القصر الغامض

بقلم: ناريمان حامد

 

قال الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس :
« كل ما أردته فى هذه الحياة بيت صغير ، وأصيص ريحان ، وزوجة طيبة لكن لم أصل إلى ذلك أبداً . »
قال على الرغم من بساطة أحلامهم لكنهم أيضاً لم يصلوا إلى شيء !
حكايتنا عن أمير شاب وهانم وفنان ، وقصص قتل وخيانة وزواج وطلاق ، ولكن قبل الحديث عن أسرار هؤلاء الأشخاص سنتكلم عن مكان هذا القصر الذي عاش فيه أصحاب قصتنا .

ففى القاهرة على النيل وبالتحديد فى جزيرة الزمالك يقع هذا القصر الوردى المعروف الآن بقصر ” عائشة فهمي “ ،
وكما نعرف أن بداخل كل بيت حكايات وقصص ، ياترى ماهى الأسرار والخفايا الموجودة وراء جدران هذا القصر ؟
فالحكاية بدأت عندما توفى فهمي باشا الرجل العصامي الذى بنى ثروته بجهده ، فكان مهندساً ناجحاً ، لكنه توفى وترك كل ثروته لأبنه علي ، وكان الولد الوحيد على 4 فتيات ، ولأنه كان الذكر الوحيد فقد تمتع بحياته وبثراء واسع حتى لقُبَ بالبرنس ، وكان معروف أيضاً بوسامته فلم تصمد أمامه إمرأة سوى الفاتنة الفرنسية “مرجريت ميللر” التي قابلها ذات مرة بالصدفة فى القاهرة عندما نزلت ضيفة عند صديقها اليهودي ومن هنا أبتدى حكايتهم معاً لكن كيف أنتهت قصة حب الأمير علي بمأساة ؟

على الرغم من إن مرجريت كانت تكبر الأمير علي ب 10 سنوات لكنه أحبها وحاول بكل الطرق أن يتقرب منها لكنها صدته ولكنه لم ييأس وطاردها فى كل مكان وهذا ما زاد إعجابه بها ، فهي كانت إمرأة ذات خبرة فى التعامل مع الرجال ، فكان لها العديد من العلاقات ، وبعد العديد من محاولات الأمير علي وفى يوم الثلاثاء ٢٦ ديسمبر ١٩٢٢ تزوجها البرنس على فهمي وأقامت معه فى القصر الوردى الذى قام بتأثيثه بفخامة ، حيث جلب حجرة النوم الخاصة بملك الصرب وحول قصره إلى تحفه فنيه ، ولكن بعد قصة الحب العظيمة التى توجها الزواج هل عاشوا سعداء معاً ؟

فى الحقيقة أنه بعد شهر عسل قصير بدأت الخلافات تظهر بين الزوجين وذلك بسبب إختلافهم فى الطباع والميول والثقافة أيضاً ، لكن وبعد ٧ شهور فقط من الزواج وبالتحديد فى باريس فى فندق ساڤوى عندما ذهبوا معاً فى نزهة حدث شئ لم يكن متوقع ..!
حيث قامت مرجريت بقتل الأمير علي عندما واجهها بخيانتها له وإنها ما زالت علاقتها مستمرة مع أحد عشاقها ، فاقتلته وقررت تنهى قصة حبهم بمأساة وكارثة .
من المتوقع بأن بعد أرتكاب مرجريت هذه الجريمة البشعة فإن حياتها أنتهت ! ولكن مع حدث كان العكس تماماً فهي اخذت براءة بعد قتلها لزوجها ! كيف حدث ذلك أذن ؟

كانت هذه القضية تشغل الوطن العربي والغربي فى ذلك الوقت ، وبعد قتلها لزوجها ، أجتمع الكثير من الرجال للدفاع عنها وفى مقدمتهم ألمع محامين العالم آنذاك وهو ” السير مارشال مول “بدأت جلسات المحاكمة في محكمة بيلى بلندن ، وكان المحامى يضع الأدلة على فظاظة الزوج ، وإن موكلته فعلت ما فعلته دفاعاً عن نفسها أمام زوج شرقي متخلف وكثير من الاتهامات ضد الأمير علي ، وبعد خمسة أيام حكمت المحكمة ببراءتها !
ومن جرائتها أيضاً جاءت إلى مصر لتطالب بنصيبها فى تركه زوجها الذى قتلته بيديها مدعيه إنها حامل ، وحاولت الحصول على شهادة ميلاد مزورة لطفل أدعت إنه مات بعد أسابيع من ولادته ، لكن مكيدتها أنكشفت وتصدى لها الورثه ، وحكمت المحكمة بعدم أحقيتها فى التركة ؛ فهناك قاعدة قانونية فى مصر وهى :
” القاتل ليس له حق فى إرث المقتول ” .

وبعدها ذهب القصر إلى الورثة وأصبح من نصيب عائشة هانم فهمي ، وبعدما عاشت فى القصر أصبحت حياتها أيضاً حزينة وكأن القصر به لعنه أصابت أصحابه ، فعلى الرغم من أن عائشة فهمي تزوجت ثلاث مرات لكنها لم تنجب وأيضاً لم تستمر فى علاقتها مع أحد ! فكان زواجها الاول من طبيب مصري ، ثم تزوجت بعده من الفنان المشهور يوسف وهبي ، لكن على الرغم من حبها الشديد له زواجهم لم يدم ويقول البعض سبب ذلك لأنه أستوحى قصة فيلمه ” أولاد الذوات “ من حادثة نسيبه المقتول والذى حقق نجاحاً هائلاً عند عرضه نظراً لاهتمام الناس بالقضية ،وبعدما تحدثنا عن حكايات وأسرار أصحاب القصر ، فكيف يبدو هذا القصر أذن ؟
هذا القصر الآن يوجد به مقر مجمع الفنون ، فقد تحولت قاعات القصر الذى يتكون من طابقين وبدروم إلى قاعات للعروض الفنية ، وفى حديقته التى أختفت أشجارها العتيقة مسرح مكشوف ، ولكن القصر مازال حتى الآن محتفظ برونقه القديم وفخامته التي كان عليها وقت الانشاء .

وفى النهاية كل الذين عاشوا فى هذا القصر توفاهم الله ، وكل العلاقات الإنسانية المعقدة التى كانت بينهم أصبحت قصص ولم يتبقى سوى القصر الوردى الذى يترك أثر بداخل كل من يزوره .

– المراجع المستخدمة :
1- قصور مصر لسهير عبدالحميد .
2- حكايات من دفتر الوطن لصلاح عيسى .

 

إقرأ أيضاً :-

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية 

إتفاقية هعفراه النازية والصهيونية