رؤية وابداع

هروب داخلي

رؤية وطن

بقلمي/مريم صلاح
هروب داخلي

” لعل الأشياء تتحسن، لعل الأيام تمضي و تأخذ معها بعضًا من هذا الحزن، لعل.. ”
في منتصف حديثها مع ذاتها، أو بمعنى أصح تهويدها لذاتها الحزينة، لمعت في عقلها ذكرى حزينة، هذا هو اللمعان الوحيد الذي تراه في حياتها، لمعان يطفئ في عينيها كل شيء آخر، رأت نفسها مجددًا، وحيدة و حزينة. رأت نفسها في ذاك الموقف الذي أثار شفقتها على نفسها، كانت صغيرة في تلك الذكرى، كبرت و لم يكبر معها النسيان، لكن الشفقة على الذات وحدها هي التي تضخمت، خوفها وحده تضخم، المشهد الذي تجلس فيه وحدها بينما الجميع قد اختار شخصه المفضل بالفعل هو الذي ظل يكبر معها، حتى باتت و هي بين جميع الناس، لا يسكنها سوى جلوسها وحيدة، مكسورة على ذاتها التي لفظها الجميع.لا تصدق أي سعادة الآن، لأن الحزن لا يرحل من داخلها، السعادة شيء من الخارج، لكن مشاهد كثيرة من حياتها جعلت الحزن يسكنها و يأبى الانصراف، و ما يسكننا لا شيء من الخارج يستطيع تغييره.
ما يأكلنا، و يجعلنا نشرد كل وقت و حين، لا حل له سوى أن نواسي ذاتنا، سوى أن نحتضن حزننا، و عيوبنا، و نهمس لقلبنا بأنه و إن رفضه الجميع سنبقى نحن نحبه.
ما يخيفنا من الناس لا يمكنه ان يختفي، لا يمكن ان تستيقظ ذات يوم و تجد أنّ مخزون ثقتك بالآخرين، الذي استنفذته تجارب الخذلان، الليالي الطويلة من الأرق، و الغصص التي تجعل فعل التنفس البسيط يبدو كحِمل إضافي لا يستطيع بدنك المثخن بالجراح أن يتحمله. لا يمكن أن تتناسى كل هذا و تعود لتثق تمامًا بمن هم حولك، تحبهم نعم، تقترب منهم نعم، لكن عيون القلق بداخلك أبدًا لا تغفل ولا تنام، و أصواته الخفية تظل تهمس لك بأن جميع من تعرفهم يمكن أن يتركوك مجددًا، في أية لحظة يمكن أن تعود لكل ما يؤلمك.
” لا يهم، المسافة بيني و بين ألمي ليست كبيرة على أية حال، انه يسكن بداخلي بالفعل، يستوطنني كجندي محتل يخرج في بعض الليالي التي أظنها آمنة و يفتك بي، لكني أتغلب عليه في النهاية، كثرة الحروب معه جعلتني أكثر قوة ربما، أكثر يقينًا، لكنها أفقدتني نصف حياتي، أفقدتني طعم الكثير من الأشياء، افقدتني البراءة التي اشعر بأنها تكبر مع الذين لا يتذوقون الحزن بشكل متكرر على عكسي، أفقدتني خيالي، لم أعد أستطيع أن أتخيل شيئًا سعيدًا واحدًا، بلا أن يستوقفني الخذلان، و يجعلني أخاف منه و من تكراره، فأهرب من خيالي، و أهرب من واقعي، و أحاول أن أهرب أيضًا من ذاتي، أركض فارة منها هي الأخرى، إلى أن أفقد قدرتي على الوقوف، و على الفرار، فأكتشف أني لم يكن علي أبدًا أن أحاول الهرب من ذاتي، فهي و على الأقل، لا تتركني ابدًا مهما حاولت الفرار، يظل صوت قادم من داخلي هو محاربي الوحي، الذي و في كل مرة أنهار، يربت على ظهري بحنو، إلى أن أقف مجددًا.

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا