الحضارة الفرعونية تجربة فياضة تدعو للتأمل و الإقتباس.

 

داليا زايد

مازالت الحضارة المصرية القديمة تشكل إعجازا وبريقاً ومصدر إلهام وإعجاب على مر السنين.

تعاقبت الأجيال والقرون ولكن يظل الكثير من علماء الآثار في حيرة من أمرهم ، منذ وطأت قدم “هيرودوت” هذا البلد الآمين ودون ما شاهده في رحلته في القرن الخامس قبل الميلاد ، رحلة عجز فيه عن إخفاء دهشته من الطريقة التي بنى فيها المصريون صروحهم من الأحجار الكبيرة، والقسوة والإبداع الذي امتزج في صورة أزلية أدهشت العالم في مشارق الأرض ومغاربها ؛ قسوة وروعة تمتع بها سكان هذا البلد ؛ بجمال وفن وإبداع وقوة بنوا صروحهم العملاقة.

صروح أظهرت محاولاتهم العديدة ومسعاهم نحو الخلود والبقاء وقد برزت هذه النزعة من خلال فن العمارة والزخرفة والنقوش وكتاباتهم البردية وتجلى ذلك بشكل واضح في رحلة الفرعون نحو تخليد تاريخهم.

رؤية وطن 

● لماذا ظهرت الحضارة المصرية في وادي النيل؟
● ولماذا  استمرت وقتاً طويلاً مقارنة بالحضارات التي تبعتها؟
● لماذا بنى الفراعنة الأهرامات ؟
● لماذا قام المصريون القدامى بتحنيط جثث الموتى؟

أسئلة ظلت وستظل محل بحث وإستطلاع في رحلة بحثنا
وستظل تجربة فياضة يقتبس منها التاريخ ولن ينقضي فيضانها مهما حاولنا.

● لماذا ظهرت الحضارة المصرية في وادي النيل؟
ولماذا استمرت وقتاً طويلاً مقارنة بالحضارات التي تبعتها؟

والإجابة هي :

انسجام وادي النيل:

كفل انسجام وادي النيل نجاح الحضارة المصرية القديمة أتاح فيضاناته ووادي مصر الخصب إنتاج منتجات غنية عالية القيمة التي كان لها الدور الأعظم في تعزيز التنمية الإقتصادية والاجتماعية.

التجارة والمؤسسات العسكرية:

قدمت الكثير من الأموال لتطوير تجارتها الخارجية مع العالم الخارجي وإنشاء مؤسسة عسكرية قوية تهدف إلى إبعاد الغزاة الأجانب وإثبات التفوق المصري في كل زمان ومكان

المعتقدات الدينية:

 

لقد كانت بيروقراطية قائمة على الكتبة البارزين والقادة الدينيين وحكام الفرعون عملوا وخططوا في هذا الاتجاه بمصداقية ، جعلتهم جمعوا تلك العناصر التي يجب تعلمها معًا في نظام مفصل من المعتقدات الدينية وسعوا جديا نحو تدريسها .

● لماذا بنى الفراعنة الأهرامات؟
● لماذا قام المصريون القدامى بتحنيط الموتى؟

مقبرة توت عنخ آمون خير شاهد ودليل على نزعتهم نحو الخلود والبقاء ؛ اعتبروا الشمس رمزا يجسد الولادة والموت. سعوا نحو البقاء ظنا منهم أن الروح والجسد شيئان متلازمان للوجود الإنساني سواء كان ذلك في الحياة أو الموت، لذا لجأوا إلى عملية تحنيط الأجساد في القبور ؛ ملوك تعج قبورهم بالمجوهرات والكتابات والممتلكات الخاصة مثلما أكتشف في مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون في عام 1922م من قبل عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، حيث كان يدفن مع الملك كل ما كان يستعمله في حياته اليومية من لعب أطفال وأدوات الكتابة وعصا الصيد وأقلام وألوان وملابس ؛ والحلي يبلغ عدد قطعها 143 قطعة بأشكال مختلفة .

ممارسات أدت في النهاية إلى إنجازات يشهد لها العالم على مر التاريخ :

– تستند العديد من إنجازات مصر القديمة إلى ممارسات متعددة ومختلفة ؛ أظهرت روعة هذه الحضارة منها :

– تشغيل المحاجر وأسلوب القياس والبناء الذي سمح لهم ببناء الأهرامات والمعابد الضخمة والمسلات.

– المعرفة المساحية في تحديد حدود الأرض المفقودة بعد الفيضان

– بناء أول سفينة ، وأقدم معاهدة سلام عرفها التاريخ

– تركت لنا مصر القديمة إرثًا دائمًا ، تم تقليده بالفن والبناء ، ونقل آثاره إلى أركان بعيدة من العالم ؛ ألهمت أطلالها الضخمة المسافرين والكتاب لعدة قرون.

– أيقظت حفرياتها القديمة عصرنا الحديث فسعوا رواد عصرنا نحو البحث والأستطلاع لعلنا نقتبس أو نخرج بتجربة علمية يمكن تقليدها.

– تستمر المعابد والآثار العظيمة لمصر القديمة في إبهار العالم في العصر الحديث. الأهرامات والمعابد في الجيزة ومعبد الكرنك ؛ شجعت على إطلاق أسئلة في كل اتجاه ؛ أسئلة تسأل بإستطلاع وشغف” كيف تم بناؤها؟ “

– هياكل ضخمة عمرها آلاف السنين ، والتي أدت إلى ظهور العديد من النظريات المختلفة حول بنائها. في حين أن عددًا من الأسئلة المهمة جدًا لا يزال بدون إجابة .

– أبسط تفسير للكثيرين يمكن العثور عليه من خلال النقوش والنصوص المصرية القديمة الموجودة على الحفريات ، و اللوحات الجدارية ونقوش القبور : كان لدى المصريين القدماء إتقان استثنائي للعلم والتكنولوجيا سيظل محل بحث وتمحيص.

وبعيدا عن الآثار القديمة والمعابد الكبرى ، يوجد جانب آخر أكثر تعقيدا وتقنية تثبت لنا عراقة هذا التاريخ المصري القديم ومعجزاته التي لا تنتهي :

الهيئة الهندسية:

– نشأت المعابد العظيمة لمصر القديمة بنفس مهارة إنتاج السلع المنزلية البسيطة (الاثنين على حد سواء ) ؛ يد عاملة اهتمت اهتماما دقيقا بالتفاصيل في عمل ضخم كان أو صغير.

– مجتمع محافظ للغاية ؛ يظهر هذا في العديد من جوانب ثقافتهم ، ويمكن رؤية هذا الالتزام بطريقتهم في إنجاز المهام والإهتمام بإتقان العمل بحرفية وإبداع تدل علي إخلاصهم في العمل وظهر هذا واضحا من خلال بنائهم للأهرامات والآثار الأخرى.

– توثيق أعمال المحاجر ونقل المسلات بشكل إحترافي كيفية رفع الآثار الضخمة عجز العقل البشري عن إستيعابها حتى الآن وأظهر التزامهم الصارم بالإجراءات القياسية.

البناء والهندسة :

– بانوراما أبو سمبل.

من أكثر آثار رمسيس إثارة للإعجاب معبد أبو سمبل الذي تم تصميمه بدقة بحيث تشرق الشمس مباشرة في 21 فبراير و 21 أكتوبر في حرم المعبد لتضئ تماثيل رمسيس والمعبد كاملا .

– ترمز ساحة المعبد مع البركة العاكسة لبحيرة الزهور في العالم التالي إلى الحياة الآخرة والجنة النهائية لحقل القصب .

– تستخدم المعابد كمراصد فلكية يتم توجيه المعابد بانتظام نحو النقاط الأساسية وبعضها ، مثل معبد آمون في الكرنك .

الرياضيات وعلم الفلك :

– كان علم الفلك من أكثر المجالات أهمية عند القدماء المصريين وكان ذلك على مستويين: (الروحي والعملي).
حيث يُعتقد أن مصر هي انعكاس مثالي لأرض الآلهة والحياة الآخرة صورة طبق الأصل عن حياة المرء على الأرض.

– تتجلى هذه الازدواجية في الثقافة المصرية في كل جانب وتتجسد في المسلة التي نشأت دائمًا في أزواج ويعتقد أنها تعكس زوجًا إلهيًا يظهر في نفس الوقت في السماء. تروى للنجوم قصص إنجازات الآلهة وتجاربهم .

النصوص الطبية:

نصوص طبية تاريخية ظهرت تعطي وصفات لمشاكل الأسنان. أوضح هيرودوت أن الأطباء في مصر كانوا جميعًا متخصصين كل في مجاله الخاص وكان هذا ينطبق على أطباء الأسنان وكذلك أي طبيب آخر.

كان هناك منصب يُعرف بـ “من يهتم بالأسنان” يُنظر إليه على أنه طبيب أسنان وآخر يُعرف بـ “من يتعامل مع الأسنان” وقد يكون من نوع الصيدلي.

غالبًا ما كان يتم استدعاء طبيب الأسنان لخلع السن ولكن يبدو أنه نادراً ما يتم إجراء جراحة الفم. معظم النصوص الطبية التي تتناول قضايا الأسنان هي نصوص وقائية فقط.

الفن والأدب:

اختراع البردي والحبر سهّل إلى حد كبير الكتابة والتقدم في الأدوات النحاسية لتحل محل الصوان في نحت ذات جودة فنية محسنة ؛ لكن العالم الذي خلقه المصريون من خلال فهمهم للقياسات العلمية والتقدم التكنولوجي أصبح موضوعًا وعمل عليه فناني الرسم.

قصيدة بنتور ، على سبيل المثال ، التي تروي انتصار رمسيس الكبير على الحثيين في قادش ، ليست مكتوبة ببساطة على ورقة من ورق البردي أو لوحة ، ولكنها معلن عنها على جوانب المعابد في أبيدوس ، الكرنك ، أبو سمبل وحجر المعبد .

رحلتنا ..كانت قصيرة ولكنها حضارية عريقة ؛ سنظل نفخر بها كوننا عنصر ينتمي لها ولوكنا قلة قليلة ؛ قلة ترى وتشهد بأصابع العالم وهي تشير إليها منبهرين .. فما لنا أن نمجد نحن أمجاد أجدادنا ؛ ونخلد ذكرى إبداعاتهم ؛ ونحافظ على أمانة أثارهم .. علي أقل تقدير ممكن.