مقالات

دبلوماسية العمل التطوعي الإنساني

 

طالب غلوم طالب

كاتب وباحث إماراتيّ

استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تحقق خلال العقود اللاحقة لاتحادها الرصين من خلال قوتها الناعمة ما لم تُحققه القوى الإقليمية الكبرى عبر السلاح والحرب ودفع الأموال ، فقد أظهرت قدرة على صون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها وحماية حقوق مواطنيها داخل وخارج الدولة كما نجحت بفضل قيادتها في جذب عقول وقلوب شعوب العالم ما ساهم في تعزيز دورها في حل الكثير من القضايا العالمية الإقليمية وضمان الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة وترسيخ و سيادة قواعد القانون الدولي في العلاقات بين الدول وبعضها والاستمرار في التقليل من اندلاع وتجدد الكوارث والأزمات التي تهدد حياة الملايين من البشر في كثير من بقاع العالم وذلك بفضل ما أظهرته من مرونة وذكاء في التعاطي مع التغيرات والتطورات الجارية في البيئة الدولية المحيطة بها وفي الوقت نفسه الحفاظ على ثوابتها وقيمها الوطنية والتزاماتها الأخلاقية القائمة بالأساس على تحقيق المصالح المشتركة بين جميع الشعوب والمجتمعات ، وهذا يرجع إلى قوتها الناعمة ودبلوماسيتها الشعبية والثقافية التي طالما اتبعتها منذ ما يزيد عن عقدين من الزمان حيث باتت دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل نموذجاً ملهماً في القوة الناعمة لكثير من دول العالم .

 

ويتجلى تفرُّد النموذج الإماراتي في القدرة على تحقيق نجاح تنموي واقتصادي واجتماعي كبير وفريد من نوعه في المنطقة من خلال مؤسسات العمل الإنساني والتطوعي باعتبارها إحدى أدوات قوتها الناعمة خلال خمسين عاماً ، فدولة الإمارات العربية المتحدة تعتمد على مجموعة عناصر لقوتها الناعمة وهي القيم والمساعدات الإنسانية والثقافة باعتبارها أحد روافد القوة الناعمة وفي ذات الوقت لا تقل أهمية عن عناصر القوة الصُلبة .

 

فهي دائماً تتمسك بخياراتها في دعم العمل الإنساني والاستمرار في منح المساعدات الإنسانية للمتضررين من النزاعات الدولية فالعمل الإنساني التطوعي وإرسال المبتعثين في حملات المساعدات الإنسانية التي تطلقها دولة الإمارات لها دور بالغ الأهمية في صياغة السمة الوطنية للدولة وإبراز أهمية الإمارات لمنطقة الشرق الأوسط والعالم .

 

فمن خلال تبني استراتيجيات لقوة الإمارات الناعمة أصبحت الإمارات وسياستها الخارجية محط اهتمام كبير من وسائل الإعلام العربية والدولية ليبدأ تناول الدور الإماراتي في أزمات المنطقة ودورها التطوعي المتمثل في تقديم المساعدات الدولية التي تسهم في حل الأزمات والكوارث ومع مرور السنوات تحوّل أسلوب دولة الإمارات العربية المتحدة في السياسة الخارجية إلى تحد النظريات الرئيسة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية التي تؤكد في غالبها على الدور المركزي لعوامل قوة الدولة التي تتمثل في مساحة الدولة والتعداد السكاني وقدرتها على الاتساع الجغرافي والتي تعكسها القدرات والإمكانات التي تتمتع بها الدولة سواء كانت طبيعية مثل : (المساحة أو إشرافها على بحار ومحيطات … الخ) أو كانت بشرية مثل : (عدد السكان أو مدى التقدم التكنولوجي … إلخ) وذلك بالمقارنة مع دول أخرى في نطاقها الإقليمي والدولي .

 

ولتقوية أداء وشفافية العمل الإنساني والخيري في دولة الإمارات فقد حرصت حكومة دولة الإمارات على توفير بيئة قانونية سليمة للعمل الإنساني حيث صدر قرار مجلس الوزراء رقم (70) لسنة 2020 بشأن اللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي رقم (13) لسنة 2018 في شأن العمل التطوعي والذي يهدف إلى مساعدة الجهات على التعرف إلى الضوابط والمعايير التي تحكم العمل التطوعي ما ساهم في إنجاح المساعي المبذولة لجعله ركيزة من ركائز خدمة المجتمع والوطن وكذلك في توسيع مشاركة الأفراد والموظفين بالجهات الحكومية في جميع المبادرات والفعاليات التطوعية المتاحة في كافة إمارات الدولة ضمن أجندة العمل التطوعي .

 

وعليه فقد اهتمت دولة الإمارات بتنظيم العمل التطوعي من خلال مجموعة من القوانين التي تضع الضوابط وتكفل تشجيع المتطوعين وتنمية مهاراتهم لتمثيل الدولة في الخارج لتحسين مُقوّمات القوة الناعمة الإماراتية وكذلك تنمية المسئولية المجتمعية لدى أفراد المجتمع وغرس ثقافة العمل الجماعي وتشجيع روح المبادرة والمشاركة الإيجابية في الأنشطة المختلفة التي تعود على المجتمع الدولي والمجتمع المحلي بالفائدة.

 

وفي هذا السياق تسعى الدولة بصورة مستمرة إلى دعم المبادرات التطوعية العالمية وأهمها على الإطلاق مبادرة (وقف المليار وجبة) التي تهدف إلى تدشين أكبر صندوق وقفي وخيري لإطعام الطعام وتساهم في مكافحة الجوع الذي يهدد (828) مليون إنسان في العالم ، ففي شهر فبراير 2023 أرسلت الإمارات مساعدات إنسانية لدول عدة منها أفغانستان واليمن والصومال وأوكرانيا وفلسطين ما يعزز ريادتها الإنسانية وتفردها في العمل التطوعي لتعد عاصمة عالمية للخير والعطاء وتتوج الإمارات بدبلوماسية العطاء ، إضافة إلى مساهمتها الإغاثية لدعم منكوبي زلزال تركيا وسوريا للتخفيف من آثار الزلزال المدمر وتسيير أكثر من (248) طائرة شحن نقلت أكثر من 10 آلاف طن مساعدات لتأتي هذه الشحنات امتداداً للمساعدات الإغاثية المستمرة عبر الجسر الجوي منذ وقوع زلزال تركيا ، إضافة إلى الجهود الإماراتية الإنسانية في فلسطين وأوكرانيا والصومال لتخفيف أوجاع المنكوبين المتأثرين بالحروب والكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية

 

 قوة العمل التطوعي الإنساني الإماراتي وفعاليته يعود إلى استهدافه الدول العربية المجاورة التي تعاني أزمات إنسانية أو كوارث طبيعية أو مشاكل اقتصادية بالإضافة إلى الاستجابة لمعايير الأمم المتحدة وأجهزتها الإنسانية فيما يخص الشفافية ما يؤكد على ريادة وتفرد الإمارات في ابتكار أدوات جديدة لدعم قوتها الناعمة على المستوى الدولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا