تقارير وتحقيقات

دراويش مصر وعشاقها (1)

 

كتبت سحر إبراهيم

  • يا مصر ما اكتر عشاقك

    مصر الوطن الثاني

    مصر بجغرافيتها هي قلب العالم ونقطة التقاء غربها بشرقها وقاصيها بدانيها .
    من ذا يباريها في تاريخها
    ومن ذا ينافس موقعها على الخريطة
    فمصر قبل التاريخ وله تصنع
    و إذا ما تحاور القول عن موقعها ففي قلب العالم مكانتها وموقعها ومأواها.

دراويش مصر وعشاقها(1)
دراويش مصر وعشاقها(1)

مصر بتاريخها وبناسها حاضنة لكل الجنسيات وهاضمة لكل الحضارات وناسها ليسوا فقط أولادها فقد اعتادت هذه الأرض أن تحتضن من يأتيها لاجئا ولا تصنفه بلاجئ بل ابن جديد ينضم لكنفها

أعتادت هذه الأرض على أن تبادل من يأتيها راغبا و محبا حبا بحب فلم يكن منه إلا أن يخص مصر بمكانة خاصة في قلبه ليست عن مكانة وطنه ببعيدة. اعتادت تلك الأرض أن تمنح من يزورها صك العودة والانتماء إليها يكفيه أن يشرب من نيلها شربة راوية مشبعة .

مصر تاريخها يشهد بسحرها على مر العصور منذ عصر الإسكندر الأكبر وحتى عصرنا الحالي يزداد العشاق عشقا وتختفي أمام عشقها فروق الجنسيات و تتوحد عندها لغة الانتماء .فعلى بابها لم يعد الانتماء بطاقة مختومة وأوراق ممهورة بإمضاء الشهود بأن صاحب الهوية مصري أبا عن جد فهناك مصريون حتى النخاع رغم أنهم لا يحملون الجنسية المصرية.

مصر وإن جارت مكانها في القلب العزيزة
بل والغريب أن الغريب يرضي بما يأتيه من عناء في حبها ويتقبل أي شقاء في سبيل قربها.

دراويش عشق ومريدون يتغنون بمصر

كَم ذا يُكابِدُ عاشِقٌ وَيُلاقي
في حُبِّ مصر كَثيرَةِ العُشّاقِ
مصر كانت حلم الفارس الأكبر

الإسكندر الأكبر

دراويش مصر وعشاقها(1)
دراويش مصر وعشاقها(1)

رؤية وطن 

أول عاشق يذكره التاريخ كان الإسكندر الأكبر
أو الإسكندر المقدوني أعظم الفاتحين، فقد غزا معظم أجزاء العالم وهو ابن الملك “فيليب” ملك “مقدونيا” شمال بلاد اليونان (الإغريق)، وقد تولى الحكم و عمره لا يزيد على عشرين سنة.
نجح “الإسكندر” فى فتح مصر عام 332 ق.م، ورحب به المصريون، لأنهم اعتبروا أنه خلاص لهم من حكم الفرس وشعر الإسكندر بتعاطف الشعب المصري معه، الأمر الذي شجعه على التقرب منهم، حيث زار معبد آمون فى واحة سيوة، وقدم القرابين، فمنحه الكهنة لقب “ابن آمون”.وقد حرص على معاملة المصريين معاملة طيبة وأظهر احترامه الكامل للديانة المصرية ولعادات المصريين ثم عبر النيل ووصل الى منف فاستقبله المصريون كمحرر بطل ومخلص من قسوة الفرس وحرص على أن يتوج فرعونا فى معبد بتاح ووضع على رأسه تاجا من قرنى الكبش رمز آمون رع وقد عرف فى تاريخ الشرق بإسم ( ذى القرنين ).
كان الاسكندر معجبا بالحضارة المصرية والشعب المصري الذي استقبله بحماس،فقام ببعض الإصلاحات للمعابد المصرية وتجديد معبد الكرنك وإقامة مقصورة له بجوار مقصورة تحتمس الثالث .
وعمل على بناء مدينة له فيها. لذلك قام “الإسكندر” بإنشاء ميناء كبير يحمل اسمه في القسم الشمالي من مصر يكون مركز إشعاع للحضارة الإغريقية، ليلتحم ويتلاحق مع حضارة مصر والحضارة الفارسية العريقتين. واتخذ مدينة الإسكندرية عاصمة للحكم اليونانى فى مصر ورمزا له يخلده التاريخ
وبالرغم من أن الفترة التى قضاها الإسكندر الاكبر فى مصر قصيرة لا تتعدى 6 أشهر لكنها كانت عامرة بالأحداث والإصلاحات التى حولت مصر وأدخلتها فى فلك الحضارة الاغريقية ؛ وعندما غادر الإسكندر مصر كان يتمنى أن يعود إليها مرة أخرى ولكن القدر لم يحقق له هذا الرجاء إذ انه عاد محمولا محنطا فى تابوت عام 323 ق.م ليدفن فى الإسكندرية عاصمة ملكه والبقعه المفضلة عنده ولم يكن قد تجاوز 33 عاما

مصر التي في القلوب الشاردة وطن

بيرم التونسي

دراويش مصر وعشاقها(1)
دراويش مصر وعشاقها(1)

مصر وطن بالاختيار لا بالميلاد لذا كان بيرم التونسي معجون بمصرية لا يمكن أن تخطئها والأغرب ما يلقاه بيرم دفاعا عنها وطلبا لحريتها

نفهم أن يكون ذلك حال المصري الذي ولد بها وتجنس بجنسيتها ولكن ما بال غير المصري و يحتمل من العناء ما لا يطاق ويشارك المصريين انتمائهم ويقف في المصاف الأولى في الدفاع عنها بل ويحتملون منها جفاءا واقصاءا
يوم أن كان الإقصاء والنفي خارج البلاد عقابا
مصر وإن جارت علي عزيزة
بيرم التونسي الشاعر …ومرة أخرى مدينة الاسكندرية في حي الأنفوشي بالسيالة ولد لأب تونسي الأصل عام 1893.
وبين نقطتي البداية والنهاية كانت حياة غنية بالشعر والسياسة و في كلاهما كان حب مصر.
كانت قصيدة المجلس البلدي أولى القصائد التي ذاع من خلالها صيته وفيها وجه انتقادات حادة للمجلس البلدي لفرضه ضرائب كبيرة على السكان.
ويقول في قصيدة المجلس البلدي:

قد أوقع القلب في الأشجان والكمد: هوى حبيب يسمى المجلس البلدي

وبعده كان لقاء بيرم و سيد درويش بدايته في تقديم شعر مغنى له الطابع السياسي وما تحمله من انتقادات للأسرة المالكة وعشقا لمصر. نذكر لهما أوبريت رواية شهر زاد الذي أشعل القوة في المصريين لمواجهة الإحتلال و محفور في الذاكرة مطلع هذا الأوبريت :
“أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الإهرمين”.
شارك بيرم كأي مصري غيور في ثورة عام 1919 وكتب قصائد منها “البامية الملوكي والقرع السلطاني” والتي أدت إلى غضب الملك فؤاد فأصدر مرسوما بنفيه إلى تونس نعم تونس بلده و منشأه ولكنه لم يتحمل البعد عن مصر .وبعد عام ونصف العام تحايل على الوضع ونجح في العودة متخفيا إلى مصر ليلقى القبض عليه بعد 3 أشهر وينفى مجددا إلى فرنسا.
وفي هذه الفترة كتب يقول:
الأوله آه والثانية آه والثالثة آه
الأوله مصر قالوا تونسي ونفوني جزاة الخير واحساني
والثانية تونس وفيها الأهل جحدوني وحتى الغير ما صفاني
والثالثة فرنسا وفي باريس جهلوني وأنا موليير في زماني

وفي عام 1938 نجح التونسي في التسلل مرة أخرى عائدا إلى مصر عبر ميناء بورسعيد، وقد أصدر الملك فاروق عفوا عنه فشرع في العمل بالصحافة.
وفي عام 1960 حصل بيرم التونسي على الجنسية المصرية وبعدها بعام واحد توفي متأثرا بالربو. تاركا لنا مواويل العشق التي لا تنتهي في مصر :

  • شمس الأصيل دهبّت
    خوص النخيل يا نيل
    تحفة ومتصورة
    فى صفحتك يا جميل
    والناي على الشط غنى
    و القدود بتميل
    على هبوب الهوا
    لما يمر عليل
    يا نيل أنا واللي أحبه
    نشبهك بصفاك
    لانت ورقت قلوبنا
    لما رق هواك
    وصفونا في المحبة
    هو هو صفاك
    ملناش لا احنا ولا انت
    في الحلاوة مثيل
    فهل من الممكن أن تتخيل كم الفرص التي نالها بيرم ليبتعد و يعيش حياة أخرى خالية من المطاردات والترصد ورفضها عشقا لمصر وترابها .

ومازال للحديث بقية ومازال لعشاقها حكايات .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا