تقارير وتحقيقات

تجارة الأعضاء..سرطان من نوع أخر يفتك بكرامة الإنسان

 

كتب : حسن اشري

تخيل أن يقوم شخص محتاج أو مختطف ببيع عضو من جسمه لمافيا بمساعدة طبيب جراح في مصحة سرية!
الأمر مرعب حقا، لكنه سيصبح حقيقة على نطاق واسع ما لم يتدخل المجتمع الدولي لحلحلة ظاهرة تجارة الأعضاء البشرية التي تتم بطريقة غير قانونية ولا شرعية ولا انسانية.

تجارة الأعضاء..سرطان من نوع أخر يفتك بكرامة الإنسان
تجارة الأعضاء..سرطان من نوع أخر يفتك بكرامة الإنسان

للمزيد إضغط هناهنا

تعرف في هذا التقرير على:

– تاريخ تجارة الأعضاء.

– تجارة الأعضاء في القانون الدولي.

– مقتطفات من مأساة بائعي الأعضاء.

– مستقبل وحلول الاتجار في الأعضاء في ضوء جهود المجتمع الدولي

يقصد بتجارة الأعضاء حسب الأمم المتحدة ” تجنيد أشخاص أو نقلهم بواسطة التهديد بالقوة أو استغلال حاجتهم إلى المال أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف لغرض الاستغلال، وتشمل بعض أشكال هذا الاستغلال إجبار الضحايا على الدعارة أو السخرة أو الاسترقاق أو نزع الأعضاء”.

تاريخ تجارة الأعضاء

تحتوي الأساطير اليونانية والرومانية والصينية القديمة على روايات خيالية لعمليات الزرع التي تقوم بها الآلهة، والتي غالبًا ما تشمل الجثث أو الحيوانات. بحلول عام 800 قبل الميلاد، تبين أن هذه الحكايات ملفقة. بيد أنه من المحتمل كون الأطباء الهنود هم من بدأوا في تطعيم الجلد ضد الجروح والحروق.

في القرن السادس عشر

قام الجراح الإيطالي ”جاسبارو تأجل جاكوزي” ، بإعادة بناء الأنف والأذنين باستخدام الجلد من أذرع المرضى. فوجد أن الجلد من متبرع مختلف عادة ما تسبب في فشل الإجراء بسبب الرفض المناعي للجسم ويعتبره جسما غريبا أو فيروسا يجب محاربته.

أوائل القرن العشرين

حاول الأطباء الأوروبيون إنقاذ المرضى الذين يموتون بسبب الفشل الكلوي عن طريق زرع الكلى من الحيوانات المختلفة، بما في ذلك القرود والخنازير والماعز. لكن لم يعيش أي من المتلقين لأكثر من بضعة أيام.

1905

أجرى الطبيب النمساوي ”إدوارد زيرم ”أول عملية زرع قرنية في العالم، وأعاد البصر لرجل أصيب بالعمى في حادث.

1960

طور عالم المناعة البريطاني ”بيتر ميدور” عقاقير مضادة لرفض أجسام المرضى من تلقي الأعضاء من متبرعين غير متطابقين.

1984

منذ أن أصبحت عمليات الزرع أقل خطورة وأكثر انتشارًا، أصدر الكونجرس الأمريكي قانون زراعة الأعضاء الوطني لمراقبة القضايا الأخلاقية ومعالجة النقص في الأعضاء في البلاد. فأنشأ القانون سجلاً مركزيًا لمطابقة الأعضاء ووضعها مع حظر بيع الأعضاء البشرية. حسب إحصاءات ”مايو كلينيك ”يوجد حالياً أكثر من 100.000 شخص على قائمة الانتظار الوطنية.

2005

يعمل بمستشفى جونز هوبكنز بمطابقة المتبرع والمتلقي. إذ تتم مطابقة الراغبين الذين لا يتوافقون وراثيًا مع المتلقين الذين اختارهم مع أشخاص مختلفين ؛ في المقابل، يتلقى أحبائهم أعضاء من متبرعين آخرين.

حقق مجال زراعة الأعضاء في المجال الطبي تقدما سريعا ومذهلا في السنوات الاخيرة، وخصصت له موارد ضخمة لتطويره أكثر بالشكل الذي يتلاءم مع القانون والأخلاق والتقدم التكنولوجي، إلا أنه واجه مشاكل أخلاقية تتمثل في التجارة بالأعضاء بطريقة لا قانونية؛ إذ اضحى بإمكان الطب زراعة الأعضاء. وفي ظل غياب قانون يقنن زراعة الأعضاء، ظهرت مافيات بيع وشراء الأعضاء في السوق السوداء، مستغلين في ذلك الأشخاص المحتاجين إلى المال من مهاجرين ولاجئين، بالإضافة إلى النفوذ والفساد وضعف المؤسسات القضائية وغياب قوانين زجرية في هذا الشأن في أغلب دول العالم.

التجارة بالأعضاء في القانون الداخلي والقانون الدولي

بذل المجتمع الدولي مجهودات لمواجهة هذه الظاهرة من خلال عقد اتفاقيات دولية من بينها، ”اتفاقية مجلس أوروبا بشأن الاتجار بالبشر سنة 2009”. كما تعد مبادئ منظمة الصحة العالمية التوجيهية بشأن زرع الخلايا والنُسج والأعضاء البشرية لعام 1991 من أولى الاتفاقيات في هذه القضية إلا أن مبادئها ليست ملزمة للدول الموقعة عليها، إلى جانب إعلان اسطنبول حول سياحة زرع الأعضاء التي جاءت بدورها غير ملزمة في 2008.

تأخر اتفاق بروتوكول ”باليرمو” ثلاث سنوات قبل تنفيذه، فرغم توقيع المجتمع الدولي على اتفاقية لمكافحة الاتجار بالبشر سنة 2000 (بروتوكول باليرمو). إلا أن دخوله حيز التنفيذ لم يتم إلا بعد ثلاث سنوات. وفي سنة 2014 قدمت روسيا مشروع قانون “منع الاتجار بالأعضاء البشرية والاتجار بالبشر لغرض نزع الأعضاء إلى الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي أقرته لجنة الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية في جلستها الثالثة والعشرين المنعقدة في مايو/أيار من نفس السنة.

نجد أيضا “اتفاقية حقوق الإنسان والطب الأحيائي” وبروتوكولها الإضافي لعام 2002 التي توصل إليها مجلس أوروبا بخصوص شراء الأعضاء البشرية وبيعها. ويعمل كذلك مجلس أوروبا على اعتماد “اتفاقية مناهضة للإتجار بالأعضاء البشرية” التي تؤكد على الحاجة لوجود وثيقة دولية ملزمة قانونيًا تتناول حصريًا جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية.

مقتطفات من مأساة بائعي الأعضاء مقابل المال

كان وراء انتعاش هذه التجارة غير الإنسانية، التي تفشت في السنوات الأخيرة بين اللاجئين الذين يتم استغلالهم، لاسيما النساء والأطفال، الأوضاع الاقتصادية للبلد بجانب تدهور الحالة المعيشية فيه وضعف أجهزة الدولة ومؤسساتها القانونية بسبب الحروب والنزاعات الأهلية المسلحة ونفوذ قوى إرهابية موازية للدولة في بعض البلدان .

لعل مثال الفتاة الفلسطينية التي استغلت لتقوم ببيع كليتها هي خير مثال على خطورة هذه الظاهرة، إذ صرح طبيب العائلة ”زياد محاميد” بكون الضحية غير متعلمة وكانت تعمل في أحد المصانع، قبل أن ترتبط بعلاقة مع أحد زملائها في المصنع وحملت منه، ليتخذها زوجة ثانية وأجبرها على بيع كليته لتسديد ديونه بعد ذلك.

عادت الضحية من تركيا بعد أن تخلى عنها الزوج وعاد إلى زوجته الأولى، فاضطرت للهرب والعمل في بيت للدعارة.
أول خطوة هي نشر إعلان : ”مطلوب متبرع بكلية مم فصيلة دم محددة، ثم يكتب رقم الهاتف للاتصال بالمعني بالأمر والالتقاء به لتدبير العملية ” هذا ما جاء على لسان نفس الطبيب حول طريقة استدراج المتبرعين وذلك باستغلال وضعهم الاجتماعي. وبعدها يتم التواصل مع أحد الفقراء الراغب في بيع كليته.

قامت الشرطة التركية بمداهمة عيادة خاصة سنة 2007 في إسطنبول، واكتشفت قاعة عمليات سرية تعتقل طاقم طبي كان بصدد إجراء عمليات زرع غير قانونية لكلى رجل مقابل مئة ألف دولار.

كما تعرضت عائلة صومالية للاختطاف عام 2016 كانت في طريقها إلى أوروبا، لكن جثامينهم ألقيت على الطريق بعد حين، وهي منزوعة من بعض أعضائها.

كما أن الجهل والزواج العرفي من غرباء أخطر، إذ سجلت حالات في شمال أفريقيا لأشخاص يقصدون القرى ويدعون أنهم يرغبون في الزواج. وبسبب الفقر ونظرة المجتمع، تقبل الأسرة التي تنصدم بعد عودة الفتاة دون عضو والعثور على جثتها في أحد المناطق النائية .

فإذا كانت هذه الأمور تحصل في بلدان لها مؤسسات قضائية وقانونية، فما بالك بالدول التي يضعف فيها كل شيء من التعليم مرورا بالصحة والفقر وصولا إلى السلك القضائي، حينها يظل البلد عرضة لاستغلال المافيات والمفسدين وناهبي الأموال باسم القانون والقوة، بل يتم هذا بالتعاون مع أجهزة طبية ومستخدمي هذا القطاع ؛ حيث تتم سرقة مختلف الأعضاء من كبد وقلب وكلية وغيرها.

حلول لمواجهة التجارة بالأعضاء

يتطلب مواجهة الإتجار بالأعضاء بذل جهود وسن قوانين صارمة وطنيا ودوليا، من خلال تنفيذ المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة وتوقيع البلدان التي لم توقع عليها أو تنضم لها وتصديقها لتدخل حيز التنفيذ، إضافة إلى مراجعتها وتطويرها، وذلك في إطار الالتزام بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان وتأمين إدماجها بالقوانين الوطنية في تعزيز المواطنة والمساواة والكرامة في فضاء يؤمن الحد الأدنى للعيش الكريم.

كما وضع المجتمع الدولي خطة عمل عام 2010 بهذا الشأن، وذلك لحث الحكومات على اتخاذ تدابير ومراقبة صارمة لمكافحة هذه الجريمة التي أضحت سرطاني في العالم برمته. وتتضمن الخطة التي اعتمدتها الأمم المتحدة برامج مثل صندوق الأمم المتحدة الإنمائي الذي يهدف إلى التبرع للضحايا مما يعزز التنمية البشرية وتضمن الأمن للضحايا لا سيما الأطفال والنساء منهم.

قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتبني يوم 30 يوليوز/تموز يوما عالميا لمحاربة الاتجار بالبشر، بهدف التحسيس والتوعية بهذه الظاهرة وادراك خطورتها في انتهاك حقوق الإنسان من كرامة وحياة.

جاء إعلان نيويورك المنعقد بتاريخ 19 شتنبر 2016، مكملا لمسار الميثاق العالمي من أجل هجرة امنة ومنتظمة، ومن أهم البنود التي توافق عليها المجتمع الدولي ما يلي:

– حماية المواطنين لا سيما المهاجرين خلال تنقلاتهم بحكم كونهم أكثر عرضة للخطف والاتجار بأعضائهم أو استغلالهم .

– تقاسم المسؤوليات بين الدول حول وضعية المهاجرين وصد العصابات التي تتاجر بهم و بأعضائهم.

– تقديم دعم للدول المتضررة والمهاجرين الضحايا

– وضع إطار لتسوية وضعية المهاجرين المعرضين للاستغلال والاتجار بأعضائهم.

– الاتفاق على اعتماد ميثاق عالمي بشأن اللاجئين وميثاق عالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة.

– تقنين التبرع بالأعضاء وإخضاع الأشخاص الذين وافقوا على التبرع بأعضائهم لاختبارات مكثفة للتأكد من مدى مصداقيتهم، وأن قرارهم لا يستند إلى تحقيق مكاسب مادية أو مالية. كما يجب سن قوانين تحفظ عملية التبرع وزرع الأعضاء لإنقاذ حياة الاخرين بطريقة انسانية دون استغلال.

تظل الجهود المبذولة ضد تجارة الأعضاء غير كافية مقارنة بعدد العمليات المرصودة في السوق السوداء، ويظل الحق في الكرامة والعيش الكريم من سكن وشغل وأمن وعدالة والتبرع الإنساني والقانوني بالأعضاء حلولا لإنهاء هذه الظاهرة التي دمرت كرامة وحياة انسان لمصلحة شخص آخر بدلا من صون كرامته وانقاد كليهما.

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى