ذكريات حياة

174

بقلم د.أميرة السعدني

بيت مهمل امرأة بدأ الشيب يخط في مفرق رأسها تجلس وحيدة تستمع إلى صوت لاتطيقه من المذياع ،لم تعد تطرب لفيروز او أم كلثوم أو أي صوت ينبعث اليها كل ما في الأمر أنها تركت المذياع يصدر أصواتاً لاتميزها علها تشعر بشيء من الحياة.

لم يكن لها بيت مستقر منذ يناير ٢٠١١فقد ثارت مصر على النظام وثارت هي في نفس التوقيت على حياتها الزائفة ويوم أعلن مبارك التنحي عن الحكم كان قد أعلنت هي أيضاً تنحيها عن حياة لم تعرف إلا الفشل
خاضت كل معارك الحياة وابتلاءاتها بمفردها كانت تصاحب عتمة الليل وتناجيها على الضياء ينبثق شعاعه من خلال حلكة ليلها حملت في تكوينها سواعد قوية اقوى من سواعد الرجال وجسد أنثى شديد الفتنة أجمل من أي امرأة أنذاك حتى المرض بلعنته وقسوته لم ينال من جمر جسدها المشتعل ولا من تلقائية روحها المعطاءة ولا من طيب عشرتها التي شهد لها بها الجميع
كانت واحدة من معادلات الطبيعة التي لا حل لها امرأة جمعت بين كل المتناقضات ارستقراطية الطباع شعبية المنشأ شديدة التدين وشديدة الايمان بالحرية متكلمة مفوهة ومثقفه وعلى النقيض صامته أغلب وقتها تعيش دور التلميذة التي تريد أن تنهل دائماً من ثقافة من حولها بهدوء وعلى استحياء.

 
الآن وقد أنهت رسالتها وانطلق الأبناء كلٌ باحثاً عن حياته لم تفكر أن تمتلك مالاً او تدخر للغد مايضفي الأمان على لياليه الطوال حتى الزوج لم تنجح في أن يكون لها شريك يؤنس وحدتها فكل من عرفها كان له مطمع واحد لم يراها أحدهم إلا بعين صيادو الفريسة وهي لم تكم أبداً هذه الفريسة الحمقاء التي تقع في شراك أحد إلى أن كان ذلك اللقاء مع أحدهم وقد اقتحم كيانها واستعبد خلاياها واخضع قلبها وروحها ثم تركها ومضى ومنذ هذه اللحظة اعتبرت نفسها أرملة لرجل ما تزوجته في خيالها ومات حياً حين رحل وحرمت بعده كل رجال الأرض فقد كان لها كل رجال الأرض. 
أغلقت بعده كل أبواب الحياة ونوافذها وابتعدت عن الجميع وحبست ماتبقى منها في زنزانة العزلة مع قطة ومذياع ينقضي اليوم وهي لاتحرك ساكناً ولا يحركها أي حدث مهما كانت شدته وتعمدت أن لاتعرف عن رجلها أية أخبار واحتفظت لنفسها بآخر مشاهدها معه فقد اقسمت أن لاتكرهه بعد رحيله وعكفت على سبحتها لاتدعو إلا له راضيه بأقدار الله فقد كان نصيبها دوماً فراق كل من أحبت بدءاً من الأب مروراً بالأخ حتى الابناء كان لهم النصيب الأكبر في ايلامها بالفراق فلم يعد يتذكرها احدهم فلم تعد تملك لا المال ولا القوه لمساعدتهم فلم تبكي على حبيب لم يكن يوماً لها …
أنهت أخر كريات سبحتها واتمن دعاءها لكل من فارق وغاب ومالت برأسها للخلف مستنده إلى ماتبقى لها أن تستند عليه ظهر المقعد الذي يحتويها حتى ظهر المقعد بات خرباً ومهدد في اية لحظة بالكسر…
لم يعد هناك شيئاً تنتظره حتى الموت لانملك حق انتظاره فهو أيضاً من يأتي وقتما يريد هو ليس وقتما نريد.

قد يعجبك ايضآ