اللقاء الأول

372

بقلم نانسي طه

في ذلك المساء …
خرجتُ من المنزل وأنا لا أدري إلى أين سأذهب ! أردت فقط التخلص من حالة الحزن التي تعتريني .
كانت الشوارع مزدحمة بالسيارات ومليئة بالمارة وجميع أعمدة الإنارة تصدر شعاعاً قوياً يكاد يخترق عيناي.
كنت أشعر حينها بالتوتر الشديد فأردت الذهاب لمكان هادئ وبعيد ، بعيد عن أعين الماره وعن صخب الشوارع وضوضاء السيارات وكل تلك الأضواء.
وأنا أمشي تذكرت أول لقاء لنا ..لا أدري لماذا تذكرته؟ولكني بدأت بإسترجاع ذكرى ذلك اليوم فقررت الذهاب إلى مكان لقائنا الأول فأوقفت سيارة أجرة وركبت.
وحين وصلت كانت المفاجئة أن كل شئ هناك كان مرتبا وكأن لنا موعد لقاء.
الإضاءات خافته ورائحة الياسمين تعم الأرجاء وصوت فيروز يدندن في المقهى وهنالك القليل من الجالسين ، حتى طاولتنا كانت فارغة وكرسيك فارغ وكأنه ينتظر قدومك.
جلستُ وأنا مندهشة وطلبت من النادل إحضر عصير المانجو كالذي شربناه يومها.
خيلتُ بك تجلس أمامي وأنا أنظر إليك بنظرة تأمل وإعجاب وأدقق في تفاصيل ملامحك التي أعشقها
عيناك الكحيلتان وشعرك الأسود القاتم وشفتيك الصغيرتان وإبتسامتك الهادئة ، ثم بدأت أروي لك عن تفاصيل اللقاء،
أتذكر جيداً في ذلك اليوم بدأنا الحديث عني وعنك كنت تسألني عن حياتي وعائلتي ودراستي وأنا أجاوبك على كل أسئلتك وأنا هائمة سارحة شاردة بأفكاري تجاهك ، وكان شئ ما بداخلي يحدثني بصوت عالي ويردد:
(سيكون هذا الرجل كل شئ في حياتك وستحبيه حباً لم تحبيه لأحدٍ قط) .
كانت دقات قلبي تتسارع وأنا أسمعها وكان ذلك الصوت يشتت تفكيري ويجعلني أشرد بعيداً عنك وأنت تحدثني وتسألني مبتسماً بتعجب (لماذا تنظرين إلى هكذا )؟
تمنيت حينها أن أخبرك بما يجول في خاطري وبما يردده لي قلبي ولكنني كنت صامتة كالبلهاء وأبتسم وأقول لك بعفوية لا شئ) .
أيعقل أن أكون وقعت في حبك من النظرة الأولى !
أو حتى من أول لقاء بيننا !
أيعقل أن يكون قلبي كان صادقاً لهذه الدرجة!
أخذنا نتسامر والوقت يمضي ولم أكن أشعر به
فقد كنت هائمة وسعيدة سعادة لم أشعر بها من قبل.
لم أكن أسمع صوى صوت حديثك لي ولم أكن أرى سواك وكأن الوقت توقف على صورتك أمامي.
أذكر جيداً ماذا قلت لي يومها
قلت لي : (كم أنتِ جميلة وبريئة الملامح
تمتلكين ذوقاً راقٍ في إختيارك لثيابك التي تردينها وتسريحة شعرك ، جميلة أنت في الشخصية وفي المظهر )
أصبت حينها بالخجل وأحمر وجهي وإبتسمت لك
فقلت لي دعينا نلعب لعبة
ثم فجأة وجدت يداي في قبضة يديك وأنت تشرح لي تفاصيل اللعب قائلاً:(سنظل نحرك إصبعينا الإبهام وحين يمسك إبهام أحدنا الآخر سيكون هو الفائز )
في تلك اللحظة إرتبكت وأصبت بدوار ٍكدوار البحر ،كانت تلك المرة الأولى التي يخترق فيها أحداً حدودي دون إستإذان.
كيف بربك تجرأت وأمسكت بيدي ؟
وكيف سمحتُ لك بالإستمرار ولم أنطق بكلمة ؟
أحسست حينها بالأمان والإحتواء والدفئ بين يديك
ولأول مرة يمسكُ بيدي رجل دون استئذان ولا أبدي أي ردة فعل.
لو كان رجلاً آخر لكنت صفعته على وجهه أو هممت بالرحيل دون إستئذان أو كنت أفلت يدي بسرعة من بين يديه أو صرخت في وجهه وألقيت عليه اللوم، لا أدري أي ردة فعل كنت سأفعل ولكن معك كانت كل الأمور تسير بهدوء دون أن أشعر وكأنك كنت تعلم خطوات إيقاعي في حبك .
أخذت أسألك عن تفاصيل حياتك ولكنك لم تحكي سوى القليل جداً فكم كنت غامضاً وكتوماً في نفس ذات الوقت ، تحكي قليلاً وتصمت قليلاً وتتابع النظر إلى لتكتشفني أكثر .
كان الوقت يمضي ولا نشعر به فقد كنا سعداء .
لو سمحت لي سيدتي !
سيدتي !
سيدتي !
صوت يتردد في أذني
أحد يناديني
إنه النادل !
عذراً كنت شاردة لم أسمعك
عذراً سيدتي فإن الساعة الآن الثانية عشر وهذا موعد إغلاق المقهى.
حسناً سأهم بالرحيل الآن ..من فضلك إحضر لي الفاتورة.
فجأة عدتُ إلى الواقع المرير وكأنني صفعت كفاً مؤلماً على وجهي ، لم تكن أمامي ولم يكن موعد لقاء بيننا
كان طيف خيالك هو الذي أحدثه في مخيلتي ومن أعماق قلبي كل ذلك الوقت
فأنت لم تعد هنا .. وأنتهى كل شئ كإنتهاء فصول السنه
كنت أظن أني نسيتك ولكني أيقنت بأني فقط أتناسى
وأني ما زلت أذكرك وأذكر كل التفاصيل والذكريات بيننا فكل مكان يجمع ذكرى لنا يا رجل أحببته حباً لم أحبه لأحدٍ قط كما قال لي قلبي في لقائنا الأول.
لا أدري أين أنت الآن ؟
ولا أدري عن أخبارك شئ ؟
ولا أدري أهل إحتلت قلبك إمرأة سواي
أم مازلت تحبني ووحدي من أتربع عرش قلبك إلى يومنا هذا؟
أتدري يوماً ما قرأت مقولة تقول:
(إذا أردت شيئاَ بقوة فأطلق سراحه، واترك باب القفص مفتوحاً فإن عاد إليك فقد كان دائماً لك وإن لم يعد… فإنه لم يكن لك من البداية)
فها أنا ما زلت أعيش على ذكرى حبك التليدة
وأؤمن بأنك إن عدت لي فأنت كنت لي منذ البداية وإن لم تعد فبلفعل لم تكن لي .
وإن أراد الله أن يجمعناً يوماً ما سنلتقي ولو بعد حين
فإن اللقاء نصيب.
خرجتُ من المقهى وأنا أنظر حولي أبحث عنك من بين وجوه الموجودين لعلي أراك ولكني لم أجدك .
ودعتُ المكان بنظرةٍ أخيرة كوداع لقائنا الأول
ولكنه لم يشبهه في الشعور فيومها كنت في غاية السعادة وأنا أودعك لأننا إتفقنا على موعد لقاء آخر ولكن هذه المرة لا موعد آخر بيننا .
خرجتُ على مهلٍ وكان الجو في غاية البرودة
كم تمنيت لو أنك معي ممسكٌ بيداي وتدفئني
فإرتديتُ معطفي وأوقفت سيارة الأجرة عائدةً إلى المنزل وأنا أحمل خيبات الأمل وذكريات الماضي الخالدة وخذلان الحب الذي مازال يطاردني
فعدتُ إلى المنزل وأنا حزينة ولم يتغير مزاجي ولو قليلاً بل إزداد سوءً ،فتمنيت لو أني إلتزمت الجلوس في غرفتي ولم أخرج في ذلك المساء.

قد يعجبك ايضآ