مقالات

التعليم الفني : وصمة الحاضر وصفقة المستقبل

بقلم : سحر إبراهيم

في عصر لم تعد فيه معرفة التكنولوجيا والأعمال التقنية رفاهية، آن الأوان أن ننظر لمجالات كثيرة بشكل مختلف بعيدا عن الشائع والمألوف وعلى رأس تلك المجالات التعليم الفني والتقدير الرسمي والمجتمعي لمدى أهميته وأحقيته في صدارة المشهد دون الأساليب النمطية للتعلم.

وإذا تقصينا مايحدث فى مجال التعليم الفني على مستوى التصريحات الرسمية فإن التوجه الآن للاهتمام بتطويره ودعمه لربطه بسوق العمل، وتغير نظرة المجتمع المصري له على أنه تعليم أقل من التعليم الثانوي فشاهدنا تشجيع الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن فعاليات منتدى شباب العالم ودعوته للاهتمام بالتعليم الفني وضرورة تغيير الثقافة المصرية فيما يتعلق بخريجي التعليم الفني قائلا : “محتاجين نغير ثقافتنا كمصريين بأننا لا ننظر فقط إلا لخريج الشهادة الجامعية، في الوقت الذي ننظر فيه إلى الفني مهما كانت كفاءته وقدرته على تقديم عمل جيد بشكل غير مناسب “.

وأكد أن الدولة سوف تتوسع في إنشاء المدارس التكنولوجية وأنه أصبح لدينا 10 مدارس تطبيقية تكنولوجية في مصر بعدما كان العدد 3 مدارس فقط.

ونذكر أيضا تصريحات للدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بأنه ليس أمام مصر سبيل لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية دون الاهتمام بالتعليم الفني، وإحداث نقلة نوعية فيه من خلال تخريج كفاءات تلبي احتياجات سوق العمل، وتكون جودتهم موازية لمستويات الخريجين على مستوى العالم.

بينما بالنظر للأمر على أرض الواقع وعلي المستوى المجتمعي نجد الأمر مختلف علي مستويات عديدة و يحتاج لكثير من تغيير المفاهيم ليس فقط في توجهات الدولة بل نحتاج أيضا لتغيير مفهوم المجتمع.

التعليم الفني : وصمة الحاضر وصفقة المستقبل
التعليم الفني : وصمة الحاضر وصفقة المستقبل

للمزيد من المقالات اضغط هنا

الشواهد كثيرة تكشف لنا مدى القهر والعنصرية الذي يتعرض لها هؤلاء الذين اتجهوا واختاروا السير عكس التيار نحو التعليم الفني:

– أم فوجئت برفض أحدى المدارس قبول ابنتها والسبب أنها تعليم متوسط رغم أن الأب تعليم عالي وبالرغم من أنها حاصلة على كورسات عديدة سواء في اللغة الإنجليزية أو الكمبيوتر بل وتمتلك مشروعها الخاص وعلى مستوى المظهر فهي تبدو شيك ومثقفة السبب الوحيد للرفض كان تعليمها المتوسط وعليه لايحق لها أن تحلم لأبنائها بتعليم أفضل أو مدرسة متميزة، أي ظلم هذا الذي يوئد حلم أم ويوقف طموح طفلة.

– شاب طموح استطاع بعد تخرجه من التعليم الفني أن يعمل في ورشة ميكانيكا ويسعى للاسنقلال بعمله ويتميز في تخصصه ويفضل ذلك على أن يلتحق بكلية هندسة رغم مجموعه المميز مثل هذا الشاب قد لايكون (عريس لقطة) لجامعية شابة من عائلة متوسطة.

– مجموعة من الأصدقاء المقربين حتى المرحلة الأعدادية استطاعوا جميعهم الالتحاق بالثانوي العام فيما عدا صديق لهم توجه للتعليم الفني إما أن يطالب الأهل بالابتعاد عنه أو يضطر الصديق للابتعاد لشعوره بأنه أدنى منهم.

– في مستوى ثقافي معين إذا فشل الابن في الحصول على مجموع ثانوية عامة طبقا لقدراته يفضلون أن يعيد السنة على أن يلتحق بالفني وإن حدث وكان أحد الأبناء دون أخواته قد التحق بالتعليم الفني فستظهر أشكال عديدة للتمييز و المعايرة.

نماذج كثيرة موجودة حولنا سواء من التمييز أو المعايرة تؤدي لضياع الفرص والأفضلية دائما لمن فاز بالالتحاق بركب الأغلبية.

ويبدو لي أن الجميع يريدون أن يكونوا أطباء ومهندسين على حساب المهن الأخرى التي لا تتطلب دراسة جامعية عالية، لذا لابد أن نقف جنبا إلي جنب مع مجهودات النهوض بالتعليم الفني و أن نحارب من أجل تغيير نظرة المجتمع تجاه خريجي المدراس الفنية، التي نعتبرها شهادات دونية ولا ترقى إلى مستوى وأهمية الشهادة الجامعية.

التعليم الفني : وصمة الحاضر وصفقة المستقبل
التعليم الفني : وصمة الحاضر وصفقة المستقبل

ولعل من أسباب هذه النظرة المستوى الاجتماعي لمن يلتحق بتلك المدارس الذين ينتمون غالبا لأسر رقيقة الحال و المستوى التعليمي المتدني في هذه المدارس وافتقارها الجانب العملي الذي يعد الطالب لسوق العمل لدرجة عدم استفادته من التعليم الذي يتلقاه والذي يتبعه بالضرورة تدني أخلاقي مشاع عن تلك المدارس.

ولنبدأ أولا بتلك المجهودات المعلن عنها من جهة الدولة فقد تم التفكير في منظومة جديدة وذلك من خلال تدشين جامعات تكنولوجية للاهتمام بمستوى خريجي التعليم الفني وتأهيلهم لسوق العمل.

ويشمل مشروع تدشين الجامعات التكنولوجية بدأ بـ3 جامعات “القاهرة الجديدة – قويسنا – بنى سويف”، والاستكمال في تخصصات، منها: “التشييد والصيانة ومواد البناء، والعلوم الصحية والتطبيقية – المصايد واستزراع الأسماك- والترميم – الكهرباء والطاقة – الفندقة والخدمات السياحية – والصناعات الإلكترونية والمعدنية – الجلود – إنتاج الورق والطباعة – السيارات – الشاحنات”.

كما حددت وزارة التربية والتعليم خريطة للارتقاء بمنظومة التعليم الفني والتعاون مع وزارة التعليم العالي، منها الارتقاء بالمناهج ووضع نظم جديدة للامتحانات قائمة على المهارات ومدى استيعاب الطلاب وقدرتهم على التعلم، حتى يكونوا مؤهلين لدخول مرحلة الجامعات التكنولوجية.

ومن بين المقترحات المثمرة نقلا عن النموذج الألماني بأن يتم ربط تلك المدارس بالمؤسسات المعنية لينالوا من خلالها فرص للتدريب العملي ومنح فرص عمل للمتميزين بعد التخرج.

وهي دعوة لكل رواد الصناعة الوطنيين في مصر لتبني أحدى تلك المدارس وإمدادها بالتطوير العملي فلربما يعود هذا الإمداد عليه بالنفع من خلال إمداد مصنعه بالعمالة المدرية.

فلنرحم أبناءنا من هذه الازدواجية بين الادعاء بأننا جميعا سواسية وبين ما يشهده الواقع من تمييز سافر ولنعرف أن جزءا منه يعود لمستوى تلك المدارس تعليميا وخلقيا فلنأمل إذن أن تظهر ثمار الاهتمام بتلك المدارس وبهذه الفئة والذي سيعود بدوره على مستقبل مصر ونظرة المجتمع لخريجيها ستتبدل وإن كان الانتماء لتلك المدارس يراه البعض الآن وصمة عار فكل الأمل ومع مجهودات الدولة والمجتمع أن نرتقي بها وتتصدر صفقة المستقبل المتميز التي تخطط له مصر.

المراجعة اللغوية : أمل محمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

لديك مانع اعلانات فضلآ قم بتعطيله لتستطيع استخدام موقعنا