا عن فكرهم الراقي من خلال عدد كبير من الأفكار الفلسفية بشكل يقرب أفكارهم الراقية إلى أذهان البسطاء غير أن الإغريق عندما زاروا مصر، لم يفطنوا إلى فلسفة العقيدة والتعبد لدى المصري القديم وأشاعوا أن المصري القديم قد عبد الحيوان الذي لم يكن له وجود في معتقداتهم ومع الوقت زالت الغشاوة وعرف العالم سحر ولغز تقديس الحيوان في مصر القديمة التي علمت العالم كله .

– المراجعة اللغوية : ناريمان حامد

 

 

إقرأ أيضاً :-

فيلم الشيماء والدراما المضللة

معبد البانثينون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا