مقالات

شم النسيم..مصر عبر العصور 

 

كتبت- كريمة عبد الوهاب

يعتبر شم النسيم أحد أعياد مصر الفرعونية، وترجع بداية الاحتفال به إلى ما يقرب من خمسة آلاف عام، أي نحو عام2700 ق.م.، وبالتحديد إلى أواخر الأسرة الثالثة الفرعونية وليس له أي صفة دينية، وبذلك فهو أقدم عيد غير ديني مستمر في العالم.

تاريخ العيد

ترتبط أعياد الفراعنة بالظواهر الفلكية، وعلاقتها بالطبيعة، ومظاهر الحياة؛ ولذلك احتفلوا بعيد الربيع الذي حددوا ميعاده بالانقلاب الربيعي ، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار حلول الشمس في برج الحمل وهو يقع في الخامس والعشرين من شهر برمهات وكانوا يعتقدون كما ورد في كتابهم المقدس عندهم أن ذلك اليوم هو أول الزمان ، أو بدء خلق العالم.

 

وقد أطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم عيد شموش أي بعث الحياة، وحُرِّف الاسم على مر الزمن ، وخاصةً في العصر القبطي إلى اسم (شم) وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع التي تعلن وصوله ويرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسمياً إلى عام 2700 قبل الميلاد أي في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة ، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفاً ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة أون وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.

 

كما ترجع تسمية شم النسيم بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية “شمو”، وهي كلمة هيروغليفية قديمة لها صورتان، وهو عيد يرمز عند قدماء المصريين إلى بعث الحياة ، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدأ خلق العالم كما كانوا يتصورون وقد تعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة النسيم لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، حيث يصاحب ذلك الاحتفال الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة.

الأحتفال قديماً

وقد كان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم قبل الغروب؛ وذلك ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم.

الأحتفال حديثاً

ويتحول الاحتفال بعيد شم النسيم مع إشراقة شمس اليوم الجديد إلى مهرجان شعبي ، تشترك فيه طوائف الشعب المختلفة، فيخرج الناس إلى الحدائق والمتنزهات ، حاملين معهم أنواع معينة من الأطعمة التي يتناولونها في ذلك اليوم، مثل: البيض، والفسيخ ، والخَس، والبصل، والملانة (الحُمُّص الأخضر).

 

وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص ارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم عند الفراعنة بما يمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة واستمر الاحتفال بهذا العيد تقليدًا متوارثًا تتناقله الأجيال عبر الأزمان والعصور ، حيث يحمل في طياته المراسم والطقوس والعادات والتقاليد التي لم يطرأ عليها أدنى تغيير منذ عصر الفراعنة حتى الآن.

 

وقد جذب هذا انتباه المستشرق الإنجليزي إدوارد وليم لين الذي زار القاهرة عام 1834 م فوصف احتفال المصريين بهذا العيد بقوله: يُبَكِّرون بالذهاب إلى الريف المجاور، راكبين أو راجلين، ويتنزهون في النيل ، ويتجهون إلى الشمال على العموم ؛ ليتَنَسَّموا النسيم، أو كما يقولون ليشموا النسيم وهم يعتقدون أن النسيم في ذلك اليوم ذو تأثير مفيد، ويتناول أكثرهم الغذاء في الريف أو في النيل وهي نفس العادات التي ما زال يمارسها المصريون حتى اليوم.

 

بورسعيد و اللنبي

يقوم أهالي بورسعيد بالإحتفال بليلة شم النسيم بحرق اللمبي‏ ,‏ وهو تقليد بدأ منذ أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، وأعتقد أنه قد تم نقله عن بعض الجاليات الأجنبية بشمال أوروباحيث يحتفلون بانتهاء فصل الشتاء وذلك عن طريق حرق دمية من القش‏.‏

الأحتفال عند اليهود

قد أخذ اليهود عن المصريين احتفالهم بهذا العيد ، فقد كان وقت خروجهم من مصر في عهد موسى عليه السلام مواكبًا لاحتفال المصريين بعيدهم، وقد اختار اليهود ذلك اليوم بالذات لخروجهم من مصر حتى لا يشعر بهم المصريون لانشغالهم بالاحتفال بعيدهم واتخذ اليهود ذلك اليوم عيدًا لهم ، وجعلوه رأسًا للسنة العبرية، وأطلقوا عليه اسم عيد الفصح وهو كلمة عبرية تعني الخروج أو العبور تيمُّنًا بنجاتهم، واحتفالاً ببداية حياتهم الجديدة.

 

الأحتفال عند المسيحيين

عندما دخلت المسيحية مصر جاء عيد القيامة وكان موافقًا لاحتفال المصريين بعيدهم، فكان احتفال النصارى بعيد الفصح أو عيد القيامة في يوم الأحد ، ويليه مباشرة عيد شم النسيم يوم الإثنين ، وذلك كان في شهر برمودة من كل عام.

 

أطعمة خاصة بشم النسيم

١-البيض

يشير البيض إلى خلق الحياة من الجماد، وقد صوَّرت بعض برديات منف الإله “پتاح” إله الخلق عند الفراعنة وهو يجلس على الأرض على شكل البيضة التي شكلها من الجماد ولذلك يبدو تناول البيض في هذه المناسبة وكأنه إحدى الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين، وقد كانوا ينقشون على البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل يعلقونها في شرفات المنازل أو في أغصان الأشجار ؛ وذلك لكي تحظى ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم.

 

٢-الفسيخ

يشير إلى السمك المملح حيث ظهر بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بالعيد في عهد الأسرة الخامسة، مع بدء الاهتمام بتقديس النيل ، وقد أظهر المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها لكي يتم صنع الفسيخ وقد ذكر هيرودوت المؤرخ اليوناني الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد وكتب عنها أنهم كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم.

 

٣-البصل

كان البصل من بين الأطعمة التي حرص فيها المصريون القدماء على تناولها في تلك المناسبة ، حيث ارتبط عندهم بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على المرض ، فكانوا يعلقون البصل في المنازل وعلى الشرفات، كما كانوا يعلقونه حول رقابهم ، ويضعونه تحت الوسائد ، وما زالت تلك العادة منتشرة بين كثير من المصريين حتى اليوم.

 

٤-الخس

كان الخَس من النباتات المفضلة في ذلك اليوم، وقد عُرِف منذ عصر الأسرة الرابعة ، وكان يُسَمَّى بالهيروغليفية عب، واعتبره المصريون القدماء من النباتات المقدسة ، فنقشوا صورته تحت أقدام إله التناسل عندهموقد لفت ذلك أنظار بعض علماء السويد في العصر الحديث- فقاموا بإجراء التجارب والدراسات على نبات الخس ، وكشفت تلك البحوث والدراسات عن حقيقة عجيبة ، فقد ثبت لهم أن ثمة علاقة وثيقة بين الخس والخصوبة ، واكتشفوا أن زيت الخس يزيد في القوة الجنسية لاحتوائه على فيتامين هـ بالإضافة إلى بعض هرمونات التناسل.

 

وتعد من الأطعمة الشهيرة التي حرص قدماء المصريين على تناولها أيضًا في الاحتفال بعيد شم النسيم نبات الحمص الأخضر ، وهو ما يعرف عند المصريين باسم الملانة ، وقد جعلوا من نضوج ثمرة الحمص وامتلائها إشارة إلى بداية فصل الربيع.

إقرأ أيضاً:- 

“ضريبة الكتمان” .. عندما يُصبح الصمت أغلى من الكلمات

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا