مقالات

بحثي عن المدينة الفاضلة

بقلم : ندى جمال محمود

وأنا في السادسة من عمرى مر أمامى أول شعور في رغبتي للبحث عن مكان ما، يطلق عليه الكبار بأنه المدينة الفاضلة، حينها كانت أول مرة أرى أمي تبكي فسألتها لما تبكين قالت لى من الظلم يا ابنتى فلم أكن حينها أدرك معنى الظلم، ولكن من الأحداث فهمت أن الظلم شئ سئ فطلبت منها أن تأخذني إلى مكان بعيد جدا لا يكذب فيه الناس ألعب فيه مع الفراشات، لا نبكي فيه وكل ما يقال هو الصدق فقط أى أنى كنت أبحث عن صدق النوايا وصدق القلوب، عن الطيبين، كانت هذه أول مرة أتطرق لأمر المدينة الفاضلة ولم أكن حتى أدرك المعنى أو أفهمه وهذه كانت بداية اللعنة..

بحثي عن المدينة الفاضلة
بحثي عن المدينة الفاضلة

للمزيد من المقالات اضغط هنا

بحثي عن المدينة الفاضلة استمر حتى كبرت ونضجت ولم يكن فضولا فقط ولكنه كان حبا في الصدق والخوف من العالم المظلم، رغبة في نشر العدالة وقتل الظلم وإبادة الفساد.

أحدهم يخبرني أن ابتسامتي طفولية للحد الذي يُشكك الغير بحقيقة عمرى، ولكنى أراها في كل صادق ولا أراها بنفسي ابدا،دائما ما يراودنى الشك عن نفسي و هل أنا سيئة وشريرة؟ أخافُ ان اكون يوما في موضع من أحاربهم لظلمهم،أخاف أن أظلم.

لم يكن صدقي يوما يؤخذ على محمل الجد ف نعتنى البعض بأنى ساذجة، أقحم نفسي في أى مشكلة وأقول مالا ينبغي أن يُقال، لكن ما كان يراودنى وأنا اتحدث هو كيف أكذب وإن كانت الحقيقة تؤذيني أنا؟! كيف أواجه العالم بنظرة خبث كما تفعل الأخريات؟!

كيف أحقد وأغضب غضبة ظلم وقد تعلمت من شيخي وأنا في السابعة من عمري أن الإسلام دين صدق ودين حق وقد نهانا الإسلام عن كل ما هو سئ وكل ما هو مؤذٍ للآخرين!!

بأى حقٍ يعبثُ الآخرين بنواياهم؟ صوت الضمير بداخلى كان وما زال لعنةً لى، ومن شدة خوفي من أظلم أحدا وحرصي الشديد بأن لا أؤذي أحدا جعلنى أتحطم مراراً فقد كنتُ اخاف أن لا أؤذي أحدا وأنا من يتم إيذاؤه، كانت تبكيني صدمات الخذلان وطعنات الآخرين لانى لم أكن مثلهم، فقط كنت أخاف أن يصيب غيري مكروها تعلمت التضحيه حتى لو كانت روحى فداء معرفة يوم، ولم يقدر أحد ذلك.

كنت كثيراً اتحدث بنواياي وبقلبي لا بلسانى، أخبرتُ الجميع أنه إذا ابعدتنا المسافات فما بقلبي يظل كما هو وإن كان البُعدُ بيننا بمثابة سنوات ضوئية.

أخبرونى بأن ذلك ضعفا، أخبرنى الخذلان بأن الآخرون على حق، أخبرني الجميع بأن حب النفس والرغبات ومجابهة الحياة بقلب أسد يجعلني أقوى، لكن أخبرتني أمي أن قلب الغزال ما دام طاهراً فلا يعيبه شئ ولا نُطلق على الغزال بأنه ضعيف، فعينيّ الغزال بريئة وسرعتهُ قوة وقلبه النقي قوة وذكاء الانسان مع قلب غزال إن اجتمعا خيرٌ من قلب أسد عقله عقل إنسان فإنما ذلك يولد إنسانا خبيثا حيث أن الأسد قد يغدر وهجماته لا تكون دائما منصفة، فهو يستعمل قوته كى يحصل على غايته..

لم يُخلق أحد ضعيفا ولكنها الرحمة وحسن الخُلق والخوف من الله.

ها أنا ذا قد اقتلع الحزنُ قلبي مما رأيت من ظلمٍ وقهر وجبروت البعض، في كل ليلة كنتُ أبكى ليس خوفاً من أحد ولكن رغبةً في العدل وانتصاراً للحق، مرةً أخرى أبحث عن مدينتي الفاضله، وكيف لى ان أذهب إليها، قررت ان أبحث عن مكان يتحقق فيه العدل وتُرى فيه النوايا حتى يصدقني الناس ولا يتهمونى بالسذاجه مرةً أخرى، فقد استمر سوء ظنهم بي طويلا ولكنى لا أحزن على هذا فقد اعتادوا عليه وأنّىٰ لهم أن يصدقونى وقد انتشر الفساد، خِفت وهُزمت، ثم سكنت سكوناً طويلا، كدتُ أفقدُ نفسي وروحى، فقد حدثتني نفسي مراراً كيفَ لا أكونُ مثلهم ولكن هناكَ صوتٌ ما بداخلى غضبَ علىَّ صارخاً كيف تكونين مثلهم وأنتِ التى لطالما تخافين أن تؤذى أحدا؟! كيف وانتِ دائماً تخافين الله!! إنه خوف الله، الخوف الذي يجعلنا لا نحيد..

لا أنُكر أنه لم يوجد إنسان كامل يوما وأن الكمال لله وحده وأن حديثي هذا ليس ادعاءً للمثالية أو الطُهر او الصلاح استغفر الله ولكنه صوت ضميري يعنفني أيما تعنيف، ولا انكر أن السذاجة التي ينعتنى بها البعض قد تؤذي الآخرين فإنما ظنوا ان الصدق سذاجه لانى إن رأيتُ شيئاً مخالفا للحق فلسانى ينطق بما في عقلي وقلبي ..

ولكن هذه صورةٌ عنى رأيتها لنفسي بعد فترات خوف ويأس وتراجع وظلم لنفسي وما أدراكم بظلم النفس، ولكن بعد التمعين فإن ظلمي لنفسي يُعد ظلماً لا يُجادلُ فيه، وكيف لى بعده أن أستحق العيش في تلك المدينة التى نسجها خيال طفلة في السادسة حتى صارت في عقدها الثاني!

تلكَ البريئة في قرارة نفسها وأمام من يعرفها سذاجتها قد تُحزن البعض حيثُ أنها لم تعرف بعد كيف تُعبر عما بداخلها بطريقة غير اندفاعية وذلك يُعد تناقضاً مع قواعد المدينه الفاضله، وكيف يراها الناس أصلا، فهل تستحق ذلك لمجرد صدقها ونواياها؟

فتلك هى نفسي ونفسي هى تلك وكلانا لم يعد لديه الحق بالحكم عن مدى أحقية العيش في تلك المدينة،وإني أرى من هم مثلى كثيرين.

اليوم بعد كل هذه التناقضات تعلمت أن تلك المدينه مجرد خيال ووهم تهرب به نفسي من الدنيا وتتطلع إليه في حالة الشعور بالظلم لكن قد خلقنا الله وهو الذي يعلم ما بداخلنا فيعلم نوايانا وصدقنا وكفي به وكيلاً، بعد تلك الاعوام من بحثي عنها وجدتُ أنه يكفي أن أتعامل بصدق وان أخاف الله وإن كانت النتيجة المزيد من الصدمات فالله أعلم بحالي وأنا عبده لا يتخلى عنى حاشاه بل هو سندُ من لا سندَ له، لم يعد يهمني تلك الافتراءات أو كذب ومكر الخبثاء لكن كل همى هو أن يراني الله بقلبٍ صادق بقلبِ غزال أو بقلبِ طائرٍ حُر، يحلق أينما أراد لكن لا يغفل عن وجهتهُ أبداً كتلك الاسراب التي تهاجر في الفصول الاربعه، فهى لا تضل أبدا، وكذلك هو هدفي ويكفي أن الله يعلم فقد قال تعالى “يعلمُ خائنةَ الأعيُن وَما تَخفي الصُدور”.

والآن انتهى بحثي عن المدينة الفاضلة، ف مدينتي هي الحياة أينما كانت و وجهتي هي الرغبة في الجنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا