مقالات

المهرجانات الشعبية سرطان المجتمع والفن

بقلم: بيمن خليل

ما يميز أي مجتمع مهما إن كان أمام نفسه والعالم هي علمه وثقافته وآدابه وفنونه، فلا نستطيع أن نعلن قيمة وتقييم مجتمع عن الآخر إلا بهذه المعادلات إن اكتملت، فإذا حدث خلل ولو بسيط في هذه النسب تتراجع الدول أعوامًا كثيرة إلى الخلف و تسبقها دول أخرى سنينًا ضوئية إلى الأمام، كأننا في سباق بين الواقع و الخيال، فالخيال يحاصر بشدة ويجسد نفسه بسرعة كبيرة فيحتله، ويفرض نفسه على الواقع بحتمية الوجود فيكون له الوجود بأكمله، فالمجتمع الذكي الذي يهتم ببناء ثقافته ويطور في علومه هو من يستطيع أن يستغل هذا الخيال المحلق بنفسه فوق منهم معلنًا وجوده (كأنه يقول ها أنا هنا فأوجدوني)، وبرغم أن الخيال معلن نفسه أمام الجميع ألا أن العقل الفاسد للمجتمع لا يستطيع أن  يدركه أو يوجده.

من زمن قريب وأنا في فكري أن أكتب في هذا الموضوع بمقالة تلخص معاناة مجتمعنا المصري بالتحديد، ولكن ها هي قد أتاحت لي الفرصة للتعبير من خلال نافذة صحفية وأدبية رائعة (كرؤية وطن)، تتيح لنا ككتاب التعبير بحرية عن ما نراه سلبي لنسلط الضوء عليه، وعلى ما نراه إيجابي وندعمه ونكتبه للناس حتى نصل جميعًا إلى مرحلة الاستفادة، فرؤية وطن هي بمثابة دار كبيرة تتبنى كتاب رائعين ذو فكر وذو نهج ومنهج وثقافة.

ظهرت في الفترة الأخيرة ومنذ أعوام قليلة ظاهرة المهرجانات الشعبية وقد اجتاحت بشدة كل المجتمع المصري وسيطرت عليه وعلى عقول وأذواق الناس وسرت في دماء شبابه حتى اكتنزت داخلهم وقيدت عقولهم، وأفسدت أذواقهم وثقافتهم، كانت كالسم الذي عندما يسري في دماء الإنسان يقتله في الحال، أو كالسرطان الذي إن أفسد شيء لن نستطيع علاجه فتكون النتيجة بعد وقت من الزمن هي الموت، هذا هو وصفي وتعبيري عن هذا السرطان الذي انتشر سريعًا جدًّا وبسرعة مخيفة في مجتمعنا المصري (سرطان الانحدار الفني أو كما يقال المهرجانات الشعبية).

المهرجانات الشعبية سرطان المجتمع والفن
المهرجانات الشعبية سرطان المجتمع والفن

للمزيد من المقالات اضغط هنا

نحن أمام مرض خطير وللأسف لا نحاربه ولا نحاول أن نستأصله، بل ندعمه ونساعده على الانتشار والنجاح في مجتمع قاعدته الثقافية باتت غير موجودة.

عندما ظهر هذا اللون منذ سنوات قليلة وخصوصًا بعد ثورة يناير بدأ هذا النوع في الانتشار بشدة، توقع المثقفين بأن ينتهي بعد مدة مراهنين بثقافة الشعب المصري ووعيه ورقية وتذوقه للفن ولكن حدثت الفاجعة التي لم يكن يحسب لها أحد و خابت توقعاتهم ورهاناتهم، فقد انتشرت المهرجانات بصورة كبيرة وخطيرة لتحتل قاعدة المجتمع المصري كله وتكون هي أول المظاهر والصور التي تدل على ثقافة الإنسان المصري أمام العالم.

ماذا فعلت المهرجانات الشعبية غير أنها أفسدت أخلاقيات الشباب، قل الاحترام، اضمحلت المبادئ وصارت معدمة، كثرت الجرائم، وازداد الكره والبغض، ابتعد الناس عن الله وعن كتابه عن تعاليمه وعن وصاياه، اجتاح المجتمع حالة من الغوغاء والضجيج كبيرة، فأثر ذلك على كل شيء جميل كالفن والأدب والعلوم صارت بلا قيمة أمام هذا السرطان المزمن.

نحن لسنا أمام ظاهرة بدأت وستنتهي بل أمام مرض مزمن إذا استمر أكثر من ذلك سيقضي على كل شيء جميل اعتدنا عليه و صنعناه، ستقضي على تاريخنا الجميل كله وتصنع تاريخًا آخر يكون مثاله الأول العشوائية والبلطجة.

فالفن هو منارة لأي حضارة وتاريخ على مر العصور وعندما يصل بنا الحال إلى ما نراه الآن يجب أن نبكي بحسرة وندرك ما نحن عليه وعلى الدولة أن تدرك هذا وتسترجع تاريخنا وحضارتنا الفنية من خلال إعلان الحرب على هذا المرض والسرطان (المهرجانات الشعبية) حتى لا يتفشى أكثر ويأكل جذورنا القوية ويصنع لنا مجتمع جديد أما العالم مجتمع جاهل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا