مقالاتالتاريخ والآثار

ثورة الحشاشين

بقلم : عبدالعزيز مصطفي

 

أول الحكاية و عهد الأصدقاء

في مدينة سمرقند و بين أحياءها القديمة كان يلعب ثلاث فتيان صغار ، فرحين بما لم تثقل الدنيا به أهلهم بعد و متمنين اللعب دائما الي جوار بعضهم البعض حتي اذا ما عرفوا بأن الفراق أت لا محالة اتفق الثلاثة على مساعدة بعضهم البعض مهما كانت تقلبات الدنيا عليهم و أن يمد من يصل إلي مناصب الدولة العليا يده للبقية يرفعهم معه و يبقيهم في مكانته مهما كلفه الأمر ..

كان الفتى الأول عمر الخيام صاحب الرباعيات و عالم الفلك و صاحب مدرسة خاصة بالأدب العربي رغم أنه لم يتحدث بالعربية كثيرا في حياته وأما الثاني فقد كان نظام الملك أعظم وزراء دولة السلاجقة العظام في بلاد الرافدين و ما وراء النهرين وما جاورهما وأما الثالث فصاحب حكايتي اليوم حسن الصباح الحميري أمام الشيعة النزارية و مؤسس دولة الرعب و طائفة الموت و القتل ” طائفة الحشاشين “ ..

صراعات العالم القديم

في بداية القرون الوسطى غطي العالم الأوروبي لحظات من الاندثار العظيم في كل نواحي الحياة و في تلك الفترة أرشد البابا في روما الكثيرين من ملوك أوروبا بأهمية أيقاف الصراع فيما بينهم و الزحف إلى القدس لتحسين وضع خزائن دولتهم بالثورات المكنوزة بالمشرق العربي

و قد كان له ما أراد و علي الجانب الأخر كان العالم الإسلامي هو الآخر يشهد صراع هو الغريب من نوعه ألا وهو صراع الطوائف الأسلامية علي الأحق بالولاية و التبعية بين المذاهب و كان ذلك قبيل الحملة الصليبية الأولى على القدس التي سقط فيها بعض بلاد المسلمين و إمارات كالرها و بيت المقدس ..

مدينة سمرقند
ثورة الحشاشين

 

ظهور الحشاشين القتلة  

و بين كل تلك الأحداث وفي أوج احترامها فيما بينهم ظهرت طائفة الحشاشين أو الأصليون بتسمية البرتغاليين ،
و هي طائفة شيعية من ذات مذهب إسماعيلية نزارية مشرقية غير الإسماعيلية التي كانت بمصر و من جاورها في نفس وقت ظهور الحشاشين ، وقد انفصلت عن الفاطميين في القرن الثامن الميلادي تدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله بأحقية بالملك و قد كانت الأمامة له ومن جاء مِن نسله، واشتهرت ما بين القرن الثامن والقرن الرابع عشر، خصوصًا بقدرتها على تنفيذ الاغتيالات التي كانت أقوى أسلحتهم المستخدمة ضد الكثيرون من الأعداء ، وكانت معاقلهم الأساسية في بلاد فارس وأيضًا في الشام بعد أن هاجر إليها بعضهم من إيران، وقد أسس الطائفة الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزًا لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته و هي القلعة التي قالوا فيها ” إنه حصن فوق صخرة على ارتفاع ستة آلاف قدم، تحيط به جبال جرداء وبحيرات منسيّة، ولا هو وممرات جبلية غير مُفضِية. وليس في مقدور أكثر الجيوش عديداً الوصول إليه إلا رِجلاً إثر رِجل، ولا أقوى المجانيق ملامسة أسواره. ويبدو حصن ألموت للقاطنين فيه وكأنه جزيرة وسط محيط من الغيوم، وإذا نُظر إليه من تحت فإنه مأوى الجِنْ ” .. و كانت دولة الصباح مرتكزه بها تلك الدولة التي مازالت إلى اليوم موضع جدل دائر بين المؤرخين المعاصرين والباحثين على أصل تلك الدولة ..

 

الصباح وقيام دولة الحشاشين

و في خلال سعي وطموح حسن الصباح ورفقاؤه و أصحاب الولاء له لنشر المذهب الإسماعيلي في فارس القديمة ، اعتمد على استراتيجية عسكرية غريبة مختلفة عن تلك السائدة في القرون الوسطى وهي ما تمثلت في تنظيم فرق الاغتيال الانتقائي للشخصيات البارزة في دول الأعداء بدلا من الخوض في المعارك التقليدية التي تؤدي إلى إيقاع آلاف القتلى من الجانبين وتكون الخسائر بالجنود لا القادة ولأجل ذلك اسس ابن الصباح فرقة متكونة من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيلية وسماها ب”الفدائيين” وكانت نواه دعوته و قوته الحقيقية الضاربة لأعناق المخالفين له و دولته الوليدة الناشئة على دماء أعدائها ..

مدينة سمرقند
ثورة الحشاشين

 

فرق إغتيالات الحشاشين

و قد كان الفدائيين أو القتلة مدربين بشكل احترافي عالي على فنون التنكر و الخداع و الفروسية و تعلم لغات الأعداء و الاستراتيجيات الهجومية والقتل و المراوغة وكان أكثر مايميزهم هو استعدادهم للموت في سبيل تحقيق هدفهم الثمين وكان على الفدائيون الاندماج في جيش الخصم أو البلاط الحاكم بحيث يتمكنوا من الوصول لأماكن استراتيجية تمكنهم من تنفيذ المهمات المنوطة بهم وهناك قصص كثيرة مثيرة يرويها المؤرخين و منهم من يقول ان زعيم الحشاشين سنان راشد الدين في سوريا أرسل مبعوثا إلى صلاح الدين الايوبي وأمره أن يسلم رسالته اليه دون حضور أحد فأمر صلاح الدين بتفتيشه وعندما لم يجدوا معه شيئا خطيرا أمر صلاح الدين بالمجلس فانفض ولم يعد ثمة سوى عدد قليل من الناس، وأمر المبعوث أن يأتي برسالته، ولكن المبعوث قال: “أمرني سيدي ألا أقدم الرسالة الا في عدم حضور أحد” فأمر صلاح الدين باخلاء القاعة تماما إلا من اثنين من المماليك يقفان عند رأسه وقال: “ائت برسالتك”، ولكن المبعوث اجاب: “لقد أمرت بالا أقدم الرسالة في حضور أحد على الإطلاق” فقال صلاح الدين:“هذان المملوكان لايفترقان عني، فاذا أردت فقدم رسالتك والا فارحل” فقال المبعوث:“لماذا لاتصرف هذين الاثنين كما صرفت الآخرين؟” فأجاب صلاح الدين:”انني اعتبرهما في منزلة أبنائي وهم وأنا واحد” عندئذ التفت المبعوث إلى المملوكين وسأله ما:“إذا أمرتكم باسم سيدي أن تقتل هذا السلطان فهل تفعلان؟” فردا قائلين ‘نعم’، وجردا سيفهما فقالا:“أمرنا بما شئت” فدهش السلطان صلاح الدين وغادر المبعوث المكان وأخذ معه المملوكين الذين قد كانوا من أتباعه الأوفياء ..

 

القتال من خلف الأسوار 

و قد ظلت دعوتهم طيلة ثلاث قرون باقية و حاضرة في العالم الأسلامي و بقوة غاشمة و قد نفذ الفدائيون اغتيالات ضد الأعداء الدينيين والسياسيين للإسماعيلة، وكانت هذه الهجمات تشن غالبا في الأماكن العامة على مراى ومسمع الجميع لاثارة الرعب. ونادرا مانجا الفدائيون بعد تنفيذ مهامهم ، بل انهم لجئوا في بعض الحالات إلى الانتحار لتجنب الوقوع في أيدي الأعداء وقد كانت تلك هي قوة الحشاشين في الطاعة التامة إلى حد الموت والتضحية بأنفسهم لقاء الجنة الموعودة ..

و قد كان النهج العسكري لدولة الحشاشين كان إلى حد كبير دفاعيا لا هجوميا وذلك برغم انتشارها في المدن إلا أن المعاقل الرئيسية لهم كانت متمثلة في القلاع الحصينة والتي تبنى غالبا فوق قمم الجبال مما يجعلها ملاذا امنا في مواجهة اي غزو محتمل ..حيث كان الحشاشون يحرصون على بناء مخازن كبيرة لخزن الماء والطعام داخل القلاع مما يجعلهم قادرين على مواجهة الحصار الطويل .. وقد نجحت هذه القلاع في صد أغلب الهجمات الموجهة إليها والصمود لعشرات السنين ..

مدينة سمرقند
ثورة الحشاشين

نهاية دولة حسن الصباح

و قد ظل الحشاشون في الشام و قد قد شاركوا غيرهم من المسلمين في التصدي للتهديد المغولي على أراضيها غير آبهين استراتيجيتهم السابقة ، وحاولوا خلال تلك الحرب كسب ثقة المماليك و سلطانهم الظاهر بيبرس الذي امر بارسال السفارات والهدايا لهم ولم يبد بيبرس في بداية الأمر عداء نحوه. غير أن بيبرس لايمكن ان يتوقع منه التسامح إزاء استمرار وجود أرض مستقلة في قلب الشام ففي عام 1265 م أمر بجمع الضرائب والرسوم على الحشاشين ولم يكن باستطاعة الحشاشين الذين ضعفوا في الشام و خارت عزيمتهم نتيجة مصير اخوانهم الفارسيين ان يبدوا مقاومة تذكر و قد أصبحوا هم يدفعون الجزية بدلا من أخذها من امراء الدول المجاورة وسرعان ما أصبح بيبرس هو الذي يعين رؤساء الحشاشين ويخلعهم بدلا من ألموت ففي عام 1270 م استاء بيبرس من موقف رئيس الحشاشين المسن نجم الدين فخلعه وعين بدله سريم الدين مبارك ، وكان الرئيس الجديد يحكم من منصبه كممثل لبيبرس واستثنيت مصيف من سلطته وجعلت تحت السيطرة المباشرة لبيبرس .. ولكن سري الدين استطاع أن يضم مصيف إلى أملاكه فعزله بيبرس وجاء به سجينا إلى القاهرة حيث مات مسموما هناك بأمر بيبرس و مماليكه و بعدها استولى في العام 1271م\669 هـ على قلعتي “العليقة” و”الرصافة” وسقطت قلعة “الخوابي” في العام نفسه لتسقط بقية القلاع عام 1273 م\671 هـ لتنتهي بذلك دولة الحشاشين في بلاد الشام والعالم الاسلامي الى الأبد و من بعدها انسحب الحشاشين إلى دولة الهند و في رحاب دولة العثمانيين الوليدة ..

مصادر المقال :-

رواية سمرقند لأمين معلوف .

كتاب الحشاشون ، تأليف برنارد لويس ، تعريب الأستاذ محمد موسى .

 

إقرأ أيضاً:-
لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الأول)

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الثانى)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا