التاريخ والآثارمقالات

فتوات مصر حكايات لا تنضب ..

بقلم : عبدالعزيز مصطفي

 

أستكمالٱ لحديث السابق عن عصر الفتوات في مصر أعود بكم إلي تلك الحقبة الكلاسيكية الرائعة في تاريخ مصر الحديث تلك الفترة الممتدة منذ عصر محمد علي باشا إلي يومنا هاذا و لكني سأعود هذه المره الي النصف الأول من القرن العشرين فهيا الفترة الأقرب و تعتبر العصر الذهبي للفتوات في مصر و بالتحديد في مدينة الجمال و السحر الأسكندرية لأتناول معكم شخصيات لاربع فتوات عاشوا في تلك المدينة الرائعة وهم « أبوخطوة .. ابن حميدو.. زكى اللبان.. السيد حلال عليك.. و كلها أسماء لفتوات سكندريين كانوا كما يقال أشهر من نار على علم فى زمانهم و الأزمان التي تلتهم ، فكان ذكر هذه الأسماء كفيل بهروب المجرمين وفرض الأمن فى الأحياء السكندرية ، صفحة ترام إسكندرية فتحت ملف فتوات البلد فما هى حكاياتهم وأين وصل الحال بذكراهم ؟

وبالعودة للمعجم الشعبي للمصرين فكلمة «الفتوة» زمان كانت تعنى ذلك الشخص الذى يتسم بمكارم الأخلاق ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف ضد اللصوص وقطاع الطرق خلال الأزمنة التى غاب فيها القانون وأيضاً فى مواجهة الاحتلال البريطانى ، وهى الشخصية التى أبرزها الأدب المصرى وعلى قمتها حرافيش نجيب محفوظ ، فأين ذهبت جدعنة فتوات زمان وكيف حل محلها بلطجة الفتوات هذه الأيام ؟

فتوات مصر حكايات لا تنضب ..

الفتوة أبوخطوة 

ولد بمنطقة المنشية عام 1870حيث كان الاحترام المتبادل هودستوره الذى يؤمن به ومات 1941 اتسمت شخصيته علاوة على القوة الجسمانيه بتعاطفه مع الضعفاء والعجزة وكان يُكن للإنجليز كرها شديدا ، ويقول حفيده محمد أبوخطوة أن جدى فتوة بالمعنى الوطنى وليس بمعنى البلطجة فهومن الأشراف حيث ينتهى نسبه للإمام الحسين ، ومن الحكايات التى رواها لى أبى أن جدى كان يسير بعربته “ البنز “ بشارع السكة الجديدة وأراد الحكمدار الإنجليزى أن يسبقه بسيارته فما كان من أبوخطوة إلا أن اوقف سيارته وقام برفع سيارة الحكمدار بيده وهو بداخلها و كل ذلك بمفرده فكان يملك قوة خارقة بمقايس زماننا ووضعها بجانب الطريق وفعلا مشى بعربته أولاً ، وفى رواية أخرى أنه فى أثناء مروره أمام قهوة فاروق ببحرى شاهد كونستابل إنجليزى ( شرطي) يضرب مواطناً مصريآ بعنف لوقوفه على الكورنيش بعربة ترمس فاندفع أبوخطوة اليه واشتبك معه ثم رفعه فى الهواء أمام المارة وقذف به فى البحر فقامت السلطات الإنجليزية بالهجوم على بيته لاقتياده للقسم فرفض النزول معهم قائلاً سأتى اليكم بعد قليل فانصرقوا وبالفعل ذهب الى القسم وقوبل بمنتهى الإحترام. ويضيف حفيدة أن أبوخطوة قد تزوج 5 مرات وأنجب أولاده من زوجته الأخيرة ومن أحفاده اللواء أركان حرب أنور أحمد أبوخطوة الطيار الخاص بالرئيس السادات وتزوجت حفيدته من اللواء أحمد عبدالحميد محافظ شمال سيناء الأسبق ومن أحفاده ضباط شرطة وقباطنه بحريين .. فقد كان حريصاً على تعليم أولاده وكان رجل خير على أهالى المنشية وبحرى وتُعد جميع القضايا التى صدرت ضده بسبب تشاجره مع الإنجليز بشكل متكرر ..

 

الفتوة ابن حميدو الفارس 

هو الأشهر بينهم و الاشهر بين جميع الفتوات بالقطر المصري كله نظرا للفيلم العربى الذى سمى باسمه وقام ببطولته اسماعيل يس وزينات صدقى،.وهوحميدوعمر الفارس أشهر فتوات السيالة وكان يتمتع بقوة خارقة وكان يشتهر بنصرة الضعفاء وكان يعمل عمل صياداً، وحينما بلغت قوته وشهرته الملك فاروق أراد أن يشاهد قوته بنفسه ، فقام باختيار أقوى شخص بالقصر لمصارعة ابن حميدوالذى وقف كالمارد وصاح بصوت قوى ثم ضربه ضربة واحده برأسه فسقط المارد الملكى مغشياً عليه فذهل الملك من قوته وأنعم عليه بلقب الفارس. ورغم بساطته أستطاع أن يربى أبناءه على الإستقامة والعفة كما شغل أبناؤه عدة مناصب و كان من اقوي الفتوات في عصر الخديوي عباس و حتي الثلاثينات من القرن العشرين ..

فتوات مصر حكايات لا تنضب ..
الفتوة زكى اللبان 

هو من مواليد حارة اليهود بالجمرك بالاسكندرية بعام ١٩٠١، و قد نشأ وعاش بشارع النيل بكرموز ، ومات عن عمر يناهز ٦٤عاما و قد بدأت حياته بداية مأساوية حيث انهار منزل أبيه عليه وهو رضيع ولكنه قد نجا وعمل بالشحن والتفريغ بالميناء الإسكندرية وامتلك سيارات نقل وقهوة بشارع النيل وحظيرة للحيوانات مازالت موجودة حتى الآن ، ويقول إبنه المقدم سيد زكى إن الفتوة زمان كان يتصف بالمروءة والرجولة عكس بلطجية هذا العصر … وقد تركزت قوة أبى فى قدمه وكف يديه فضربة واحدة تعنى للطرف الأخر عاهة مستديمة ولكنه كان يحمى الضعفاء من اهل الحى فى مواجهة المجرمين والإنجليز ..ويُذكر أنه تصادف عقد قران ابنته سنة ١٩٦٠ عندما جاء ضابط وطالبه بغلظة شديدة أن يفض الشادر وتصادف وجود شخصيات سكندرية كبرى منهم مرشحون للإنتخابات .. فصاح فيه اللبان فانصرف الضابط وبعد ساعات عاد مرة أخرى ولم يجد الشادر ووجد السكون يخيم على المكان فعرف أنه أمام رجل يعتد بنفسه ويحترم القانون .. وفى رواية اخرى يرويها ابنه أن زكى اللبان كان يعمل على مركب فظهر له شاب أجنبى ملاكما فعرض هذا الشاب على زكى أن يلاكمه فرد عليه قائلاً فى مصر اللعب ليس بهذه الطريفة ثم رفعه بيده ورمى به فى البحر .. ومن سخرية القدر أنه أصيب بمرض السكر فأصيبت قدمه وتم بترها وضاعت قدرته على الفتونة ولم يتحمل الأمر فمات حزناً قبل خروجه من المستشفى بأيام ..

 

الفتوة الراقص او حلال عليك 

«السيد حلال عليك» فتوة متميز جدا بين الجميع فهو شخصية بمذاق خاص فهو ما كان يجمع بين الفتونة والرقص بمهارة حتى أنه ابتكر رقصات خاصة به فذاعت شهرته بمصر والعالم فقد تعلم لعب الحركات القتالية ك الكارتية قبل دخولها مصر حيز الرياضة بفترة طويلة جدا ، فقد تميز بالحركات الخفيفة وحركات تشكيلية فطرية فوصل صيته حتى زمان الرئيس محمد انور السادات الذى عاصرة و أصبح مولعاً بفنه ، وقد أدى رقصات عديدة أشهرها رقصة السيجارة حيث يضع السيجارة معكوسة فى فمه حتى تنتهى ثم فجأة يخرج المنديل من على فمه مصحوباً بعاصفة من الدخان.. ويقول ابنه ان تلك الحركة كانت سببا فى وفاته ، وهناك رقصة الستة كراسى التى يضعها فوق بعضها ويرفعها بأسنانه وهويتراقص .. ويذكر أنه كان مريضاً وأصر السادات على حضوره فجاء به الفنان سمير صبرى حيث كان صديقة الحميم ورقص وهو مريض جدا ، ويقول ابنه عن أن أباه كان يهوى لبس البنش (القفطان) وسط أصدقائه كما علماء الازهر و التجار القداما و ظل يتمتع بقليل من الصحة حتي وقع أغتيال الرئيس السادات فحزن السيد حلال عليك عليه حزنا شديدا ومرض ومات بعده بقليل … و لرئيس الجمهورية محمد انور السادات قصص مع عدد من فتوات مصر من فترة الثلاثينات و الاربعينات من القرن العشرين ارويها لكم في جزء اخر ..

فتوات مصر حكايات لا تنضب ..

وعن سمات الشخصية المصرية وتحول شخصية الفتوة من الجدعنة الى البلطجة و تهاوي النظرة الملحمية لصراعات الفتوات الذى تغنى به الأدب المصرى والأديب العالمى نجيب محفوظ فى روايته الشهيرة الحرافيش فقد كان الفتوة هو عون المظلوم علي الظالم و كان يكبح المتجبرين ويرعى الكادحين ولم يفرض إتاوة إلا على الأعيان والقادرين لينفقها على الفقراء والعاجزين؛ وبناء الكتاتيب ليتعلم أبناء الحرافيش ؛ وفرض عليهم أن يتعلموا ويعلموا ابناءهم؛ ومن هنا بدأت طائفة الفتوات تبرز فى المجتمع ؛ وتأخذ مكانتها وشرعيتها من الأهالى وتدريجيا أصبحت الفتونة ماهي الا حركة ذات قواعد ولها قانون عرفى وأسس أخلاقية تقوم عليها بدون نصوص او قوانين مكتوبة ..

فقد شارك الفتوات فى حماية امن الوطن أمام المطامع الأجنبية حين تخاذل المماليك وغيرهم عن دورهم فى المقاومة ضد الفرنسيين عند غزوهم لمصر عام ١٧٩٨ فنهضت طوائف الشعب تدافع عن البلاد وكان الفتوات من أهم العناصر الشعبية فى قيادة ثورات القاهرة الأولى والثانية ضد الفرنسيين و ثورة الازهر الشريف

و كل ذلك كان كما هو وصولا لعصر محمد على الذي فية و للاسف قد أصبحت كلمة فتوة كلمة سيئة تعنى الشخص المستهتر الذى يثير الشغب ويمارس كل أشكال العنف على الضعفاء، وبالتالى تحول الفتوات فى الأحياء الشعبية إلى أشخاص تحمل نفس النظرة المجتمعية التى ينظر بها إلى البلطجى حتى وصل الأمر إلى صدور قانون لمكافحة البلطجة التى كانت أداة من أدوات الحرب لكنها تحولت الآن إلى أداة تخويف وترويع للآمنين بتعدد اشكالها من حمل مطواة قرن غزال إلى سنجة وسيف وجنزير وخنجر ثم أسلحة نارية ك المقرومة و غيرها إلى جانب الاساليب الحديثة التى لا تعرف مبادئ ولا قيما ولاتحترم حتى القواعد والقوانين التي يطيعها البقية من الناس و الأعراف و الاديان .

 

إقرأ أيضاً:-

التحول الديني فى عهد أخناتون

مجموعة المنصور قلاوون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا