مقالات

رقعة الشطرنج

بقلم: د.خالد القاضي

 

المساواة بين البشر هي الهدف الأسمى لكل الأديان والمذاهب الفكرية .. حتى الساسة في خداعهم المعهود يكثرون من كلمة المساواة بين الطبقات وبين البشر والمساواة بين …لاعليك من هذا!!

رقعة الشطرنج
رقعة الشطرنج

للمزيد من المقالات أضغط هنا

ولكن وجود مبدأ المساواة في الأنظمة المعاصرة، وإقراره كركيزة للمجتمع، هو تعبير عن تطور عميق في بنية المجتمع الإنساني، مرّ فيه المبدأ بسلسلة من المعارك النضالية عبر تاريخ طويل، حالت دون تحقيقه قوى فكرية، وأخرى سلطوية حماية لمصالح خاصة، وتكريساً للاستعباد والظلم.

 

والمتتبع لنشأة مبدأ المساواة خلال المراحل المتعاقبة التي مرت بها الإنسانية منذ بداياتها الأولى في العصور السحيقة، وحتى عهد قريب، يجد أنّ الظلم والاستعباد والاستعلاء هي السمات السائدة في مسيرة الجماعة الإنسانية• فصراع الإنسان دائم منذ هبوطه على الأرض• وإيقاعه الظلم بأخيه إلى حد قتله والفوز بمتعة الحياة.

 

ولكني كالعادة أحب أن اقرع الحجة بالحجة والرأي بالرأي، فكيف لي أن أتحدث عن المساواة ولا أساوي بين تقارع الأفكار وأعطي القارئ الكريم حق الحكم .. أليست هذه هي المساواة يا صديقي؟

 

وهذا أوقعني في حيرة أي حضارة وأي فكر نستطيع أن نقارنه بالفكر الإسلامي حتى يكون قوياً كفاية ليصمد ولو لوهلة أمام ذلك الفكر المستقيم .. وبنظرة سريعة في صفحات التاريخ ترى التفرقة كبيرة بين طبقات البشر منذ عصر أرسطو، الذي تنسب إليه مقولة تقسيم المجتمع إلى طبقة سادة وطبقة عبيد ولم يكن هذا رأي أرسطو وحده، بل شاركه في ذلك مفكرون آخرون في عصور متتابعة، مثل: مونتسكيو، ولونج الذي وصف الزنوج بقوله:”يمكننا التأكيد بأنهم غير خليقين أساساً بالحضارة، فهم أقلّ من جميع الأجناس البشرية المكتشفة حتى يومنا هذا قدرة على التفكير والتصرف.

 

هل سمعت عن تلك السيدة ألأمريكية السوداء التي تسمى روزا باركس؟

 

فقبل خمسين عاما رفضت تلك السيدة أن تترك مقعدها فى حافلة كانت تركبها في طريقها إلى منزلها الواقع في مدينة مونتجمرى بولاية آلاباما في الجنوب الأمريكى بعد أن أنهت يوما حافلا بالعمل حيث كانت تعمل كخياطة. كانت قوانين الولاية في ذلك الوقت تنص على أن يدفع السود ثمن التذكرة من الباب الأمامي وأن يصعدوا الحافلة من الباب الخلفى، وأن يجلسوا فى المقاعد الخلفية. أما البيض فلهم المقاعد الأمامية، بل من حق السائق أن يأمر الركاب السود الجالسين أن يتركوا مقاعدهم من أجل أن يجلس شخص أبيض.

 

ولكن فى ذلك اليوم تعمدت باركس ألا تخلي مقعدها لأحد الركاب البيض وأصرت على موقفها، رافضة بكل بساطة التخلي عن حقها فى الجلوس على المقعد الذي اختارته. فقام السائق باستدعاء رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القانون. وكان للحادث أثر كبير في تأجيج مشاعر السود ضد الظلم والتمييز العنصرى، فقاطع السود حافلات الركاب لمدة سنة كاملة.

 

ورفعت القضية إلى أعلى هيئة دستورية فى الولايات المتحدة، واستمرت المحاكمة مدة 381 يوما. وفى النهاية خرجت المحكمة بحكمها، الذى نصر موقف روزا باركس، وتغير وجه حركة الكفاح ضد العنصرية على أساس اللون. وفى نهاية عام 1956 صار من حق السود الجلوس فى مكان واحد مع البيض وإعطاؤهم نفس الحقوق فى جميع القوانين. من هنا غيرت باركس حياة السود فى أمريكا بصورة دراماتيكية، ويعتبر تحديها واحدا من أهم الخطوات التى قام بها مواطن أمريكى أسود من أجل الحصول على حقوق متساوية لما يتمتع به الأمريكيون البيض.

 

مارتن لوثر كنج..

 

رغم نجاح الأمريكيين السود فى القضاء على العبودية والفصل العنصرى فإن مجتمعهم ما زال يعانى حتى اليوم من مظاهر متخلفة ومشاكل عديدة بالمعايير الأمريكية. وبعد نصف قرن على خطاب مارتن لوثر كينج التاريخى «عندى حلم I have a Dream» ما زالت الظروف المعيشية الصعبة للسود فى أمريكا قائمة.

 

يصعب القول أن الأمريكى الأسود قد نال كل الحقوق والفرص المتاحة لنظيره الأبيض، نعم تحسنت ظروف معيشة السود بشكل عام، لكن الفوارق لا تزال قائمة وصارخة. وطبقا لإحصاء عام 2014 بلغ عدد السود 42 مليون نسمة، أو نسبة 13% من إجمالى عدد السكان. وتبقى المشكلات الكبيرة للسود الأمريكيين، ممثلة فى عدة ظواهر مقلقة من أبرزها الفقر إذ يعيش 24.7% من السود تحت خط الفقر، وتبلغ هذه النسبة 12.7% على المستوى القومي الأمريكي.

 

أين تلك العنصرية التي تنضح بتميز الناس على حسب اللون والعرق والجنس ، من تلك التي يخاطب فيها النبي صلى الله عليه وسلم الناس ويقول: ( لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ) هكذا يقرر الإسلام أن الناس سواسية لا فرق بين أحمرهم وأبيضهم وأسودهم، وغنيهم وفقيرهم، وقويهم وضعيفهم و وسيمهم، لا فرق بين واحد منهم إن أكرمكم عند الله أتقاكم، هذا أول مبدأ لحقوق الإنسان، البشرية متساوية في أي إهاب، من أي جنس، من أي طائفة، من أي لون، من أي ثقافة، الكبير والصغير، والحاكم والمحكوم، والقوي والضعيف، والوسيم والدميم.

 

يا ابن السوداء!!

 

هل سمعت عن قصة أبى ذر الغفاري مع بلال الحبشي، وفيها أن أبا ذر قد عاير بلال رضي الله عنه بأمه فقال: له يا ابن السوداء، فانطلق بلال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه تعييره بذلك ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعوه ، فلما جاءه أبو ذر ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمت شتمت بلالاً وعيَّرته بسواد أمه – ؟ قال : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمت ما كنت أحسب أنه بقى فى صدرك من كبر الجاهلية شيء – ، فألقى أبو ذر نفسه على الأرض ، ثم وضع خده على التراب ، وقال : والله لا أرفع خدي من التراب حتى يطأ بلال خدي بقدمه ، فوطأ خده بقدمه.

 

يا سيدي أترك لك الأمر برمته والحكم يصدر منك وحدك، أعلم أن البون شاسع بين حضارة تقوم على الوحي الإلهي وأخرى تقوم على أفكار وفلسفات البشر ولكن ليس الإسلام من يدعي الوصاية على البشرية الجامحة، ولا يملأ الدنيا بضجيج الديمقراطية الفارغة ، أليس كذلك؟!.

MEU

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى