التاريخ والآثار

الكتان وبراعة المصري القديم

 

بقلم الباحثة/ مي نعمان

يعتبر الكتان من أقدم النباتات التي كانت تُزرع في مصر منذ عصر ما قبل التاريخ، والمصريون القدماء أول من زرعوا الكتان وغزلوه و استخدموا أليافه في صناعة المنسوجات وكانوا يسمونه ” mhi” محى أو محو ” كما أطلقوا على نسيج الكتان إسم “مك”. ولقد بلغ اهتمام المجتمع به لدرجة التقديس حيث اعتقدوا أن الإله أوزوريس قد كان به بعد موته وكان لهذه العقيدة أثر كبير فى أستخدام الكتان فى النسيج حتى العصور المتأخرة.

وذكر “هيرودوت” أن الكُهان كانوا يرتدون الملابس الكتانية البيضاء أثناء قيامهم بالطقوس الدينية فلقد كانت رمزاً للطهارة فى نظرهم دون سائر الألياف الأخرى، كما كانوا يرفضون إدخال الجثث الغير مُكفنه به إلى المعابد؛ ولا زال هذا الإعتقاد سائراً بين بعض المصريين إذ يعتقدون أن أحسن الأكفان هي التي صُنعت من الكتان، حيث وجد نوع من المنسوجات منه ظل مُستخدما حتى السنين الأخيرة يسمى” المرحومى”.

اعتقد المصريون أن الإلهة “نايت ” هي التي ابتكرت فن النسيج كما أن هناك مُتوناً عديدة تشيد بملابس الألهة ولفائف الموتى، وكانت صناعة النسيج بصفة عامة من تخصص السيدات فقد سبق للإلهة “إيزيس ونفتيس ” أن ” نسجت وغزلت وبيضت” ملابس أخيهما أوزيريس. وقد عُثر على صورة على أحد جدران قبور بنى حسن من عصر الدولة الوسطى تمثل امرأتين تقومان بنسج الكتان على النول اليدوى.

كانت المنسوجات المصرية عامة تُصنع من الكتان ولذلك لقت زراعته وإعداده اهتماماً خاصة فقد زرعت بذوره فى الأرض بعد هبوط النيل عقب موسم الفيضان ويترك النبات ينمو حتى يتم نضجه ، وكان يُزرع في كثير من المدن وقد اشتهرت بزراعته بصفة خاصة ” صا الحجر” و بوتو ” تل الفراعين، وحول “منف” فى البدرشين حيث قامت هناك حقول واسعة تزرع أجود الأنواع.

الكتان وبراعة المصري القديم
الكتان وبراعة المصري القديم

أما بالنسبة لأنواع الكتان: وجدت خمسة أنواع من الكتان مكتوبة على جدران بعض قبور عصر الدولة القديمة أهمها ما كان يُزرع فى “بوتو ، تانيس ، دندره”.

وعن حصاده : كثيراً ما نشاهد على جدران القبور صوراً تمثل جنى الكتان وحصاده إلى جانب حصاد القمح ( كانت هذه الصور تُفسر خطأ أنها جنى الذرة) فكانت سيقان الكتان تقلع للحصول على أطول خيوط ممكنة وتُحزم فى مجموعات تربط وتترك فى الحقل لتجف، وكانت الحزم تربط من الوسط وعندما يُقتلع الكتان من جذوره يُنقل إلى الجرن لإجراء عملية التنفيض ثم يُحمل إلى رجل مسن يقوم بنزع رؤوسه بما تحتويه من بذور ثم يُمشط بمشط مثبت على الأرض متفاخراً بعمله الذي يقوم به، وعثر على صوره على أحد جدران قبور الأسرة السادسة تمثل قلع الكتان وربطه حزماً ثم قيده بمعرفة كاتب الزراعة.

ولكن لماذا يحصل الكتان على كل هذه الأهمية؟ نجد أن الكتان يتميز بقوة احتماله التي تعادل مرتين ونصف من قوة احتمال القطن، وتمتص المنسوجات الكتانية الرطوبة وتعزل الحرارة لذا فهي أنسب رداء للإنسان فى الجو الحار الرطب.

ولم تكن فائدة الكتان قاصرة على المنسوجات ولفائف المومياوات فقط بل تم استخدامها في صنع شباك صيد السمك والطيور والحبال والأعلام وقلوع المراكب، كما أُستخرج من بذوره زيت أستخدم فى الطقوس الدينية داخل المعابد وكذلك فى الطعام والطب والتدليك والتحنيط وغير ذلك من الأغراض المختلفة، كما أُستخدم فضلات عيدان الكتان بعد دقها فى حشو بعض أثاث المنازل، وكانوا يُضيفونه إلى الطين لزيادة تماسكه أسوة بالتبن ولاتزال هذه الطريقة مُستعملة حتى الآن.

الكتان وبراعة المصري القديم
الكتان وبراعة المصري القديم

وتدل اللغة المصرية القديمة نفسها على أن فن تضفير أعواد النبات كان فى وادى النيل أصلا لفن النسيج فكان يُعبر عن التضفير بكلمة “سخت” وعن النسيج بكلمة ” سخت.نج” ومعناها الأصلي ” التحضير بخيوط الكتان “. كما نلاحظ فى معظم الأحيان أن الملابس الكتانية قد رُسمت على جدران المقابر باللون الأبيض وهو أمر طبيعي لأن معظم الأنسجة التي استخدمت فى الملابس كانت بيضاء.

وقد عُثر فى أحد قبور سقارة من الأسرة السادسة على لباس داخلي وطاقية وقطعة جميلة من الكتان قام بصنعها الملك “ببي”، وعثر أيضاً على ملاءة من الكتان طولها حوالى عشرين متراً فى تابوت الأميرة ” مايت”، وفى أحد قبور طيبة من الأسرة الثامنة عشرة عثر على ثلاثة نماذج من الكتان ذي الطيات فى غاية الدقة والإبداع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا