مقالات

سياسية العنصرية: كيف تساهم أوربا في صنع التطرف داخلها

محمد جاد

هناك أسباب كثيرة لظاهرة التطرف بعضها يعود إلى الشخص نفسه بأن يحيد عن طريق الصواب، وهناك أيضًا أسباب أخرى تتحمل السياسة العنصرية للدولة مسؤوليتها كاملة.

يحاول هذا المقال القصير أن يجمل نصيب الدولة والمجتمع في أوربا من تعميق ظاهرة التطرف

كثير جدًا من الشباب الأوربي الذي يتحول إلى الإسلام كان يقضي حياته بين الخمر والنساء والعنصرية تجاه الآخر، وهؤلاء هم أكثر الناس عرضة للرادايكالية لأنه كثير منهم وبسبب الندم على ما اقترفوه من أفعال تحرمها الأديان عموما يريدون أن يجلدوا ذاتهم كعقوبة على ذنوبهم، وبالتالي نراهم يميلون إلى تفسير النصوص على نحو يخاطب الشخصية النادمة. كلهم يرون أنهم يستحقون العذاب على ما فعلوا.

يقع هؤلاء فريسة للدعاة المتعصبين المنتمين إلى جماعات الإسلام السياسي أو التيار السلفي في أوربا، وهؤلاء يفسرون الدين تفسيرًا تشمئذ منه النفس الإنسانية دون دراسة علمية. وهذه النقطة وان كانت شخصية فإن الدولة لا تكف عن التنكيل بهؤلاء دون اتخاذ خطوات جادة لردعهم. أضف إلى ذلك محاولة جزء من المجتمع الغربي إقصاء الإسلام الناتجة عن خوف المواطن من نمو عدد المسلمين في المجتمع وهاجس الأسلمة الذي لا ينفك يراه المواطن ربما حتى في حلمه بسبب ما تعرضه وسائل الإعلام من وقائع منتقاه خصيصًا لتثير الذعر في صدور البشر وتنمي استياءهم من هذا الغريب الذي جاء ليأخذ فرص العمل والذي سيكون يومًا صاحب هذا البلد.

هذا العامل يزرع النقمة على المجتمع في قلب المسلم مثل الابن الناقم على أبيه لسوء معاملته فتجد مثلًا ألماني متحول إلى الإسلام يدرس في جامعة من أفضل جامعات أوربا يبحث عن التأويلات الراديكالية التي تشفي غليله وتظهر المجتمع في أوربا منحل ساقط مصيره الى الجحيم مقابل الذات المسلمة الطاهرة التي خلقت الجنة من أجلها. إذن نحن أمام حالة تتخلى فيها الأسرة فضلًا عن الزملاء والأصدقاء والجيران عن إنسان لمجرد أنه تحول إلى دين آخر، وهذه وحدها كفيلة أن تصنع من الشخص إرهابيًا بامتياز، مما يدفع بالكثير منهم إلى مغادرة البلاد والسفر إلى دولة عربية، أو الإنضمام إلى المتطرفين الذين يحتضنونه ويجد لديهم المأوى.

وقد التقيت بالكثير من هؤلاء في مصر وقالوا لي لا تسافر الى ألمانيا فهي بلد عنصري يكره الإسلام. بالتالي المجتمع الألماني يسهم بوضوح في زيادة الراديكالية بين صفوف الألمان المسلمين ثم يأتي ليشتكي منهم، والظاهرة تنطبق على بقية الدول الأوربية مثل هولندا و فرنسا الأسوأ على الإطلاق من بين دول أوربا الغربية في معاملتها للمسلمين.

في الحقيقة بعض الساسة الألمان سعداء- في نظري وبحسب خبرتي- بوجود هؤلاء لأنهم بكل بساطة يؤكدون رأيهم في الإسلام بأنه دين أقرب إلى الإرهاب منه إلى التسامح والقيم وأنه وإن كان هناك مسلمون متسامحون فهذا لأنهم بشر يعيشون في أوربا انطبعوا بعقلانيتها ومبادئها وليس للإسلام في ذلك سوى دور معين.

لا يمر شهر لا يظهر فيه بيير فوجل أو حسان الدباغ وسائل الإعلام، ذلك الرجل الذي يتهمونه بأنه على علاقة بتنظيم القاعدة ومع ذلك لم يفصل إلى اليوم بل يعمل منذ ٢٠ عام في مجال الدعوة وإمامة المساجد، يظهران في مجادلات عقيمة في التلفزيون الألماني يتحدثان عن فرضية النقاب وجلد الزاني المتزوج… الخ. ولم أر رجلًا واحدًا من أصحاب العلم الرصين يظهر في هذه البرامج لانه لو ظهر سيسحق الجميع في وقت قليل.

إذن هذه سياسة مكشوفة لا أريد أن أعلق عليها أكثر من ذلك. الدولة تحاسب المسلمين في داخلها بذنب هجمات إرهابية يقوم بها مسلمون في الخارج أو تنسب إليهم زورًا، وأكبر دليل على ذلك أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولا يخفي على المتابعين أن حال الإسلام في أوربا قبل هذا الحادث شيء وبعده شيء آخر.

 مثال آخر هو أن ما حدث في باريس لجريدة شارل ايبدوا كان له تأثير سلبي كبيرعلى المسلمين خارج فرنسا. بينما الأعمال الإرهابية التي يقوم بها مسيحيون، أمريكا مثالًا، أو يهود، إسرائيل مثالًا، لا تهز شعرة للدولة. بالتالي الأوربي المسلم يجد نفسه معرض دائمًا للعقاب من الدولة التي ينتمي إليها بسبب أحداث لا دخل له فيها. أحيانًا نجد تغطية الإعلام الألماني للشأن التركي، أو لكنيسة تعرضت لهجوم ارهابي في مصر، أكبر بكثير من تغطيتها لمساجد تعرضت لهجوم داخل ألمانيا نفسها، مما يشعر المسلم الألماني أنه مهمشًا في وطنه من أجل الآخرين.

كل حدث إجرامي يقوم به غير مسلم نجد تقارير تفيد بأنه إما كان غاضبًا، أو كان تحت تأثير الكحول، أو أنه مريض نفسيًا، بينما المسلم يقوم بذلك بدافع الٱرهاب الذي يحث عليه دينه، أي أنه حين يمارس الإرهاب فهو يطبق تعاليم دينه تطبيقًا صحيحًا. هذا فضلًا عن أحداث مجهولة الفاعل تنسب إلى المسلمين، أي أن المسلم يكون أحيانًا كبش فداء كما كان اليهودي قديمًا. حين يقوم شخص بالاعتداء على كنيسة أو معبد تقوم الدنيا ولا تقعد، واقرب مثال ما حدث قبل عامين، فقط لأن شخص ألماني مسلح قتل شخصين بالقرب من كنيس يهودي في مدينة هاله الواقعه في ولاية زاكسن- انهالت المعروفة بالعنصرية في شرق ألمانيا وفشل في اقتحام المعبد إنقلبت الدنيا وتم إغلاق كثير من الشوارع في المدينة وبعض المدن المجاورة لها، بينما حرق ٥ مساجد قبلها بعام لم يخرج في الاعلام إلا في دقيقتين تقريبا وحرق المحلات التركية كذلك والمساجد التي تهاجم ويتم تقطيع المصاحف فيها والقاءها في المراحيض لا تذكر في الاعلام الا لمامًا.

المسلم في أوربا متهم حتى يثبت العكس اضطهاد المرأة، واضطهاد المثليين، ومعاداة إسرائيل ذات الحق التاريخي في أرض المعاد، وإنكار المحرقة النازية، والتخلف الفكري، ونية أسلمة أوربا، كل هذه أحكام مسبقة تُلصق بالمسلم. كمسلم في أوربا عليك أن تثبت عكس هذه النقاط أولًا كي يمكن للأخرين اعتبارك انسان سليم. الغريب انك أحيانا تشعر انك أمام قاضي يحاكمك على تفكيرك حتى الصغار لا يتحشمون عن مخاطبتك بنفس الطريقة المتبجحة. الناس في أوربا اعتادوا بكل بساطة على أن يضعوا هم المعايير التي تحكم الإنسان المريض من السليم، معايير الصواب والخطأ وفي غالب الحوارات التليفزيونية بين طرف مسلم وأخر غير مسلم تشعر أن غير المسلم قاضي يجلس على منصة ليحاكم المسلم الذي يريد أن يفسد أوربا بالسرطان الذي يسمى الاسلام

فتجد الحلقة حوالي ساعة عبارة عن اتهامات على المسلم أن يبرأ نفسه منها تحت ضغط تصفيق الجمهور الذى أتى ليشمت فيه والمحاور غير الموضوعي أحيانا الذي يقف في صف القاضي ويطرح على المسلم أسئلة لا تقل تبجحًا عن أسئلة القاضي. سياسة التحريم إن الديمقراطية في الغرب بلا شك تسهل الطريق على المسلمين للنمو داخل المجتمع، تلك الديمقراطية التي حُرموا منها في بلادهم. أظن أن المسلمين في ألمانيا استفادوا من الديمقراطية والحريات أيما استفادة ويظهر ذلك في تنوع الجالية ومشاركتها الناجحة في كل مجالات المجتمع. المسلمون في ألمانيا يزاحمون الألمان في كل المجالات ويتفوقون عليهم في أحيان كثيرة، وهناك آلاف من المسلمين من أصول ألمانية. الحل الوحيد لتعطيل المسلمين في المجتمع هو تعطيل الديمقراطية عن طريق سياسة التحريم

. لكن أين مظاهر ذلك؟ على سبيل المثال لا الحصر:

1- منع الحجاب إما بالقانون كمنعه في بعض المدارس ومنع المعلمات من ارتدائه أو بالعنصرية كرفض المتقدمات للعمل أو التدريب أو غير ذلك والتحجج بأسباب أخرى فارغة

2- نقد القرءان واتهام النبي بتلفيقه من الكتب الأخرى حرية تعبير، بينما نقد التوراه خطر ونقد إسرائيل أخطر وإنكار حقها في الوجود عقوبته السجن.

3- مراقبة المساجد وبعض مؤسسات المسلمين عن طريق لجنة حماية الدستور وهو سلوك يصور المسلمين وكأنهم مافيا أو جماعة تعمل تحت بير السلم، بالإضافة إلى تلفيق التهم لأي أمام لا يعجبهم بأنه ينتمي إلى تنظيم القاعدة أو داعش.

تحريم المآذن في سويسرا عام ٢٠٠٩ أكبر مثال على سياسة التحريم كان قرار تحريم بناء المآذن في سويسرا عام ٢٠٠٩ بدعوى أنها رمز للإسلام السياسي الذي يمثل خطرًا على أوربا العلمانية المسيحية- اليهودية

. الملفت في الأمر أن القرار جاء بعد استفتاء شعبي! إذن سويسرا أعطت المواطنين حق اصدار قرار على فئة عريضة من الشعب ضاربة بذلك عرض الحائط برأي هذه الفئة وفهمها لذاتها، وهنا للمرء أن يتسائل هل يمكن للمسلمين في اوربا مثلا أن يصوتوا حول شكل بناء الكنائس أو المعابد اليهودية؟ قالوا: هذان الدينان جزء من أوربا أما الإسلام فلا.

 وبالتالي أتساءل من جديد ما قيمة الإستفتاء اذن إذا كنتم من يقرر من ينتمي إلى أوربا من غيره؟ هل الإستفتاء ديمقراطية مزيفة إذن؟ هل من الديمقراطية أصلا أن تقرر فئة من الشعب ولو كانت أغلبية ما يمكن لفئة أخرى فعله؟ اذا كانت المأذنة دليلا على السيطرة السياسية للإسلام أفلا تدل أجراس الكنائس على السيطرة السياسية للمسيحية في بلد علماني يتعين فيه فصل المؤسسة الدينية عن السياسة؟ سؤال آخر: هل يستطيع المسلمون في بلاد العرب التصويت ضد بناء الكنائس؟ بل هل تعترض الدولة أصلًا على بناء الأديرة ذات المساحات الشاسعة؟

تحريم المآذن في سويسرا كان دليلًا على شيئين:

1- نجاح المسلمين الساحق في أوربا والذي جعل الآخر يشعر بالغيرة منهم

2- أن أوربا مستعدة أن تلقي بالديمقراطية بعيدًا إذا شعرت بالخطر. كل ذلك دليلًا قاطعًا أمام المسلم في أوربا بأن الدولة ضده وأنه لا مرحبًا به وإن كان ابن البلد، واعتقد هذه أسباب كافية بأن تصنع من ضعاف النفوس متطرفين.

نقاط هامة لإندماج المسلمين في الغرب:

١- يجب توقف التدخلات الخارجية في شؤون المسلمين في أوربا؛ فقط مسلمي أوربا هم القادرون على رعاية الجالية دينيَا واجتماعيًا، والتدخل الخارجي الذي يسمونه دعمًا غرضه في الغالب استغلال المسلمين للترويج لقضايا سياسية وايديولوجية لا تفيد المسلمين في شيء.

٢- يجب على الدولة الاوربية أن تتخذ كافة الخطوات التي تعتبر الإسلام جزءًا من الدولة وأن تكف عن سياسة شيطنة الإسلام في وسائل الإعلام؛ فالإسلام في ألمانيا مثلًا غدا دينًا ألمانيًا بكل ما تعنيه الكلمة وكذلك في فرنسا وبقية الدول الأوربية

. ٣- يجب إجراء حوار دائم بين المسلمين وغير المسلمين الذين يرون في الإسلام خطرًا عليهم وأن يقوم بهذا الحوار مسلمون أكفاء غير متطرفين درسوا الدين دراسة جيدة ويجيدون لغة القوم.

٤- يجب أخذ آراء أساتذة الفقه الإسلامي من غير المسلمين؛ فهؤلاء فضلًا عن معرفتهم بالدستور قد تكون لهم نظرة مغايرة للدين تساعد على تطور فهمنا له وتماشيه مع الدساتير الأوربية الحديثة، ولنا في المستشرقين المنصفين عبرة؛ فقد ساعد هؤلاء المسلمين على معرفة جزء كبير جدا من دينهم

إقرا أيضا:

هل عمر القاهرة ألف عام فقط؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا