التاريخ والآثارمقالات

إتفاقية هعفراه النازية و الصهيونية

بقلم الكاتب: عبدالعزيز مصطفي

 

بألمانيا و بعد أشهر قليلة من وصول الفوهرر الألماني هتلر إلى سدة الحكم وقيادة المستشارية الألمانية ، بالعام 1933، و عقد هتلر و بسرية محكمة اتفاقية هعفراه بينه وبين الحركة الصهيونية بأوربا ليساعدهم على الاستعمار الصهيوني في دولة فلسطين و يسعى بذلك إلى تدعيم مواقعه، و قد جرت وقائع أغرب مذكرة تفاهم يمكن تصوره، بين الوكالة اليهودية والرايخ الألماني، والذي انتهى بتوقيع اتفاقية الـ “هعفراه“؛ لنقل وتهجير اليهود، مع تحويل رؤوس الأموال الخاصة بهم إلى فلسطين بشكل منتجات أو أموال بشكل مباشر ..

الإرسال إلى فلسطين

و مع تزايد معدلات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، تبلور ما يمكن تسميته بـــ (رسملة) المسألة اليهودية، وهو ما استثمرت فيه الصهيونية، و أجادت استغلاله، ليتحول سوق الهجرة إلى مقامرة محسوبة، جنت من ورائها الصهيونية مكاسب مالية هائلة و ألمانيا أيضآ .

و كان الاتفاق السري بينهم يعكس كل ما في الصهيونية من انتهازية وأنّ تاريخ الأمة اليهودية المُختلق يشهد انقطاعات طويلة غير مكتملة من التاريخ ولكن بالعودة إلى المباحثات السريعة بين الطرفين ، و قد جرى الإتفاق على إنشاء شركة ائتمانية، يكون من اختصاصها التفاوض مع المصدّرين والشركات الصناعية الألمانية، وفي صفقة وصل حجمها نحو ثلاثة ملايين مارك ألماني، تم تأسيس فرعين للشركة هما:

هعفراه في تل أبيب، وبالترو في برلين، وكانت آلية التعاون تقوم على إيداع أيّ يهودي يرغب في الهجرة إلى فلسطين، مبلغاً لا يقل عن مائة جنيه إسترليني في بنك فاسرمان في برلين، أو في بنك فرايبورغ في هامبورغ، حصيلة هذه المبالغ يقوم المصدّرون اليهود بشراء بضائع ألمانية، تكون وجهتها إلى فلسطين، وفي المقابل فُتحت الأسواق الألمانية أمام منتجات المستوطنات الصهيونية، وكان المهاجر يسترد وديعته عند وصوله إلى فلسطين، دون أية أرباح ناتجة عن هذا النشاط التجاري الواسع، والتي كانت حصيلتها كلها تذهب إلى الوكالة اليهودية بأوروبا ليساعدهم .

إتفاقية هعفراه النازية و الصهيونية

الهعفراه بفلسطين 

وفي عام 1933؛ بلغت تحويلات اتفاقية “الهعفراه” إلى فلسطين نحو 1,254,956 ماركاً، قفزت عام 1937 إلى نحو 31,407,501 ماركاً، وأسهمت هذه الأموال بشكل فعال في حدوث طفرة اقتصادية كبيرة في شتى قطاعات التجمع الاستيطاني الصهيوني (اليشوف)، وهو ما أحدث قفزة هائلة في الطاقة الإنتاجية للقطاع الصناعي، صبت جميعها في صالح رأس المال الصهيوني، الواقع تحت سيطرة الوكالة اليهودية و رغم تزايد المعارضة بين صفوف الاشتراكيين الوطنيين بألمانيا، والذين رأوا في الاتفاقية نوعاً من الدعم للمشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، ظلت “الهعفراه” تُجدد دورياً لأعوام ؛ حيث رأى فيها القادة الألمان فرصة للقضاء على المقاطعة التي نظمها يهود أوروبا ضد بلادهم، وبمرور الوقت أصبح لوكلاء “الهعفراه” حقوق أفضلية بالنسبة إلى التجارة الألمانية، وبدأت صادرات البرتقال في الوصول إلى ألمانيا من خلالهم، ما يفسر مدى الاهتمام الذي أولته وزارة الاقتصاد الألمانية لتلك الاتفاقية، إضافة إلى الأجهزة الأمنية التي رأت فيها وسيلة سهلة لإخراج اليهود من ألمانيا، كحلّ إيجابي للمسألة اليهودية ؛ و قد سمحت السلطات النازية بقيادة هتلر بإقامة مراكز تدريب مهني للمهاجرين المزمع ترحيله إلى فلسطين ، وقد سمحت السلطات النازية بإقامة مراكز تدريب مهني للمهاجرين المزمع ترحيلهم إلى فلسطين و بينما كان العلم الألماني النازي بالصليب المعقوف و لونه الأحمر يرفرف على السارية، كانت الأحرف العبرية لكلمة “تل أبيب” منقوشة على مؤخرة السفينة الناقلة للصهاينة المتجهين لفلسطين مع تفعيل الإتفاقية و اقصد هنا هعفراه تأسّست الشركة على الأراضي الفلسطينية للنقل البحري، والتي قامت بشراء سفينة الركاب الألمانية “هوهنشتين“، مع تغيير اسمها إلى “تل أبيب“، وقامت السفينة بأول رحلة لها من ميناء بريمرهافن الألماني إلى ميناء حيفا، في بدايات عام 1935، في مشهد يحمل قدراً من التناقض المثير للدهشة، فبينما العلم النازي ذو الصليب المعقوف يرفرف على السارية، كانت الأحرف العبرية لكلمة “تل أبيب” منقوشة على مؤخرة السفينة، بل إنّ ربان السفينة نفسه كان عضواً في الحزب النازي بألمانيا

وفي صيف العام 1935، وبحسب وثائق ملفات الــ (إس إس) (S.S)؛ أوفد المسؤول النازي هملر رئيس حرسه الخاص إلى تل أبيب؛ حيث التقى هناك بزعماء مليشيات الهاغاناه، الذراع العسكري للوكالة اليهودية بفلسطين ، لبحث تطوير اتفاق الهعفراه، وإلحاقه باتفاق أمني، وهو ما أثمر عن سلسلة من الاجتماعات بين أجهزة الهاغاناه وجهاز الأمن الخاص بقوات الــ (إس إس) (S. S)، والمعروف باسم “إس دي” (S.D)، وبالفعل وصل ضابط الهاغاناه “فيفل بولكس” إلى برلين، و في 26 شباط )فبراير) 1936، ليعقد مفاوضات مباشرة مع أدولف أيخمان، المختص بالملف الصهيوني في جهاز الــ “أس دي”، وتم تسجيل محادثات إيخمان/ بولكس في تقرير قام بإعداده أحد مسؤولي إيخمان، ويدعى فرانتس ألبرت، وقام الباحث اليهودي، ليني برينر، بنشره كوثيقة تثبت مدى التورط السياسي الذي أقدمت عليه الهاغاناه في علاقتها مع النازية، وجاء فيه الآتي:

” فقد كان المحتوى عبارة عن لكمه صهيونية قومية ، ضد كل اليهود الذين يعارضون إقامة دولة يهودية في فلسطين، وهو كرجل هاجاناه يحارب ضد الشيوعية، وضد كل أهداف الصداقة العربية البريطانية، وقد لوحظ أنّ هدف الهاغاناه هو الوصول إلى أغلبية يهودية في فلسطين بأسرع ما يمكن، لذلك فقد عمل بولكس حسبما يتطلب هذا الهدف مع أو ضدّ الاستخبارات البريطانية، والأمن العام الفرنسي، وقد أعلن أنّه عازم على العمل مع ألمانيا، في شكل تقديم معلومات، طالما أنّ ذلك لا يتعارض مع أهدافه السياسية، ومن بين أمور أخرى، فإنّه يؤيد السياسة الخارجية الألمانية في الشرق الأدنى، وسيحاول العثور على مصادر نفط للرايخ الألماني، دون التأثير على مجالات المصالح البريطانية، وذلك إذا خفت القيود النقدية الألمانية بالنسبة للمهاجرين اليهود او الصهاينة إلى فلسطين”.

إتفاقية هعفراه النازية و الصهيونية

عند هذا الحد قررت القيادة النازية إرسال إيخمان إلى حيفا، لوضع مشروع للتحالف مع الهاغاناه، عرض من خلاله المساعدة على تهجير نحو 300,000 يهودي أوروبي إلى فلسطين، مقابل المزيد من التعاون الأمني، ومع انكشاف أمر إيخمان للسلطات البريطانية، نُقلت المفاوضات إلى مصر؛ حيث شهد مقهى جروبي، في 11 من شهر (أكتوبر) من العام 1937، و قد حدثت جلسة مطولة، اتفق فيها على تسريع وتيرة عملية التهجير، مقابل مزيد من التعاون الصهيوني في الملف الاستخباراتي.

وقد تواصل التعاون بين الطرفين، رغم الأصوات المعارضة في الجانب الألماني، وكان والتر دوهله القنصل العام لألمانيا في القدس، قد نبّه حكومة بلاده، في مذكرة مستفيضة أرسلها إلى وزارة الخارجية، و في الثاني (مارس) 1937، إلى أنّ تدعيم للسياسة الصهيونية بهذا الشكل، قد يدفع العرب إلى معاداة ألمانيا، وهو أمر لن يكون في مصلحة بلاده، مؤكداً أنّ المكاسب التي حققها الألمان قد تنتهي نهاية سيئة، بسبب تشجيعهم للهجرة اليهودية إلى فلسطين.

إلا أنّ التعاون بين الطرفين لم ينته، وبدأت مليشيات الهاغاناه على الفور في تفعيل التفاهمات، وكان ذلك عن طريق ضابطها بولكس الذي وصل إلى برلين، في شباط) فبراير) 1938، حاملاً معه معلومات استخباراتية نقلها إلى إيخمان فقد كان أهمها:

أولا .. المؤتمر العالمي الإسلامي المنعقد في برلين، على صلة مباشرة بزعيمين عربيين مواليين للسوفييت، وهما: الأمير شكيب أرسلان، والأمير عادل أرسلان.

الثاني.. محطة الإذاعة الشيوعية غير الرسميّة، التي يصل بثها بصورة كبيرة إلى ألمانيا، موجودة على شاحنة تسير على طول الحدود بين ألمانيا ولكسمبورغ.

من الواضح أنّ الهاغاناه قدمت معلومات انتقائية، تختص بتحركات الشيوعيين وبعض المسؤولين العرب الموالين للشيوعية، وهو ما يعكس رغبة في عدم التورط في تقديم معلومات تخص بريطانيا قد يتسبب كشفها في تقويض المشروع الصهيوني برمته، وبصفة عامة فإنّ المعلومات التي قدمها بولكس، وبفرض صحتها لم تكن ذات أهمية كبيرة، لكن يمكن اعتبارها مجرد عربون للثقة.

فقد تواصل التعاون بين الطرفين في إطار اتفاقية “الهعفراه“، التي استمر العمل بها حتى بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولم تتوقف تمويلات “الهعفراه” إلا في عام 1941؛ أي بعد نحو عامين من نشوب الحرب العظمى، عندما قرر هتلر الانتقال إلى الحل النهائي.

إتفاقية هعفراه النازية و الصهيونية
قتل إيخمان وإخفاء الأدلة

مع تطوير أوجه التعاون، سمحت السلطات النازية بإقامة مراكز تدريب مهني للمهاجرين المزمع ترحيله إلى فلسطين، ووافق إيخمان على تأمين المزارع والمنشآت؛ لإقامة مراكز تدريب للراغبين في الهجرة، ممن وافقت عليهم الحركة الصهيونية، كما جرى الاتفاق على حماية قوافل الهجرة إلى فلسطين، وكان أدولف إيخمان هو المهندس الرئيس لتلك الاتفاقيات وبنودها السرية، التي تضمنت شقاً اقتصادياً وآخر استخباراتياً، قبل أن ينخرط إيخمان في تطبيق الحل النهائي الذي قرر هتلر تنفيذه، وعليه كان لحادثة اختطاف إيخمان على يد الموساد الإسرائيلي من العاصمة الأرجنتينية، بيونس أيرس، في 11 أيار (مايو) 1960، دلالات مهمّة، فالشاهد الأخير على تورط الصهيونية في علاقات متعددة مع النازي، كان يجب إخفاؤه، وهو ما حدث بالفعل؛ حيث تم ترحيله إلى تل أبيب على متن طائرة خاصة، وفي إسرائيل تم الحكم عليه بالموت، ونُفذ فيه الحكم في فجر الأول من تموز (يوليو) من عام 1962.

 

إقرأ أيضاً:-

فتوات مصر حكايات لا تنضب ..

لمحة حضارية فى سطورٍ تاريخية (الجزء الأول)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا