ظلمنا الحب

407

بقلم منار عبدالهادي

كنت كلما نظرت إلى أمي وهي تحرك مؤشر الراديو بحثا عن إذاعة أم كلثوم أندهش
صوتها أجش وكلماتها تشبه الطلاسم ثم كيف لي أن أجلس لأستمع ساعة أو أكثر ثم نعيد ثم نزيد ثم تطول الموسيقى وهتاف الجمهور كل هذا وأنا أحملق في وجه أمي يتحول من الحزن إلى الطرب إلى الابتسام ثم في لحظات يترقرق الدمع في عينيها وأنا فقط أنظر إليها وأتعجب
يعلو صوتي الطفولي فوق إنصاتها ( بتحبي فيها ايه دي ؟ )
تأتيني الإجابة متشابهة في كل مرة ( لما تكبري هتحبيها )
كبرت…
ولم أفهم سر المعاني والنغم والكلمات حتى إلتقيتك….حتى التقينا فاستساغت ( عمري ضايع يحسبوه أزاي عليا) و بدأت في دندنة اعتادت سماعها آتية من المطبخ بصوت أمي
يومها فقط بدأت الدندنة في سري ثم في جهري ثم في أذنيك ( أنت عمري )
يومها انتابتني الحيرة كيف لي أن أدندن أغنية لأم كلثوم التي طالما كرهتها فهل كبرت ؟
بحثت عن اللحن ووجدت أن سر تعلقي بها كان إذعانا للحن عبد الوهابي الذي طالما أذهلني
في لقاءنا الأول وقع على أذني فجأة ( مهجة حر وقلبا مسه الشوق فذابا ….أغدا القاك ؟ ) فانتفضت ….أغدا ألقاك ؟
كيف سيكون اللقاء ؟ كيف سأبدو ؟ كيف سأنام وأنا أخشى الغد وأتمناه؟
تعجبت وقع الكلمات في رأسي ….فبحثت عن الكاتب ….المهدي آدم
ذلك هو السر إذن
فلطالما وقعت في حب السودان وأدب السودان ورقة أهل السودان فما سألت أحدهم عن حالة إلا أجابني بفيض من الكلمات المتقدة بالرقي .
في خلافنا الأول ورحيلي الأول ، دون إرادة مني أدرت مؤشر الراديو لأبحث عنها لتلتقط أذني الإشارة الأولى لبدء البكاء
( متبعدنيش بعيد عنك ) ودون إرادة مني أيضا أرسلت إليك رسالة الشوق الأولي بعد الفراق ( غلبني الشوق وغلبني )
ثم نعود أنا وأنت وقد غلبني الشوق إليك فأعلنت تمام الإنصياع ليؤيدني صوتها في ( ياللي مليت بالحب حياتي كل حياتي إليك )
اختارت أن أعيشك بكل مشاكلك وعيوبك وسقطاتك أنت وصوتها واج
تخترقان حواجز قلبي … أصبح السهر وانت وهي رفقائي أستمع إلى صوتك في حضورها فأنتشي أرقص وأرقص وأردد علي مسامعك ( بعد هنايا معاك يا حبيبي لو راح عمري أنا مندمش).
وككل الأيام .. دارت الأيام وكأنما تقتص مني ايام سعادتي، تنتقم .. فتسلطك علي فرحي وتسلط عليك نفسك فتضربني بأعظم سقطاتك .لا مبرر للخيانة فكيف بها مع أخلص الاصدقاء ؟
تسقط أنت في بئر خيانتك وأسقط أنا في دوامة الخذلان . أطوف بالحزن كأنما فرض عليا فرضت ليأتيني صوتها مواسيا في أعنف أيامي فلتلقي علي قلبي بقول ثقيل ( وأنسي الكل علشانك وادوق المر في حبي بكاس صدك وهجرانك ….يا ظالمني )
فأبكي وأبكي وألعن اليوم والرقص والغناء وأكره السهر وكلمات العشق بل والعشق ذاته وأبغض اللقاء الأول بل وذكراه
ثم اذوب شوقا فأعاود البكاء حنينا وأعود فأبحث عنك في الدقائق والايام وتفاصيل الأنفاس فيمنعني عنك كبرياءي ، كرامتي وصوتها ( وعزة نفسي منعاني )
وإنتهينا وأخفقت فيك كما تخفق الكلمات في عقلٍ ضرير
وإفترقنا وجلس كل منا علي أطلاله يردد
(أنا وأنت نسينا حتي نتعاتب ونتصارح )
أنا وانت ظلمنا الحب ..

خجلت أمي أن تخبرني بأني سأحبها فيك
أدركت الأن
الان فقط يا عزيز بأن صوتها لم يرتبط بالعمر
فبعضنا كبر ولم يشعر
وبعضنا توغل الحب في قلبه فطرب ومال ورقص ثم انفطر وانشق وانقسم واجتمع في صوت.
بعضنا يحيا حياة واحده ويموت موتة واحدة
وبعضنا يحيا حياتين في جسدين ويموت الاف المرات .

قد يعجبك ايضآ