مقالات

ألم يجدك يتيما فآوى

بقلم : حنان مرسي

– لحظات حزينة من حياة الصادق الأمين.

– أشد حالات اليتم عاشها أشرف خلق الله.

– عانى الحرمان من حنان الأبوين فأصبح بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً.

– اليتيم الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه.

– فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم.

تتردد على ألسنتنا أحيانا مقولة “فاقد الشئ لا يعطيه” لكننا عندما نتأمل حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم نتأكد من خطأ هذه المقولة فقد عانى وحُرِم من حنان وحضن الأبوين في سن صغيرة إلا أن ذلك كان سبباً في رقة قلبه ورحمته التي تفيض على أمة كاملة.

ألم يجدك يتيما فآوى
ألم يجدك يتيما فآوى

يتيماً وهو في بطن أمه

تزوج والد الرسول  عليه الصلاة والسلام “عبد الله بن عبد المطلب” من السيدة “آمنة بنت وهب” وبعد شهر أو أقل خرج في تجارة في غزة من أرض فلسطين، و أثناء العودة مرض فتوجه الى أخواله من بني النجار في المدينة، وازداد عليه المرض وتوفي ودُفِن في المدينة.

فتيتم الرسول وهو في بطن أمه وهذا أشد أنواع اليتم فما ضمه حضن الأب وما أحس بكلمة “أبي“.

وكانت أمه تحمله جنيناً في بطنها في الشهر الثاني فتلقت ذلك الخبر بِجَلَد وكان الله يريها في منامها بشارات بأنها تحمل جنينا له شأن عظيم إلى أن جاء يوم مولده في ليلة الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل.

ذلك اليوم الذي ارتج فيه إيوان كسرى وسقطت أربعة عشر شرفة من شرفاته وإنخمدت نار فارس التي لم تخمد من ألف عام وغيضت بحيرة ساوة وإنتكست أصنام مكة وإمتلات الدنيا نورا لقدوم خير خلق الله وأغلاهم عليه.

ألم يجدك يتيما فآوى
ألم يجدك يتيما فآوى

للمزيد من المقالات اضغط هنا

الحبيب يفقد حبيبته

قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة رضاعه عند حليمة بنت أبي ذئيب السعدية من “بني سعد بن بكر” وظل عندها حتى أتم الرضاع في سن السنتين فانتقل للعيش مع أمه حتى بلغ سن السادسة.

أرادت السيدة آمنة زيارة قبر زوجها وزيارة أهل زوجها وفاءً وإخلاصاً لذكراه فأخذت معها محمد وأم أيمن “بركة أم أسامة بن زيد بن حارثة“، وساروا في الصحراء مسافة خمسمائة كيلو إلى أن وصلت إلى القبر ولنا أن نتخيل ذلك الصبي الصغير في هذه اللحظة وكم الدموع المنهمرة من عينيه وهو يقف أمام القبر وكم الأسي الذي شَعُر به.

وبعد إنتهاء الزيارة خرجوا في طريقهم للعودة إلى مكة وساروا حوالي مائة وخمسون كيلو وعند منطقة الأبواء تعبت آمنة وسقطت، ووقعت الكارثة الكبرى على محمد بموتها، فمن له في هذه الدنيا بعدها ؟ وما كل هذا الحزن الذي يعتصر قلبه الصغير ؟

وكانت آخر كلماتها :

بارك فيك الله من غلامِ

يا ابن الذي من حومة الحِمامِ

نجا بعونة الملك المنعامِ

ففدى غداة الضرب بالسهامِ

بمائة من إبلٍ سوامِ

إن صح ما أبصرت في منامِ

فأنت المبعوث إلى الأنامِ

تُبعَث في الحِل والحرامِ

تُبعَث بالتوحيد والإسلامِ

ماتت أمام عيني الحبيب عليه الصلاة والسلام طفل السادسة ودفنت أمام عينيه فكل المشاهد الحزينة في الدنيا تجمعت في هذا المشهد.

في حفظ الله ورعايته

عاد  الحبيب عليه الصلاة والسلام وحيدا إلى دار جده عبد المطلب الذي كفله ورعاه حتى سن الثامنة فانتقلت كفالته لعمه أبو طالب بوصية خاصة من جده، وظل في كفالته حتى بلغ سن الرشد لازمه فيها عمه ولم يتركه ولم يسلمه لأحد قريب كان أو بعيد حتى توفى في السنة الحادية عشرة من البعثة “عام الحزن

الحكمة من يتم الرسول

وهنا نتسائل لماذا مر الرسول بكل هذه المراحل الحزينة في حياته؟

فالحقيقة تتجلى في حكمة الله وتدبيره في هذه الأحداث فهي مراحل إعداد لرسول الإنسانية لحمل أشرف رسالة في الكون فالله يعده لأمر عظيم وسيمر بأحداث جِسام فيجب أن تصقل شخصيته فتكون صفاته المكتسبة من هذه المعاناة متمثلة في:

– تحمل المسئولية من الصغر

– يصبح لين القلب لما مر به من أحداث حزينة فيلقي الله بذلك محبته واحترامه في قلوب كل من يتعامل معه ويكون ذلك تهيئة للإيمان برسالته.

– سعة الصدر والتواضع وتحمل حياة الفقر.

وحتى يكون وحيدا لا سند له غير الله ينصره ويدعمه ولا يستند على أب يبث فيه أفكار أو معتقدات لمصالح شخصية

ويكون قدوة لمن بعده من الأيتام ففي يتمه تكريم لليتيم وتقوية له على مواجهة الحياة فكانت أحاديثه الموجهة لرعاية الأيتام

عن سهل بن سعد رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما” رواه البخاري

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك ” رواه الطبراني

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “من وضع يده على رأس يتيم رحمة كتب الله له بكل شعرة مدت على يده حسنة” رواه الإمام أحمد

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال: وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر” رواه البخاري ومسلم.

فلا يمكن أن يشعر بهذه الأحاسيس الدقيقة والمؤثرة في الأيتام إلا لمن كان منهم فربنا رب العزة لم يحرم إلا ليعطي ولم يمنع إلا ليكرم كلٍ بقدر وصدق ربنا حين قال في كتابه العزيز :

“وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)”

صدق الله العظيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا