رؤية وابداع

حديث الروح

 

فاطمة فوزي

 

عيناه شاردة مع البحر وكأنه يبثه أفكاره وقلقه وأيضا البحر يتجاوب معه ويسمعه هكذا يشعر كلما سمع صوت أمواج البحر العالية وكأنه يفهم ما يرسله له بصمته .
لاحظ صديقه أنه شارد فقال: فيما أنت شارد؟ هل هناك شيء؟ وتنظر إلى البحر وكأن حبيبتك أمامك .
انتبه لحديث صديقه وابتسم قائلا: أنا بخير لا تقلق، وصحيح حبيبتي تكون حورية من حوريات البحر وستظهر لي يوما ما . أشعر بذلك وبها أيضا وأنها قريبة مني وأعلم أن البحر يشبه الحب كثيرا.
لم يهتم صديقه لكلامه وقال بدون اهتمام: ما تلك الرومانسية أيها الشاعر فأنا لم أعتد منك هذا يا صديقي.
نظر له بطرف عينيه وقال بضيق: ستبقي هكذا دائما تأخذ كل الأمور بسخرية .
ضحك صديقه وقال : حسنا .لا تغضب هكذا وأكمل حديثك أنا أسمعك .
عاد ينظر إلى البحر وقال : تعلم أن كلاً من البحر والحب له دوامة خاصة به ولكنهم متشابهون ،البحر الذي أمامك الآن يبدو هادئ وساكن و ساحرا ويجذب العيون إليه ويجعلك تعشقه وتعشق الاقتراب منه في غفلة منك إن بداخله أمواج قد تغرق بها إن كنت ضعيفا فهو لا يحب الضعفاء ويعشق الأقوياء ولن يقترب من البحر إلا القوى الذي يقاوم أمواجه ويتحدى تلك الدوامة ويغرق فيه ليحيا بحوريته .
هكذا الحب من بعيد تتوق إليه فهو جميل ودائما يجذبك إليه وتجد نفسك متجه له دون إرادة منك وتغرق في دوامة الحب و متاهته وتبدأ الحرب إما تكون ضعيفا منهزما ويلقي عليك عذابه أو محظوظا منتصرا وتنجو وتحيا بذاك القلب الذي خلق من أجلك وتبدأ حياتك وكأنك ولدت من جديد.
نظر صديقه له دقائق ثم قال: و أي دوامة تريدها أنت ،وتلك المزحة أن حوريتك في البحر وهل يا أحمق يوجد ما تقول عنه ؟
أكمل كلامه ولم يهتم بسخرية صديقه وقال:
أخبرتك إنهم متشابهون وسيأتي الوقت ويحين دوري أن أسلك ذلك الطريق و أتحدى تلك الدوامة وأحظى بنصيبي ،فهناك قلب ينتظر قدومي ولكن متى تبدأ الحرب وأين؟ هذا ما لا أعرفه وربما بدأت ولم أنتبه .
قال صديقه بجدية : يبدو أن عقلك أصابه شيء ،أخبرني تشعر بشيء أو إنك مريض نذهب إلى طبيب.
غضب هذه المرة وقال : أنا مخطئ إنني جلست أتحدث مع أحمق مثلك، سأرحل ولا تلحق بي فأنا أريد أن أكون بمفردي مع البحر .
تركه وغادر وبقي صديقه مكانه وهو ينظر إليه وهو يبتعد وضحك وقال : أراهن أن عقله أصابه شيء .
ابتعد كثيراً ووقف ينظر إلى البحر وأفكاره كما هي ويؤمن بها أم أن عقله أصابه شيء كما قال صديقه ، انتفض جسده لصوت أمواج البحر الشديدة وصوت البحر يهمس له قائلاً: ماذا يدور برأسك أخبرني لعلي أستطيع مساعدتك ؟
تفاجئ وقال : هل حقا يهمك أمري ؟
هدأت أمواج البحر وقال: حقيقة لا يهمني الأمر كثيراً ولكن لا مانع عندي أن أسمعك .
تنهد بضيق وقال: لم أحظ بذاك القلب الذي خلق من أجلى وأعلم أن صاحبة هذا القلب معك و أنا لا أستطيع الوصول إليها وقد تعبني البحث وقتلني الانتظار .
تراقصت أمواج البحر أمامه وكأنه يضحك عليه وقال: ولكنك لم تغامر وتتحدى كما سمعتك تقول منذ قليل لصديقك فكيف ستحصل عليها ؟هيا يا بطل تقدم وتحدي تلك الأمواج و أسبح في أعماقي لعلك تجدها وتحظى بها وتنقذك هي من أمواجي ودوامتي .
ضحك وقال :حقا أنك ماكر وتريد أن تقتلني .
قال البحر : أقتلك ،من قال هذا .
رد بسرعة ودون تفكير : الكل يعلم إنك مخادع وظاهرك ليس كباطنك وإنك تخفي الكثير وذلك الهدوء مزيف ولا مفر منك وكيف بعد كل هذا تريدني أن أثق بك.
ضحك البحر وقال : حسنا . ابقَ كما أنت بعيد ولا تغامر و أيضا لا تسألني مرة أخرى عن حوريتك فلن تجدها وأنت تقف مكانك وتخشي أن تقترب من عالمها وكن على يقين أنها لن تقبل بك وأنت تخشى المغامرة من أجلها و تتحداني .
شرد بعينه قليلا وكأنه يفكر ثم قال: وما يضمن لي إن غامرت أجدها وأن لا أغرق وأفقد حياتي دون الوصول إليها.
رد البحر : ليس لك عندي أي ضمانات وكما تعلم أن الحب لا يحظى به سوي الشجعان وإذا أخذت ضمان فأين الشجاعة في ذلك فأنت لم تغامر ، وربما حوريتك قريبة منك وبحاجة فقط لأن تقترب أنت .
بريق ظهر في عينيه وقال بلهفة : حقا وأين هي ومن تكون وكيف شكلها وهل كما رسمتها في خيالي كثيراً؟
صمت للحظة يلتقط أنفاسه وتبدلت ملامحه وقال : أخشى أن تكون لعبة منك و تتلاعب بي صدقني لن …..
قاطعه البحر بسرعة وقال : لا داعي لذلك الأسلوب معي فأنت على يقين أنني لا أخشى شيء وذلك التهديد لن يؤثر بي ولا يليق بك هذا الأسلوب وأنت تقف هناك و تخشي الاقتراب وإذا كنت متلهفا هكذا لماذا لا تقترب من عالمها وتضمها بعالمك أنت.
قال بقلق : وربما لا أجدها و أغرق .
رد البحر: إذن ابقي كما أنت ولكن لا تَلُم غير نفسك إن ضاعت منك وسلبها غيرك واعلم إن لم تغامر من أجل ما تريد فلن تحصل عليه طيلة عمرك.
مرت دقائق والبحر تتراقص أمواجه أمام عينه وتتلاعب وهو حائر وعقله لا يتوقف عن التفكير وقلبه يريد أن يغامر وينبض بعنف ولكن هل يثق بكلامه ويقترب أم يبتعد ويبقي كما هو ؟ ولكنه متلهف لرؤيتها وكيف ستكون ؟ وهو لا ينكر ذلك أنه مشتاق لمعرفة من خلقت له و تسرق قلبه هذا وتحرر عشقه وهل سيحظى بها كما تمني .
وكأن أفكاره مكشوفة للبحر الذي قال بهدوء: تأكد جميعهم بجمال لا يخطر على بال أحد ولكن الفرق أن لكلِ منهم جمال يميزها عن غيرها وخاص بها تفسره عين ولا تفسره أخرى و و حوريتك تمتلك جمالا لن تراه عينك ولن تفسره غيرك فهي خلقت من أجلك أنت ولكن كيف ستحصل عليها وأنت تقف مكانك ولا تتقدم خطوة واحدة من أجلها أم أنها لا تستحق منك المغامرة
ثم أكمل البحر بصوت ماكر : لهذه الدرجة تخاف مني وتخشي الاقتراب .
ابتسم وقال : إنك ماكر كبير ولكنك محق فلن أحصل على الحب و أنا أخاف الاقتراب منه والمغامرة و أكون ضعيفا هكذا والحب خلق من أجل الأقوياء .
قال البحر : إذن هيا اقترب وابدأ مغامرتك ولا تضيع وقت أكثر من هذا .
هدأت أمواج البحر تماما وبدا مسالما ، وقف ينظر له ويفكر هل حان الوقت وعليه أن يسلك طريقه وعليه الآن أن يتقدم وعقله وقلبه تائه بينهم عقل يرفض المغامرة وكل هذا وقلب مندفع ويريد أن يغامر إلى المجهول لعله يحظى بالحب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا