رؤية وابداع

الرجل الغامض

بقلم /  نانسي طه

طويل القامة
مفتول العضلات
رمادي الشعر
برونزي البشرة
ذو وجه صغير الملامح
كل شئ فيه هادئ كهدوء الليل
نظرته ثاقبة للأشياء كشعاع الشمس الساطعة
رغم أن عينيه صغيرتان ولكنها ترى كل شئ بتعمق
لا أنسى ملامحه أبداً فهي خاضعة لقانون الجاذبية
أظن أني لست وحدي من أراه جذاباً فالجميع يراه كذلك
رجل لم أقابل في حياتي مثله
يمتلك كاريزما بمذاق خاص كمذاق القهوة
حلوة ولكن مرة
كنظرات عينيه التي تخفي الكثير قد تكون
بسبب مرارة الأيام التي عاشها في حياته الغامضة
لا أعلم ولكني أخمن بيني وبين نفسي
تفكيره المبهر للروح يجعلني أشرد أحياناً وهو يحدثني
لأتسائل في صمت لماذا لا يوجد رجال مثله؟
لماذا هو نادر إلى هذا الحد!
مين أين أتى وأين ولد وكيف تربى وأي ثقافة هذه التي تعلم منها!
كم يبهرني ذلك الرجل في كل مرة أتحدث معه فيها
يراودني ذهول في عقلي يكاد يفصم شخصيتي عن الواقع الذي أعيشه
لا أدري ماذا أقول عنه
ففي وجوده أشعر أن الدنيا ما زالت بخير
أشعر بطمأنينة وأنس في الروح
أشعر وكأني أجلس مع ذاتي
لا أرى سواه ولا أسمع سوى صوته
وكأن الكون كله تمحور فيه
يضفي للحياة بهجة بشكل ملحوظ
ويلون الأسود بألوان مزاحه الذي يضحكني
خفيف الظل ورجل الغموض
لا أعلم عن حياته الشخصية أي شئ
سمعت من الكثير أحاديث مسربة
واعترافات خفية
واختلفت الأراء حوله
مابين حب وكره
ما بين احترام وإعجاب وانتقاد
ولكني لم أبالي بما سمعته
ولم يهمني ماقيل
ولا أحب التدخل في مالا يعنيني
فأنا أراه بمنظور آخر وبتفاصيل حياة أخرى
ذلك الرجل معلقةٌ صورته في برواز ذهبي عتيق
بين جدران غرفتي المغلقة داخل قلبي
لا يراها أحد سواي
ولا أحدث أحد عنه
بالنسبة لي أراه ذلك الرجل المثالي
تقي لله على قدر عالٍ من التدين والقرب من الله
على قدر كبير من الوسامة والجمال والأهم منهما جميل الروح
خفيف الظل وفكاهي
ذو قدر عالٍ من العلم والثقافة
والوضع الإجتماعي المرموق
أين تتواجد الرجال الذين يشبهونه!
ألهم نادي خاص يترددون إليه أم يعيشون في عالم موازي لا يراه أحد!
لم أرى في حياتي جميع هذه الصفات في شخص واحد!
تبارك الله في صنيع خلقه!
كلما أتى في مخيلتي دعوت له سراً وجهراً
هو صديقي الذي
حين تضيق الدنيا علي وتتضارب أفكاري وأصل إلى نهاية الطريق دون جدوى
بدون تردد أحادثه لأحكي له عن كل ما بداخلي من أفكار
وشرود وهموم بكل أريحية
لأجد إجابة لكل سؤال حيرني أمره
لأجد نصيحة لكل أمرٍ أرهقني التفكير فيه
لأجد إحتواء للروح بكلماته العفوية
هو صديقي الذي يكبرني بسنين كثيرة
ليس في العمر بالنسبة لي بل في خبرة الحياة وتجاربها
هو تلك الصدفة الذي يختارها القدر لتأتي فجأة ثم تدوم لآخر العمر
رغم أني لا أعلم عنه شيئاً
سوى معلومات طفيفة
ولكني أقرأ ما في عينيه كلما رأيته
أحاول البحث في خبايا نظراته
في محتوى كلماته ولكني لا أصل إلى شئ
فأعود مرة أخرى إلى ميناء السلام الذي يجمعنا
يشبهني كثيراً في أفكاره
في معتقداته
في ميوله وفي ثقافة التربية
ولكن بيننا حواجز الأزمنة وحقبات مختلفة وفرق الأجيال
رغم أنه يكبرني بأعوام
لم أشعر بذلك يوماً لأن قلبه كقلب شاب في العشرون من عمره
كله نشاط وحب للحياة وخفة الروح
لا أدرى أي كلام ذلك الذي يوفيه حقه!
ولا أجد كلمات تعبر عن مدى تقديري وإحترامي له
ولا عن مكانته داخل قلبي و في حياتي الخاصة
ولا عن إعجابي بمثاليته النادرة
هو ذلك الرجل الذي لن يتكرر في العمر
وهو تلك الصدفة السعيدة التي رتبها القدر دون ميعاد
وهو ذلك الرجل المثالي الغامض
كم كنت أتمنى أن أكون أكبر عمراً لأتزوجه
أو كان هو أصغر عمراً ليتزوجني
أعلم أنها أحلام فتاة عابرة لن تتحقق
ولكني اعتدت أن أعبر عن أمنياتي الحمقاء بكل عفوية
واعتاد قلبي أن يصارحني عما بداخله دون تردد
بلهاء كطفلة في الخامسة من عمرها
أعلم ذلك
ولكني لا أخاف المصارحة ولا أخاف المواجهة
كل ما يمكنني تمنيه هو أن يرزقني الله برجل يشبهه في كل شئ
فرجل مثله في وجهة نظري من الصعب أن يتكرر
ففي عصرنا هذا أغلب من أراهم فقط أشباه رجال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا