قصة غير قصيرة
بقلم: ريهام المكاوي
وصلت علياء وصديقتها نبيلة إلى الحى الأول بباريس وهو أرقى أحياء باريس وبعد نزولهما من سيارة الأجرة ،صعدتا إلى العمارة السكنية التي تقع بها عيادة الطبيب النفسي الذى قررت علياء زيارته ،وبعد صعودهما وقيام علياء بالتأكيد علي الحجز جلست علياء وصديقتها نبيلة في انتظار الدور الخاص بهما ،وتفحصت علياء في وجوه الحاضرين لتتساءل بينها وبين نفسها عن سر حكاية كل شخص من هؤلاء الأشخاص الذين ينتظرون دورهم للدخول لذلك الطبيب النفسي ،فهناك المسن وهناك الشاب وهناك المرأة الكبيرة في السن وهناك الشابة الصغيرة وهناك الأم الشابة ومعها صغيرها هناك من جميع الفئات والأعمار ،وبينما علياء شاردة في قصتها وشاردة في قصة كل منهم إذا بالممرضة تنادى عليها من أجل دورها في الدخول للطبيب ،فتنبهت علياء من شرودها ونظرت إلي صديقتها نظرة رجاء ألا تتركها ،ولكن صديقتها آثرت أن تتركها بمفردها حتي تتعود علياء علي مواجهة أسقامها وأوجاعها بمفردها ،وحتي لا تفرض عليها قيودا في التعبير عن مشاعرها وعما بداخلها ،انتقلت علياء إلي داخل حجرة الطبيب وهي تبدو عليها علامات القلق والتوتر والترقب ،ولكن الطبيب بوجه بشوش ونظرة مطمئنة نظر إليها نظرة تشجيع كي تدخل ،فدلفت علياء إلى تلك الحجرة بأثاثها الفخم منبهرة ومأخوذة به ، فأشار إليها الطبيب بالجلوس ،فجلست علياء على الكرسي المقابل وهى تبدو عليها علامات الترقب والحذر ،فأشار إليها الطبيب بوجهه البشوش الذي غزا الشيب محياه وظهرت عليه علامات السنين أن تتحدث ،فانطلقت علياء قائلة “لا أدري من أين أبدأ ،سأبدأ من مآساتي الأخيرة وهي طلاقي الأخير ووفاة ابني الوحيد ” ، ” لقد كنت يا سيدى فتاة مثل أي فتاة في المجتمع تحلم بفارس الأحلام وبأحلام سيندريلا الذي سيخطفها علي حصانه الأبيض ويحقق لها الرومانسية الدائمة التي لطالما شاهدتها في الأفلام والمسلسلات سواء قديمة أو عربية أو أجنبية ،وكذلك مثل أى فتاة تسير وراء أفكار المجتمع بأنه يجب للفتاة أن تتزوج وإن لم تتزوج وتخطت خط عمري معين سوف يبدؤون في الحديث عليها مثل الألقاب التي كانت تسمعها وهي صغيرة علي من لم يتزوجن ” عانس ،بايرة ،كبيرة في السن “،ثم توقفت علياء قليلاً لتلتقط أنفاسها وتستريح وتهدأ من عناء الانفعال في التعبير والكلام ،ثم استطردت بعد هنيهة قائلة “لقد نشأت يا سيدى أوقن بهذه المباديء وأوقن بمبادئ أن المرأة ليس لها دور أو أهمية سوى بالزواج وإنجاب الأبناء وغير ذلك فليس لها قيمة ومن غير الممكن أن يكون لها دور وأهمية في الحياة وتستشعر تلك الأهمية ،وبناء علي ذلك قمت باختيارات خاطئة لنفسي في الارتباط وانطلاقاً من تلك المبادئ، كنت أقوم في العلاقة بتقديم كافة وكل التنازلات التي تستهلكني وتستهلك نفسي ولم أكن أعلم أني بذلك أقوم بإيذاء نفسي أولاً ،لقد كنت يا سيدى أتعلق بزوجي في العلاقة وأراه هو المصدر لكل شيء وهو المصدر لكل السعادة في الحياة وبناء عليه أقوم بتقديم كافة التنازلات حتى ولو على حساب نفسى العزيزة لقد كنت أتعلق لدرجة مرضية ولا أعلم سبب هذا التعلق ،لقد كان إيماني وأفكاري أن الأنثى لن تكون أنثى إلا إذا تزوجت وأنجبت وأن المرأة ليس لها دور في الحياة إلا ذلك الدور والتي ليس لها هذا الدور فهي بأي حال من الأحوال غير مؤثرة وليس لها قيمة ،لقد كنت أرى يا سيدى أن الفتاة في مجتمعنا التي تتخطى حد سنى معين دون زواج لا تستطيع أن ترفع رأسها وسط الناس أو أن تتحدث معهم خوفاً من تدخلهم في شئونها أو لربما هي نفسها قد وضعت نفسها في ذلك القالب ،ولم تر إلا هذا الدور ،لقد كنت بعد كل أزمة من أزمات طلاقي الثلاث انوي وأعزم ألا أعود لتلك التجربة أو التصرف في حياتي بتلك الطريقة ،والعجيب في الأمر يا سيدى الفاضل أنني كنت أقوم بالحديث إلي الشباب علي الإنترنت أملاً في الحصول علي عريس مناسب ،ولكني لم أكن أعلم حقاً “هل مواصفات ذلك الشخص تصلح معي أم لا ؟،حينما جلست مع نفسي يا سيدى بعد أزمتي الأخيرة بعد قراءتي لذلك الكتاب في علم النفس ،قالت لى “أنها لا ترضى عن اختيارات الله لها أو عن قضائه لذلك كنت أقوم أنا بالانتقاء لنفسي أى شاب وسيم من علي الإنترنت لأقوم بالارتباط به دون أدني تفكير أو تمييز وكانت النتيجة الفشل الذريع في كل مرة واستهلاك عمري ووقتى ونفسي لقد كنت غريبة عن نفسي دائماً سيدى الفاضل بسبب أعمالى تلك ولا أعلم لها سبباً ،لقد حاولت بعدها حصر الأسباب وتجميعها في رأسي واسترجاع شريط حياتي بالكامل ،فوجدت أن هذه العادة وتلك الأفكار والمعتقدات لدى منذ العاشرة من العمر بسبب أحداث ومواقف معينة مررت بها فقمت بالاستغراب لذلك غاية الاستغراب ،ولذلك كنت أشعر دائماً أن هناك لعنة تحوطني لقد كنت حالة شاذة وفريدة من نوعى “
جلست نبيلة في الخارج في انتظار صديقتها علياء للخروج من عند الطبيب ،وهي تتمنى في قرارة نفسها أن تجد علياء ما تبحث عنه وتجد الراحة والسكون .