مقالات

سمو الأخلاق ..شاطئ جديد من سفينة الغواص

رؤية وطن

سمو الأخلاق ..شاطئ جديد من سفينة الغواص

بقلم: ممدوح الحوتي

أعزائي القراء الكرام طبتم وطاب مسعاكم وأهلا ومرحبا بكم على متن سفينة الغواص ،وستبحر بكم السفينة اليوم إلى شاطئ سمو الأخلاق.

ذلكم الشاطئ الذي قلما نجد أحدًا عليه الآن ، فقد شاع وانتشر في زماننا هذا للأسف أشياء ربما لم تكن معهودة من قبل واستُحدثت عادات وتقاليد وقيم تحت مظلة الحداثة ،والتمدن ،و التحضر ،مع أنها في الحقيقة بعيدة كل البعد عن هذه المسميات الكبيرة

وبنظرة لأخلاق الإسلام السامية التي علمها لنا رسولنا الكريم والجيل العظيم الذي تربي في مدرسته صلى الله عليه وسلم والأجيال التي تلته نجد هناك مبادئ وقيم ومثل وأخلاق تتضاءل وتتآكل الآن. لدرجة أن الخوف ينتابنا خشية أن يأتي جيل يقول ما سمعنا بهذا من قبل نحن ولا آباؤنا.

وإن كنا وصلنا بالفعل لجيل يقول ما سمعنا بهذا من قبل .. او هذا ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا..”ملناش احنا فيه.”
وبدأت تظهر مصطلحات وتعبيرات وقفشات ووووالخ
تمهد لذاك الأمر الذي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب والدمار والهلاك لأولادنا وأحفادنا والأجيال القادمة. فنسمع مثلا من يقول ” لن أعيش في جلباب أبي ، دا دقة قديمة، دا انت عايش في العصر الحجري، يا سيدي الناس طلعت القمر وانت عايشلي في المثل والمبادئ ،،،، وخذ من هذا القبيل مالا حصر له. ناهيك عن منظومةمتكاملة تلعب على نفس ذات الوتر وفي سياق متصل.

وحين أجلس أفكر وأتدبر أين أخلاق النبي ص الذي تعلمناها من سيرته العطرة ؟ وأين جيل العظماء الذين كانوا يتميزون بسمو أخلاقهم ،تلك التي كانت سببا رئيسا في نشر الاسلام في ربوع الأرض؟ لا تجد إجابة كيف تفسر ذلك الامر ؟ نجد أنها منظومة متكاملة من بيئة وأسرة ومدرسة وجامعة ومجتمع
وكل يبني لبنة في بناء هذا الإنسان. ولكن لو دققنا النظر جيدا نجد أن اللبنة الأساسية تبدأ من المعلم والطالب ولو أمعنا النظر طويلا في هذا الجانب لنجد أن هذه المنظومة تتدهور الآن

فنجد طلاب المدارس مثلا لم يعد الطالب يحترم المعلم، وعلى الجانب الآخر هيبة المعلم تكاد تندثر أو تختفي إلا في بعض الحالات الناااااادرة جدا .

أين ثقافة احترام المعلم واحتواء المعلم لطلابه ؟!! أتذكر هنا إمامنا الشافعي رحمة الله عليه في موقف يظهر فيه سمو الأخلاق في أروع صوره. انظر معي عزيز القارئ للحوار ولرقي المعلم وأدب المتعلم.

أحد طلاب اﻹمام الشافعي، اسمه يونس اختلف مع أستاذه اﻹمام ” الشافعي” في مسألة ، فقام الطالب غاضبًا .. وترك الدرس ..وذهب إلى بيته …فلما أقبل الليل… سمع صوت طرق على باب منزله، بقول: فلما فتح الباب، فوجئ بالإمام الشافعي ..
فقال له :
_ يا يونس، تجمعنا مئات المسائل وتفرقنا مسألة .. !!! .
_ يا يونس، لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات .. فأحيانا “كسب القلوب” أولى من “كسب المواقف”…
_ يا يونس، لا تهدم الجسور التي بنيتها وعبرتها .. فلربما تحتاجها للعودة يوما ما.
اكره “الخطأ” دائمًا… ولكن لا تكره “المُخطئ” .
وابغض بكل قلبك “المعصية”… لكن سامح وارحم “العاصي”…
_ يا يونس، انتقد “القول”… لكن احترم “القائل”… فإن مهمتنا هي أن نقضي على “المرض”… لا على “المريض.

لله دركم ..

أي سمو أخلاق هذا … !!!
ما راق لي في هذا الحوار الراقي جانب أو زاوية جد خطيرة جدا.

أرأيتم ماذا كان يعلم المعلم تلاميذه ؟؟؟
أرأيتم ماذا يغرس في نفسه ووجدانه من قيم ومبادئ ومهارات؟ وبطريق غير مباشر تكتبها اليوم رسائل ماجستير ودكتوراه في علم يسمى التنمية البشرية!!! .

دعك من تواضع الإمام الشافعي وهذا أمر يحتاج لمقالات منفردة لكني هنا انظر إلى الموضوع برؤية خاصة. المعلم يوصى تلاميذه بأشياء قمة في الروعة والعظمة نفتقدها كثيرا الآن .يفتقدها معلمي ومربي الأجيال في هذا العصر .

انظر للنداء الحاني من المعلم الاب الإمام الشافعي حين يقول يا يونس لا تحاول الانتصار في كل الاختلافات .. ونحن الآن نبحث عن الاختلافات بل وربما نُصعِّدها لتصير خلافات .. يعالج المعلم موقفا مع تلميذه بقوله “فأحيانا كسب القلوب أولى من كسب المواقف” حقا .. إنها أحرف من نور .

أين نحن من مفهوم “لا تهدم جسورا أنت بنيتها وعبرتها فلربما تحتاج العودة منها يوما ما مفاهيم عميقة ومعاني يندى لها الجبين فتش الآن عنها وانظر ماذا ترى؟

انظر لجمال عبارة “اكره الخطأ ولا تكره المخطئ ، ابغض المعصية ذاتها ولكن ارحم وسامح العاصي”
حقا .. فلربما يأتي يوما ويقبل الله منه ..والله يا شباب الإسلام أعظم المحاضرات والدورات التي نتشدق بها الآن تحت مصطلح التنمية البشرية تتلخص في هذه الكلمات
كم يفتقد أبناءنا وبناتنا في هذه الأيام لمثل هذه العبارة “انقد القول لكن احترم القائل” الذي نسميه بمفاهيمنا الحديثة احترام الرأي والرأي الآخر،ونحاولةاقناع الناس بهذه العبارة..ولا حياة..لمن تنادي؟

وصايا راقية ..غالية..تسمو بأخلاقنا.
هذا ما نحتاجه اليوم ونفتقده مع أجيالنا..فعلا تدبرنا ..قبل فوات الأوان. وضياع الوقت والفرص.. نحن الآن بيدنا فرص هيا نتكاتف ونستغلها ..بيدنا كوب اللبن ..فلنحافظ عليه ألا تشوبه أي شائبة وألا يسكبه من أيدينا أحد ..ثم يأتي يوم نندم فيه أشد الندم،على تلك الفرص الضائعة ،ونبكي على اللبن المسكوب .
وإلى لقاء آخر على شاطئ جديد من شواطئ سفينة الغواص.

دمتم في أمان الله .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا