مقالات

أنت الحياة

بقلم : ريهام المكاوي

هل تعلمت شيئًا من الحياة؟

علمتني الحياة أنك أنت سر الحياة، “من أنت؟”، أنت الإنسان الذي خلقه وصوره الرحمن، أنت في شخصك وتكوينك وشخصيتك، أنت في نفسك وخصائصك، نعيش طوال العمر بشخصيات زائفة وهويات زائفة، نكتسبها عن أنفسنا من خلال الأسرة أولًا ثم من خلال المدرسة والمجتمع والأشخاص الذين نتعامل معهم في مراحل حياتنا المختلفة، يقوم الأب على سبيل المثال بالسخرية منا في شيء ونحن أطفال، فنعتقد أننا فشلة لا نصلح لشيء في الحياة، تقوم الأم بتهميش دورنا في الطفولة فنشب معتقدين أننا ليس لنا كيان وليس لنا شخصية، يُطلق المعلم الفلاني هذا اللقب علينا فنعتقد على أنفسنا الفشل وأننا لا نصلح لشيء، يطلق علينا المجتمع أحكام و يضعنا في قوالب فنعتقد أن هذه القوالب وشكل الحياة هى الصحيحة عنا وأنها الشكل الوحيد المناسب لحياتنا.

أنت الحياة
أنت الحياة

للمزيد من المقالات اضغط هنا

وهكذا لا نتعلم ولا نرى سر الحياة ولا نقدر انفسنا أو نحكم عليها بطريقة صحيحة، في الحقيقة أنك الحياة، أنت الحياة في شكلك وتكوينك، أنت الحياة في حلك وترحالك، أنت الحياة في أفكارك ومعتقداتك، أنت الحياة في نفسك والحياة هى أنت، فكل ما يحيط بك إلى زوال، وجميع الأشخاص متغيرين في حياتك، إلا أنت من ستبقى لنفسك، والشعور بالحياة والشعور بطعمها أن تكون على طبيعتك، أن ترى نفسك الحقيقية وأن تفعل ما يعبر عنك وليس ما يعبر عن المجتمع.

تسير في الحياة وتؤدي إنجازات هائلة من وجهة نظر الناس، إنجازات بطعم الكيكة بالشيكولاتة، ولكن في حقيقة الأمر هى إنجازات مزيفة لم تعبر عنك، ولن تعبر عنك، لذلك لا تجد صداها في نفسك الحقيقية وتسير في الحياة تشعر بالخنقة، وتشعر أنك لست على ما يُرام، لأنك ببساطة قد تعودت طوال العمر أن تحقق توقعات الناس منك، وإن كان هذا على حساب نفسك، تعودت أن تعيش الحياة بصورة وطريقة معينة يفرضها عليك المجتمع والعائلة، وإن كانت هذه الصورة لا تتوافق مع شخصيتك وقيمك.

تتكون شخصيتك وتتشكل نتاجًا لتربية معينة ونتاجًا لمخرجات معينة في المجتمع، وتعتقد أن هذا هو أنت في حين أن الحقيقة، أن هذا وهم كبير وخداع زائف، فأنت الحقيقي لم تعرف نفسك على الإطلاق ولم تحبها على الإطلاق ولم تقدرها على الإطلاق، أنت الحقيقى قد عشت تائهًا متخبطًا في الحياة لا تدري عن نفسك شيئًا، أنت الحقيقي قد عشت طوال عمرك بما يطلق عليه “علماء النفس” النفس الإجتماعية، تلك النفس التي علمتك أن تحقق توقعات القريب والبعيد منك على حساب نفسك الحقيقية.

في ثقافتنا ومجتمعنا قد اكتسبنا أشياء كثيرة خاطئة عن أنفسنا، حتى أننا قد تعودنا أن نكتم أصواتنا الداخلية، أصواتنا التي تقول لنا، “أحب هذا وأريد هذا؟”، ولكننا قد تعلمنا تجاهلها في مجتمع لا يعرف كيف يعلم أفراده أن يكونوا أنفسهم الحقيقية، بدءًا من الألقاب التي يسمعها الطفل عن نفسه منذ مرحلة الطفولة فيعتقد أنها هو وأنه هذا الإنسان فيتعلم امتهان نفسه، وانتهاءًا بشكل الحياة والمستقبل التي يفرضها عليه المجتمع والناس.

لم نتعلم أن نصدق أصواتنا الداخلية وأن نسير ورائها، وكذلك لم نتعلم أن نكون أنفسنا الحقيقية، لم نتعلم أن نكون أى شيء في الحياة سوى ما يريده الناس منا وسوى توقعاتهم منا، لم نتعلم شكلًا للحياة يختلف عما يعيشه من حولنا من الناس، تعلمت نفسنا أن تخضع لأحكام الناس وتقييمهم لها، أكثر من أن يرى الإنسان نفسه بشكل موضوعى ويعتز بها.

تعلمنا ألا نحب أنفسنا بالشكل الكافي والقدر الصحيح حتى نستطيع أن نحب غيرنا، تعلمنا التلون بأشكال كثيرة من الألوان الإجتماعية بما يدفن نفسنا الحقيقية، فهذا الذي يريد جمع المال ويبني لنفسه أسطورة يتباهى بها لكى يعوض أيام حرمان قد عاشها في طفولته وحياته، وهذه التى تسعى إلى زواج وإنجاب وتحيا حياة لمجرد أن المجتمع يقدسها ويقرها وتتباهى بزوجها وأطفالها، وهذا الذي يسعى إلى درجة علمية معينة يعتقد أنه بها سيرتفع شأنه ويكون إنسانًا وغيرهم الكثير، من مظاهر اجتماعية زائفة.

في حقيقة الأمر أن كل هذا وهم وخداع وزيف، وكل هذا محاولات خارجية لتغطية مشاعر داخلية بالنقص وعدم القيمة، فالأمان الحقيقي والتقدير الحقيقي يبدأ من داخل الفرد لنفسه، بعيدًا عن أى محاولات خارجية زائفة للتغطية على النفس، وكل ذلك لأن هذا ما تعودنا عليه وما وجدناه في مجتمعنا وثقافتنا، فلا يتعلم الطفل منذ صغره كيفية تقدير نفسه التقدير السليم الصحيح وأن يرى نفسه في صورة موضوعية.

لم نتعلم أن طعم الحياة الحقيقي هو في طعم شخصيتنا، هو في طعم هواياتنا الصغيرة، هو في طعم قلوبنا الصغيرة وأمنياتها التي تتمنى أن تكون عليها، في الأشياء التي نحب أن نفعلها ونقوم بها حتى وإن لم تجلب إلينا عائد مادى كبير، كل ذلك لم يعلمه لنا المجتمع ولن يعلمه، بل نحن من سنتعمله بأنفسنا بأشكال العلم والمعرفة الأخرى.

فإن كان لك أن تتخيل أن نصف ما اكتسبته على الأقل من تربيتك ومن مجتمعك وبيئتك وثقافتك عن نفسك وعن الحياة هو محض وهم وزيف وخداع، فلك أن تتخيل كيف سيكون الأمر إن قمت بوضع نفسك في قوالب جديدة وأنماط جديدة وأشكال جديدة، وقمت بتخطي حواجز العمر وبناء شخصيتك من أول وجديد.

تحقيق توقعات الناس منا وإن كان ذلك على حساب أنفسنا الحقيقية لن يفيد بشيء، لن يفيدك شيئًا إن كنت قاطعًا مع نفسك الحقيقية ومتخاصمًا معها، فهذا هو ما يسبب لك التعاسة والشقاء في حياتك وفي نفسك، وإن كان شكل حياتك من الخارج يحتوي على إنجازات عظيمة ومبهرة على حساب نفسك الحقيقية.

فهل علمت الآن أن يكمن طعم السعادة الحقيقي، طعم السعادة الحقيقي ينبع في تذوق شخصيتك من الداخل وفي التواصل مع نفسك، يكمن في آرائك وهواياتك الصغيرة التي تعلمت أن تقلل من شأنها على مدار الحياة، يكمن في تفاصيل حياتك البسيطة والاستمتاع بها ورؤية نعم الله عليك، يكمن في التطوير الحقيقي وفي فتح آفاق ومدارك العقل الحقيقية، ولا يكمن في انتظار حدث كبير في الحياة يجلب إليك السعادة أو لكى يجعل للحياة طعمًا فأنت أنت الحياة وما دون ذلك فهى أعراض زائلة في حياتك، سرعان ما يخبو بريقها وتعود إلى نفسك الحقيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا